إسرائيل تنعى «صديقها»: ضربة كبرى لجهود مواجهة إيران

إسرائيل تنعى «صديقها»: ضربة كبرى لجهود مواجهة إيران

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٢ سبتمبر ٢٠١٩

لم تُخْفِ إسرائيل قلقها جراء «الإشارات السيئة» الواردة من واشنطن، وفي المقدمة إقالة مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، التي يُخشى أن تكون مقدمة لتحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، حيث يكمن التهديد المركزي للأمن الإسرائيلي. الواضح أن إسرائيل أولاً، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ثانياً، خسرا أهم شخصية داعمة بحماسة للمصالح الإسرائيلية، ليس فقط في ما يتعلق بالمواجهة مع طهران، بل أيضاً بما يرتبط بمصالح تل أبيب الأمنية الإقليمية والدولية، والدفع كذلك باتجاه تصفية القضية الفلسطينية. وإن كان لا ينتظر أن تصدر عن تل أبيب الرسمية انتقادات للرئيس الأميركي دونالد ترامب على خلفية الإقالة، وأن يقتصر الردّ على بيانات الشكر والامتنان لبولتون، إلا أن هذا التطور سيفرض نفسه على المستوى ما دون الرسمي.
 
الواضح أن إقالة بولتون لم تأتِ فقط على خلفية موقفه «الصقوري» من إيران، وعمله الدؤوب على دفع ترامب إلى المواجهة العسكرية معها، بل هي نتيجة جملة سياسات فاشلة دفع المستشار الرئيس إليها بلا جدوى، بدءاً من فنزويلا مروراً بالصين وأفغانستان وسوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى إيران نفسها، أي أنها محصلة لإخفاقات بولتون في أكثر من ساحة. وبناءً عليه، يُعدّ رحيله خسارة مركّبة لإسرائيل ولنتنياهو، سواء جاء على خلفية موقفه المعارض لتوجهات ترامب التسووية مع إيران فقط، أو نتيجة لمعظم مواقفه «الصقورية» التي لم تعد تتماشى مع إرادة ترامب تحقيق مكتسبات غير عسكرية، خصوصاً في ظلّ اقتراب الحملة الانتخابية لولاية ثانية يريدها بلا حروب ومواجهات.
كذلك، يُعدّ رحيل بولتون عاملاً مساعداً ومسهّلاً أمام ترامب لإنهاء معارضة الاستعدادات للقاء مباشر يريده مع الإيرانيين بلا شروط مسبقة، الأمر الذي يخالف جوهر الاستراتيجية التي تتبعها تل أبيب في مواجهة طهران، وهي خنقها اقتصادياً ودفعها إلى الاستسلام. وهذه الحقيقة عبّر عنها الإعلام العبري بعناوين تجلّي منسوب القلق، كما في صحيفة «معاريف» التي كتبت: «في الطريق إلى الاجتماع بروحاني، ترامب أقال بولتون»، وهو نفسه تقريباً في «هآرتس»: «على خلفية التقارب مع إيران، ترامب أقال مستشار الأمن القومي... إنها ضربة تعقب ضربة».
 
يعدّ رحيل بولتون خسارة مركّبة لإسرائيل ولنتنياهو
 
من جديد، يتّضح أن السعي الأميركي إلى مجاراة المصالح الإسرائيلية يقف عند حدود المصالح الأميركية نفسها، وإن كانت في جزء كبير منها متطابقة. وهذه المعادلة لا تُستثنى منها حتى إدارة ترامب الأكثر إثارة قياساً بالإدارات الأميركية السابقة، وتحديداً في ما يتعلق بلا استقرار توجهاتها في السياسة الخارجية. وقد كان لافتاً أمس تأكيد ترامب مرة أخرى استعداده للقاء روحاني، بعد ساعات معدودة على ما قال نتنياهو إنه خرق إيراني إضافي للاتفاق النووي، ودعوته إلى ممارسة «ضغط وضغط والمزيد من الضغط» على طهران. واللامبالاة الأميركية في أعقاب حديث نتنياهو، مضافة إلى إقالة بولتون وحديث بومبيو عن الاستعداد لمحادثات من دون شروط مسبقة، هي مؤشرات «كابوسية» لدى نتنياهو. وفي ذلك، تشير «هآرتس» إلى أنه «حتى الأمس (أول من أمس) كان صمام الأمان موجوداً: ما دام بولتون في البيت الأبيض، فهو مؤشّر على أننا لا نتجه لتسوية مع إيران، فهو لن يسمح بذلك. لكن مع الإقالة، الجواب بات واضحاً، والاتفاق النووي 2 في الطريق، وفي توقيت سيّئ وأكثر إشكالية».
الأهم أن انعطافة ترامب لم تأتِ على خلفية إخفاق بولتون، بل بسبب صمود إيران الذي أفشل خطط المستشار، والفارق كبير جداً. وهذه واحدة من أقسى النتائج على الاستراتيجية الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية، ومفاعليها ستتجلى في اتجاهين: الأول تزايد ثقة الإيرانيين بأنهم قادرون فعلاً على مواجهة الضغوط مهما عظمت، حتى مع إدارة أميركية مليئة بالصقور والتطرف، وهو ما سينعكس حزماً وثباتاً في المفاوضات المقبلة على الاتفاق النووي الجديد. والاتجاه الثاني يرتبط بالأميركيين أنفسهم، ويتمثل في الوعي الجمعي لدى الطبقة الحاكمة بأن الضغط على إيران لا يثنيها ولا يدفعها إلى التراجع، الأمر الذي سيكون حاضراً في محادثات «النووي 2»، وفي ذلك فشل ذريع لاستراتيجية إسرائيل التي إن لم تستطع النجاح مع إدارة ترامب، فلن يتوقع أحد أن تنجح مع غيرها من الإدارات.
ولا يتعلق «الكابوس» الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام العبرية بتداعيات إقالة بولتون على الملف الإيراني فقط، بل أيضاً في ما يتصل بملفات أخرى. وفي هذا الإطار، تدعو «هآرتس» إلى التوقف مليّاً أمام «اللفتات الكريمة» التي توقعها نتنياهو من الإدارة الأميركية ولم تأتِ، فيما تشير «يديعوت أحرونوت» إلى أنه «بخلاف التقديرات التي سُمعت في إسرائيل، بومبيو لم يتطرّق إلى الإعلان الدراماتيكي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مسألة فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت».
عملياً، سواء بإقالة بولتون أو بتصريح بومبيو، استراتيجية نتنياهو لعزل إيران تضعُف. اجتماع أميركي - إيراني، إذا عُقد، سيوفّر رياحاً داعمة لإيران، حتى لو لم يؤدّ بالضرورة إلى إلغاء فوري للعقوبات. في المحصلة، واحدة من دلالات إقالة بولتون أنها ظهّرت الفشل المعكوس لاستراتيجية إسرائيل، فبدلاً من جرّ إيران صاغرة إلى طاولة التفاوض، ها هي واشنطن تتخلّى عن شروطها لمحادثة طهران، بل إن المفاوضات نفسها باتت مشروطة إيرانياً برفع العقوبات. وبحسب «يديعوت أحرونوت»: «بعد فترة طويلة من التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، بتشجيع من نتنياهو، يبدو أن العلاقات تأخذ الآن مساراً جديداً، ويمكن فقط التساؤل عمّا يريد ترامب منحه للإيرانيين وامتنع بولتون عنه».