هدنة هشّة في غزة: المقاومة متأهّبة لأيّ إخلال

هدنة هشّة في غزة: المقاومة متأهّبة لأيّ إخلال

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٥ نوفمبر ٢٠١٩

تزامناً مع ذكرى اغتيال القيادي في «القسام»، أحمد الجعبري، قبل سبع سنوات، انتهت المواجهة الأخيرة بين المقاومة والعدو إلى اتفاق بضمانة مصرية يكرّر تفاهمات سابقة. الاتفاق يبدو إلى الآن هشاً، ليس بدلالة استمرار انطلاق بعض الصواريخ من غزة، بل باستمرار الاستنفار في مستوطنات «غلاف غزة»، على رغم إعلان العدو إنهاء عمليته التي سمّاها «الحزام الأسود»
 على رغم سريان التهدئة في قطاع غزة بعد موافقة العدو الإسرائيلي على شروط حركة «الجهاد الإسلامي» فجر أمس، فإن حالة من الحذر تسود الجانبين، إذ إن المقاومة لا تخفي شعورها بأن المواجهة المقبلة قريبة، وكذلك المستوطنون الذين لم يتجاوبوا مع قيادتهم ويعودوا إلى «الحياة الطبيعية». فمن جهة، أُطلق نحو ستة صواريخ من القطاع بعد ساعات من سريان التهدئة، من دون أن يعلن أيّ طرف المسؤولية عنها، فيما تَواصَل التحليق المكثف للطائرات الإسرائيلية. ومن جهة أخرى، يبدو أن الاتفاق الذي نصّ على امتناع العدو عن سياسة الاغتيالات وإطلاق النار على «مسيرات العودة» يحمل عوامل انتهائه بذاته، بالنظر إلى عقيدة العدوان المتأصلة لدى إسرائيل.
ويقول مصدر قيادي في «الجهاد الإسلامي»، لـ«الأخبار»، إن التهدئة أُبرمت بعد تواصل المصريين مع قيادة الحركة وإبلاغهم إياها بموافقة العدو كلّياً على الشروط التي وضعتها، وتحدّث عنها علناً الأمين العام لـ«الجهاد»، زياد النخالة، أول من أمس، مشدداً في الوقت نفسه على أن «الجهاد ترى سلاحها هو الضامن الأساسي لالتزام الاحتلال بهذه الشروط لا نيات العدو». وأكد أن الذراع العسكرية للحركة، «سرايا القدس»، ملتزمة «تماماً» بأوامر قيادتها في هذا الصدد. مع ذلك، بدا واضحاً أن لا ثقة لـ«الجهاد» بنتائج الوساطة المصرية، خاصة أن القاهرة لها تاريخ في العجز عن إلزام تل أبيب بالكثير من التفاهمات منذ الحرب الأخيرة عام 2014، ومن بعدها 12 جولة قتالية خلال العامين الماضيين. ولذا، أبلغت «الجهاد» المصريين أنها ستعود مباشرة إلى ضرب مدن المركز في حال أخلّ العدو بالشروط التي تم الاتفاق عليها. وفي الإطار نفسه، تقول أوساط قريبة من الحركة إن الأخيرة تعرّضت لـ«غدر» من السلطات المصرية، التي كانت أعطت ضمانات لقيادتها أثناء زيارتها للقاهرة قبل نحو أسبوعين بـ«عدم مساس إسرائيل بقيادة الجهاد التي يجري التحريض عليها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة الشهيد بهاء أبو العطا»، وهو ما يفسّر اعتذار النخالة عن الذهاب إلى القاهرة، على رغم تلقّيه دعوة عاجلة من المخابرات المصرية، مع أنه قال خلال لقاء تلفزيوني إنه لم يذهب لأن شروط الحركة وصلت المصريين و«يمكن عقد الاتفاق عبر الهاتف».
وبينما دوّت صفارات الإنذار في عدد من مستوطنات «غلاف غزة» حتى وقت متأخر من يوم أمس، قال العدو إنه اعترض غالبية الصواريخ التي لم يتبنّها أحد، في وقت خرجت فيه مسيرات ليلية في مناطق من القطاع دعت إلى رفض التهدئة ومواصلة الردّ على اغتيال أبو العطا. ومما زاد الغضب الشعبي أن العدو اغتال قبيل بدء التهدئة قائد «الوحدة الصاروخية في لواء الوسطى في سرايا القدس»، رسمي أبو ملحوس، الذي استهدفته طائرات الاحتلال مع عائلته، ما أدى إلى استشهادهم. وبعد سريان التهدئة، أعلنت وزارة الصحة أن حصيلة العدوان الإسرائيلي وصلت إلى 34 شهيداً، من بينهم ستة أطفال وثلاث نساء، إضافة إلى 111 جريحاً من بينهم 46 طفلاً و20 امرأة. وكان آخر الشهداء ثمانية فلسطينيين من عائلة واحدة (السواركة)، هم خمسة أطفال وسيدتان ورجل، استشهدوا في غارة استهدفت منزلهم في منطقة البركة في دير البلح (وسط). كما أفادت وزارة الأشغال العامة والإسكان بتضرر 500 وحدة سكنية جزئياً وتدمير ثلاثين أخرى بشكل كامل خلال يومي المواجهة.
على الجهة المقابلة، كشفت تقارير إسرائيلية أن السبب الذي دفع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى الإسراع في وقف النار هو خشيته من أن يؤدي التأخير في ذلك إلى ارتفاع احتمالات التصعيد وانضمام «حماس» إلى القتال، ولذا أعلن الجيش صباح أمس وقف ما سمّاه عملية «الحزام الأسود». وبينما أقرّ متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بسقوط نحو 450 صاروخاً، ادّعى أن «العملية حققت أهدافها، وحان وقت التركيز على الجبهة الشمالية» (لبنان وسوريا). لكن قيادات سياسية وجنرالات في الاحتياط انتقدوا أداء المستويين السياسي والعسكري خلال اليومين الماضيين (راجع التقرير المقابل). وممّا يعزز واقع الهدنة الهشّة، قول نائب وزير جيش العدو، آفي ديختر، إنه «لا توجد شروط لوقف النار. سنصفّي أي شخص يطلق الصواريخ ومن يرسله أيضاً»، فضلاً عن إعلان تعطيل التعليم اليوم في «مستوطنات الغلاف».
وبينما كشفت وسائل إعلام عبرية عن «صاروخ ثقيل» أطلقته المقاومة وسقط على إحدى الدفيئات الزراعية محدثاً دماراً كبيراً وواسعاً جراء رأسه المتفجر الذي قُدِّر بـ500 كيلوغرام، أعلنت «سرايا القدس» أنها «أدخلت صاروخاً جديداً من طراز براق 120 لأول مرة إلى الخدمة»، عارضة فيديو لتصنيعه ثم إطلاقه، من دون أن تربط بين ما نقل عن الصاروخ الأول و«براق 120». وتوجّهت السرايا، في بيانها أمس، بالشكر إلى «فصائل المقاومة الأبية التي رفضت الذل وسياسة الاغتيالات والاستفراد، وشاركتنا معركة صيحة الفجر البطولية بكلّ ما تملك من إمكانات عسكرية وبشرية... لا يفوتنا أن نجّدد شكرنا لمحور المقاومة، وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية في إيران، على ما قدّمه من أشكال دعم مختلفة».
إلى ذلك، أعادت قوات العدو فتح بحر غزة أمام الصيادين الفلسطينيين بعد يومين من إغلاقه، ليكون متاحاً لهم العمل في ما بين ستة و12 ميلاً بحرياً.