ترامب لأنصار إسرائيل: أنا مرشّحكم الوحيد!

ترامب لأنصار إسرائيل: أنا مرشّحكم الوحيد!

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٠ ديسمبر ٢٠١٩

لم ينجح مؤلّف كتاب «فنّ الصفقة»، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في عقد أيّ صفقة ناجحة ومدوّية في ميدان السياسة الخارجية على رغم وعده بذلك. ويرى ايشآن ثارور في «واشنطن بوست» أن الوقت بدأ ينفَد لعقد مثل هذه الصفقات قبل بدء حملة الانتخابات الرئاسية، وأن الرئيس الأميركي لم يقم، منذ وصوله إلى السلطة، سوى بتدمير ثمرة الجهود الدبلوماسية المُضنية التي بذلها الرؤساء الذين سبقوه، عبر الانسحاب من عدد من المعاهدات والاتفاقيات المهمة، وإضعاف المؤسسات والتحالفات التي استند إليها النظام الدولي. «صفقة القرن»، التي أصمّ أقطابُ الإدارة آذانَ الرأي العام العالمي بالتطبيل الإعلامي لها، لم تبصر النور، وكذلك هو حال الصفقة المفترضة مع كوريا الشمالية حول ترسانتها النووية أو مع الصين حول التجارة. غير أن هذا الفشل على المستوى الخارجي قابله نجاح في عقد الصفقات على المستوى الداخلي الأميركي مع أطراف سياسية واجتماعية مختلفة، لولاها لما تمكّن ترامب من الفوز بالرئاسة. خطابه أمام «المجلس الإسرائيلي - الأميركي» يندرج ضمن مسعاه إلى تجديد هذه الصفقات والمقايضات مع القوى والجماعات التي تشكّل نواة جمهوره الانتخابي، وفي مقدّمتها كتلة أصحاب المليارات اليهود والتيار الإنجيلي الصهيوني.
استياء الأوساط «الليبرالية» اليهودية، التي تصوّت عادة للحزب الديمقراطي، من المفردات الفجّة التي استخدمها الرئيس الأميركي عند حديثه عن اليهود الأميركيين في الخطاب المُشار إليه أعلاه (البعض اتهمه باللاسامية) لا يضيره في شيء. منذ وصوله إلى السلطة، اعتمد دونالد ترامب استراتيجية دفع الاستقطاب السياسي الداخلي إلى أقصاه، واللجوء المستمر إلى لغة ومفردات استفزازية هي جزء لا يتجزأ من تلك الاستراتيجية. أيّ مرشح آخر يتجرّأ على مخاطبة جمهور يهودي قائلاً: «أنا أعرفكم جيداً، أنتم قَتَلة مثل الوحوش، لا تتمتّعون باللطف على الإطلاق»، كان سيواجَه بحرب سياسية - إعلامية شعواء تُخرجه من حلبة السياسة إلى الأبد. لكن ما يحقّ لترامب لا يحقّ لغيره. هو استعرض في خطابه «الخدمات الجليلة» التي قدّمها لإسرائيل ولم يسبقه إليها رئيس أميركي: الاعتراف بالقدس عاصمة لها، ونقل سفارة بلاده إليها، وكذلك بـ«سيادتها» على الجولان. كان من الممكن أن يضيف لائحة طويلة بينها شرعنة الاستيطان والضمّ في الضفة الغربية والقدس، والذهاب إلى حافّة الحرب مع إيران لإجبارها على التخلّي عن ترسانتها الصاروخية التي يشكل استمرار تطورها تغييراً لميزان القوى الإقليمي لغير مصلحة إسرائيل. وأضاف ترامب إلى خطابه «الحجة الوازنة» بالنسبة إلى كبار الرأسماليين اليهود الحاضرين في هذا الاحتفال: «عليكم بالتصويت لمصلحتي، وليس لديكم خيار آخر. لن تصوّتوا لبوكاهونتاس (والمقصود هو السناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن) التي ستفرض عليكم ضريبة الثروة». هذه الشريحة، التي تضمّ أمثال شلدون أديلسون وبول سينغر، هي التي تهمّ ترامب. لقد ساهم دعمها السياسي والمالي له في إيصاله إلى السلطة. يقف القطاع الأعظم منها على يمين «الليكود» على المستوى السياسي، وهو يميل بشكل تلقائي وطبيعي إلى التحالف مع قوى اليمين المتطرّف ورموزه، كستيف بانون، مستشار الأحزاب الفاشية عبر العالم، على الرغم من أن موقع «بريتبارت» - الذي أداره - كثيراً ما نشر مقالات معادية لليهود على أساس عنصري. تقوم المقايضة بين ترامب وهذه الشريحة على قاعدة تبنّيه لأولويات أجندتها الخارجية: تأييد غير مشروط لإسرائيل، العداء لإيران وحلفائها، في مقابل دعمها له في الداخل الأميركي.
الكتلة الأخرى التي يريد ترامب ضمان تصويتها له، وهو يخاطبها مباشرة عندما يكرّر بلا ملل مواقفه المنحازة بالمطلق إلى إسرائيل، هي التيار الإنجيلي الصهيوني الذي يمثل أكبر خزّان أصوات انتخابية له. بول بيلار، المساعد التنفيذي للمدير الأسبق للمخابرات المركزية، والباحث في مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، رأى في مقال نشره على موقع «لوبلوغ» أن إدارة ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو تشتركان في الرهان على هذا التيار: «مواقف وممارسات ترامب ونتنياهو تكشف ما يجمع بينهما على المستوى السياسي... دعم إسرائيل وسياساتها في الولايات المتحدة بات محصوراً شيئاً فشيئاً في قاعدة سياسية يمينية يهيمن عليها المسيحيون الإنجيليون الذين ينطلقون في تأييدهم لإسرائيل من خلفية دينية صرفة. استراتيجية ترامب السياسية حيال ملفات متعددة تستند أساساً إلى تأييد هذه القاعدة الضيقة».
ليست لدونالد ترامب قناعات راسخة، بل ميول في أفضل الأحوال. المواقف التي يعبّر عنها تنطلق أولاً وأساساً من حسابات انتخابية باردة قبل أيّ اعتبار آخر، غير أن ائتلاف القوى الذي يمثله هو النسخة الأميركية من العصبية البيضاء الصاعدة على نطاق عالمي، بفعل التحوّلات الكبرى الجيوسياسية والجيواقتصادية في العقدين الماضيين. وإذا كانت اللاسامية في زمن مضى أحد أبرز المشتركات الأيديولوجية للتيارات الفاشية الغابرة، فإن التأييد غير المشروط لإسرائيل واعتبارها خطّ الدفاع الأول عن «الحضارة الغربية» هو أحد أبرز المشتركات بين ترامب وبولسونارو وسالفيني وأوربان وغيرهم من ممثلي الفاشية المستجدّة.