"إسرائيل" غير مُستعدّة للحرب.. نتنياهو لوزرائه: لا تصرّحوا!

"إسرائيل" غير مُستعدّة للحرب.. نتنياهو لوزرائه: لا تصرّحوا!

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٩ يناير ٢٠٢٠

في الساعات الأولى لعملية اغتيال قائد قوّة القدس في حرس الثورة الإيراني  الفريق قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وقادة آخرين في بغداد، حاولت "إسرائيل" بمستوياتها السياسية والأمنية التعامُل مع الحَدَث على أنه شأن أميركي-إيراني حصل على الأراضي العراقية ولا يعنيها بشكلٍ مباشر.
 
وبينما تداولت وسائل إعلامٍ إسرائيلية بعد عملية الاغتيال مباشرة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية لن يقطع زيارته إلى اليونان، فإن الأخبار التي كانت تتداول داخل الأراضي المحتلة كانت تشي بتحرّكاتٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ مُخالِفة لما تمّ الترويج له. فنتنياهو قطع زيارته إلى اليونان وعاد إلى تل أبيب صبيحة عملية الاغتيال (الجمعة) بعدما كان يُفترض أن يبقى هناك حتى السبت. وسارعت أجهزة الأمن الإسرائيلية إلى رفع حال التأهّب عند الحدود اللبنانية وهضبة الجولان المحتلة، وإلى إغلاق منطقة جبل الشيخ، المُحاذية للحدود السورية واللبنانية، في وجه الإسرائيليين والسيّاح، طالبةً من "الجمهور" عدم التوجّه إلى المنطقة في "خطوةٍ احترازية".
 
في تعليقه على عملية الاغتيال قال نتنياهو "ترامب يستحق التقدير الكامل لتصرّفه بقوّة وبسرعة... نقف إلى جانب الولايات المتحدة بالكامِل في معركتها العادِلة من أجل الأمن والسلام والدفاع عن النفس". لكن اللافت كان الكلام الذي صدر عن نتنياهو قُبيل ساعات من العملية حين عبّر صباح الخميس عن دعمه الكامِل لجميع الخطوات الأميركية، وما أسمّاه "بحق الولايات المتحدة الكامل، في حماية بلدها ومواطنيها".
 
وذكر أنه أجرى مساء الأربعاء اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وسائل الإعلام الإسرائيلية تعاملت مع تصريحات نتنياهو تلك التي أعلنها قبل ساعات من العملية على أنها عِلم إسرائيلي مُسبّق بما سيحدث. وفي هذا السياق نقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" عن القناتين 12 و13 في التلفزيون الإسرائيلي عن السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، قوله إن بومبيو تحدّث مساء الأربعاء الماضي مع نتنياهو عن "أشياء مُثيرة للغاية" تحدث في المنطقة.
حاول نتنياهو من خلال تصريحاته تصوير ما حصل على أنه اشتباك أمني بين طهران وواشنطن، لن تطال تبعاته تل أبيب ولو أنها دعمت عملية الاغتيال، ووضعته في إطار دفاع الولايات المتحدة عن نفسها لا عن "إسرائيل"، لكن معهد أبحاث "الأمن القومي الإسرائيلي"، وفي تقدير الوضع للعام 2020 الذي قام بتحديثه صباح الجمعة الماضي، رأى أن اغتيال الفريق سليماني قد يؤدّي إلى "تغيير استراتيجي في المنطقة يكون من السابق لأوانه تقييم انعكاساته"، ويستلزم أن "تستعدّ إسرائيل للسيناريوهات كافة ابتداء من تصعيد محدود وانتهاء بصراع واسع النطاق بين إيران والولايات المتحدة". وفيما لم يستبعد المعهد أن تُرجئ إيران ردّها إلى مرحلة لاحقة، تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها قد خفّضوا مستوى التأهّب فيها، فإن التقرير أكّد أنّ "احتمال اندلاع الحرب ارتفع". خبراء وباحثو المعهد اعتبروا أن "التهديد الأخطر هو حرب في الساحة الشماليّة، مع إيران وحزب الله، والنظام السوري وفصائل موالية لإيران"، وفق تعبيرهم.
 
وجاءت التصريحات الإيرانية في وقتٍ لاحق، لتؤكّد أن تل أبيب ليست بعيدة عن المواجهة الدائرة، فالتهديد الذي وجّهه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لإيران باستهداف 52 موقعاً إيرانياً من بينها مواقع ثقافية، تبعه تهديد إيراني على لسان محسن رضائي، رئيس مصلحة تشخيص النظام، الذي أشار إلى أن الرد على الولايات المتحدة في حال تنفيذ وعيدها باستهداف مواقع إيرانية سيكون ضد "إسرائيل".
وعلى الرغم من التقديرات الإسرائيلية أن تل أبيب معنية بتبعات اغتيال سليماني، إلا أن نتنياهو واصل سياسته الإعلامية في التعاطي مع الحادثة على أنها شأن أميركي فقط.
 
مساء الإثنين الماضي، حصل اجتماع للمجلس الأمني الوزاري الإسرائيلي المُصغَّر برئاسة نتنياهو، ونقلت القناة 13 الإسرائيلية عن نتنياهو قوله خلال الاجتماع إن اغتيال سليماني "عمل أميركي لا يخصّنا، ولا ينبغي جرّنا إليه". الاجتماع الذي دار برئاسة نتنياهو ناقش كيفيّة استعداد "إسرائيل" في حال وقوع هجمات صاروخية إيرانية على أهداف إسرائيلية، وفق ما ذكره الإعلام الإسرائيلي، وتقرّر رفع درجة الاستنفار الأمني في سفاراتها وقنصلياتها حول العالم إلى مستوى واحد قبل المستوى الأعلى، تحسّباً لهجمات انتقامية. وبحسب وزراء حضروا الاجتماع، كما قالت القناة، فإن نتنياهو وافق أن يُدلي الوزراء بتصريحات صحفية بشأن اغتيال سليماني، لكنه شدَّد عليهم أن يركِّزوا على "الدعم الإسرائيلي للولايات المتحدة فقط".
 
خلال الساعات التي تلت الرد الإيراني، فجر يوم الأربعاء، ساد الصمت في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية فيما اكتفت وسائل الإعلام بنقل الأخبار الوارِدة من العراق، رغم التهديدات الإيرانية باستهداف حيفا خلال الموجة الثالثة من الصواريخ في حال وجود رد أميركي، ليخرج نتنياهو بعد ساعات ومع هدوء الأوضاع ويقول "سنضرب بعنف أي طرفٍ يحاول مهاجمة إسرائيل"، في الوقت الذي كانت أعلنت فيه إيران انتهاء عمليتها الأخيرة ضد القواعد الأميركية في العراق.
 
التعاطي السياسي والإعلامي والأمني من قِبَل "إسرائيل" مع حادثة اغتيال الفريق سليماني والقيادي أبو مهدي المهندس، يضعه مدير مركز "أطلس" للدراسات الإسرائيلية عبد الرحمن شهاب، خلال حديثه للميادين نت، في خانة المخاوِف الإسرائيلية من إقحام تل أبيب لنفسها في معركة الرد. وترى "إسرائيل"، حسب شهاب، أنها ستقع في مأزق الرد على إيران وهذا يعني فتح مواجهة مباشرة مع الأخيرة. وكان ذلك واضحاً في مواقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي كان لها تحفّظ على سلوك بعض الوزراء المُتفاخرين بعملية الاغتيال في اجتماعات التقديرات الأمنية، في الوقت الذي أصدر فيه نتنياهو توجيهات لوزرائه بعدم الإدلاء بأيّ تصريح في هذا الشأن، بحيث يكون مجال التصريحات فقط هو "التأكيد على حق الولايات المتحدة في حماية نفسها".
 
شهاب أشار إلى اتخاذ تل أبيب العديد من الإجراءات الأمنية السريعة بُعيد عملية الاغتيال، كان أبرزها التوقّف عن مهاجمة سوريا، تخوّفاً من أن توجّه الأنظار إلى الاعتداءات الإسرائيلية هناك ويترتّب عليها رد أو تسخين على الجبهة السورية، يجر لإقحام "إسرائيل" في مسألة الردود على اغتيال الشهيد سليماني. أمّا على صعيد الإجراءات الداخلية، يرى شهاب أن "إسرائيل" كانت على علمٍ مُسبّق بعملية الاغتيال، وفي ظلِّ عدم استيعاب المجتمع الإسرائيلي لأبعاد الحرب الشاملة، فإن الحديث جرى داخل أروقة الجيش الإسرائيلي عن "ضرورة إدخال مفهوم الحرب الشاملة في العقل الجًمْعي للمجتمع الإسرائيلي"، بعد ملاحظة أن المجتمع غير مُدرِك لأبعاد تلك الحروب وهذا كان من الاستعدادات العامة قبل عملية الاغتيال، ما قد يسبّب إصابات كثيرة نتيجة الاستهتار.
 
وتتخوّف "إسرائيل" حالياً من الحديث عن أية إجراءات، يؤكّد شهاب، كي لا يظهر على أنها تستعد لرد إيراني، أو تستدعي هذا الرد، بحيث أن الاستعدادات ستكون بشكل سرّي جداً، وفي هذا السياق جاء القلق الإسرائيلي من تحذير وزارة الخارجية الأميركية للمواطنين الأميركيين في "إسرائيل" من أن يكون هناك رد إيراني، إذ ناقش الإعلام الإسرائيلي هذه المسألة ووضعها في إطار الاستعدادات العامة الخاصة بالولايات المتحدة في محاولة لتبريد الأجواء داخل "إسرائيل قدر الإمكان.
 
وحول استعداد "إسرائيل" لحربٍ شاملة، يُشير شهاب إلى أن هذا الأمر نوقِش أكثر من مرّة في أروقة الجيش الإسرائيلي وفي لجنة الخارجية والأمن، وكان هناك قلق من عدم استعداد تل أبيب لهذه المواجهة، لا سيما وأن "منظومة الدفاع" الإسرائيلية، ثبت فشلها في أكثر من مواجهة محدودة مع المقاومة في قطاع غزَّة. ويتابع: "إسرائيل لن تكون مستعدَّة للدخول في حربٍ شاملة نتيجة رد على رد، بل هي تفكِّر في حربٍ تكون نتيجتها استعادة معادلة المنطقة بحيث تُعيد تدمير مناعة الأمّة التي تشكّلت منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتُعيد التوازن إلى بعض الدول في المنقطة التي تسعى إسرائيل إلى التحالف معها". بناءً عليه، فإن "إسرائيل"، حسب شهاب، غير جاهزة لأيّ من الحربين لا سيما وأن البديل العربي الذي تريد تعزيزه، هذيل ولا يستطيع أن يكون بديلاً عن قوى المقاومة في المنطقة التي وصلت إلى طريق اللا عودة ولا يمكن تدميرها. ويشدِّد شهاب، على أن دخول "إسرائيل" في حربٍ شاملة الآن ستكون نتيجته تفكّكها، مع عدم جهوزيتها لذلك.