تفعيل «آلية النزاع» يعرّي الأوروبيين: طلبات ترامب أوامر!

تفعيل «آلية النزاع» يعرّي الأوروبيين: طلبات ترامب أوامر!

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٠ يناير ٢٠٢٠

بات من الواضح أن أوروبا ليست أكثر من ألعوبة بيد «الحليف» الأميركي عندما يتعلّق الأمر بإيران، إن لم يكن بالمنطقة والعالم. لم تعد الدول الأوروبية الكبرى، أي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تُظهر مقاربة مختلفة عن المقاربة الأميركية، سواءً كان ذلك حاصلاً بالرضى أم بالإجبار
كشفت صحيفة «ذي واشنطن بوست»، الأسبوع الماضي، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدّد الدول الأوروبية الثلاث، الموقّعة على الاتفاق النووي (ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا)، بفرض تعريفات تصل إلى 25% على السيارات الأوروبية المستوردة إلى الولايات المتحدة، في حال لم تقم هذه الدول بتفعيل «آلية فضّ النزاع» ضدّ إيران. وفعلاً، خلال أيام، اتهمت الدول الثلاث إيران، رسمياً، بانتهاك الاتفاق النووي، مُطلِقةً الإجراء الذي قد يعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، والذي سيقضي على ما تبقى من الاتفاق الموقّع في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وتُمثّل الجهود الأميركية لإخضاع السياسة الخارجية الأوروبية عبر الضرائب، والتي شبّهها أحد المسؤولين الأوروبيين بـ«الابتزاز»، مستوى جديداً من التكتيكات القاسية التي تمارسها الولايات المتحدة على أقدم حلفائها، الأمر الذي يلقي الضوء أكثر على الاضطرابات الاستثنائية على ضفتَي الأطلسي.
وليس أبلغ تعبيراً عن ذلك ممّا قاله بيار هاسكي، عبر موقع إذاعة «فرانس إنتر» الفرنسية، من أن «الأزمة الإيرانية كاشفة هائلة لصراعات القوة الدولية، وبالتالي كاشفة للضعف السحيق الذي تعانيه أوروبا». خرج هاسكي بهذه الخلاصة في تعقيبه على ما كشفته «ذي واشنطن بوست»، التي سعت، في جزء من تقريرها، إلى الحفاظ على بعض من ماء وجه الأوروبيين، وتعويض جزء من كرامتهم المهدورة من قِبَل ترامب، عبر التركيز على أن هذه الدول الأوروبية كانت تفكّر، بالفعل، في تفعيل هذه الآلية، وأن التهديد الأميركي لم يسهم سوى في جعلها تتردّد في قرارها خوفاً من أن تظهر بمظهر التابع للأميركيين في حال افتُضح الأمر. ولكن إشارة الصحيفة إلى النية الأوروبية السابقة لتهديد ترامب لم تُقنع العديد من المراقبين والمحلّلين الأوروبيين، ومن بينهم هاسكي. أشار هذا الأخير إلى مرور ثلاث سنوات - أي منذ تسلّم ترامب منصبه رئيساً للولايات المتحدة - على فقدان الأوروبيين خيارهم/ قرارهم في ما يتعلق بإيران، لصالح «رضوخهم لخيارات دونالد ترامب الذي يختلفون معه بشدّة». ولشرح فكرته، استذكر هاسكي مساعي إيمانويل ماكرون، التي ذهبت هباءً، لإغواء ترامب بعدم الخروج من الاتفاق، ثمّ أشار إلى عجز الأوروبيين عن الاعتراض على أيٍّ من التصرّفات الأميركية المدمّرة للاتفاق النووي، قائلاً إن هؤلاء «لم يتمكّنوا من الاعتراض على العقوبات الأميركية التي تُطبَّق على كلّ الشركات الأوروبية التي تجري أعمالاً تجارية مع إيران». وبعد ذلك، كان «الإذلال الأخير»، عندما وضع الأوروبيون نظام مقايضة مع إيران سُمّي بـ«إنستكس»، والذي ووجه بتهديد أميركي بفرض عقوبات على كلّ الشركات التي تستخدمه، فكان أن بقي من دون فعالية، نظراً إلى أن أيّاً من المؤسسات الأوروبية لم تتجرّأ على استخدامه خوفاً من الانتقام الأميركي. بالنسبة إلى هاسكي، يبدو ميزان القوى واضحاً جداً، ويتمثّل في أن «الأوروبيين لا يملكون الوسائل من أجل مواجهة مثل هذه الضغوط». ولكن الأهم، وفق الكاتب، هو أنه «من المؤكد أن هذا الرئيس الأميركي أكثر وحشية وأكثر تفضيلاً للأحادية من أسلافه»، بل إن كلمة «حلفاء» فقدت معناها في عهده.
من جهتها، رأت مجلّة «ذي أوبزرفر»، في افتتاحيتها أمس، أن «الإذلال انهال وراء الإذلال في الأسابيع الأخيرة، تاركاً الاتحاد الأوروبي يظهر عاجزاً، بدل أن يكون مشاركاً في صناعة اللعبة». وأشارت إلى أن «ترامب عندما أمر باغتيال الجنرال قاسم سليماني، تجاهل حلفاءه الأوروبيين بشكل كامل»، مذكّرةً بأن الرئيس الأميركي «قضى بشكل غير شرعي على أهمّ إنجازات وزيرتَي خارجية الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغريني وكاثرين آشتون، أي الاتفاق النووي الذي كان في غرفة الإنعاش من جرّاء العقوبات الأميركية». وأضافت المجلّة البريطانية أنه «لإضافة الزيت على النار، أصرّت الولايات المتحدة على أن تقوم الدول الثلاث (بريطانيا، فرنسا وألمانيا) بتفعيل آلية فضّ النزاع، الأمر الذي رضخت له هذه الدول، والذي ردّت عليه إيران بغضب، كما كان متوقّعاً». لكن، وبحسب المجلّة، فإن «المثير للحرج، كان الكشف عن أن ترامب هدّد، سراً، بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 25% على السيارات المستوردة من أوروبا إلى الولايات المتحدة، إلا في حال جرى تفعيل آلية فضّ النزاع»، وهو ما يندرج في خانة «الابتزاز» على حدّ توصيف أحد المسؤولين. وإذ رأت «ذي أوبزرفر» أن «هذه الحلقة تشكّل مثالاً مثيراً للقلق على محاولة الولايات المتحدة، ونجاحها، في إدارة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي»، فقد خلصت إلى أنها «تركت أوروبا تبدو ضعيفة بشكل بائس».