كيف سيعيد “كورونا” تشكيل الانتخابات الرئاسية الأميركية وقيادة واشنطن للعالم؟

كيف سيعيد “كورونا” تشكيل الانتخابات الرئاسية الأميركية وقيادة واشنطن للعالم؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٨ مارس ٢٠٢٠

“يجب أن أقول إنني لم أتوقع قبل أسبوعين أنَّ الوضع في الولايات المتحدة الأميركية سيكون هكذا الآن. إذ كُنَّا نتحدث آنذاك عن السياسات الخارجية للمرشحين الديمقراطيين. أمَّا الآن، فيبدو أنَّ الانتخابات التمهيدية قد انتهت بالفعل، وأنَّ العامل الأساسي في تشكيل الانتخابات الرئيسية نفسها سيكون فيروس كورونا وليس أي شيء آخر”. هذا ما قاله ماثيو كروينغ، مدير مركز Scowcroft Center البحثي الأميركي، في حوار مع مجلة Foreign Policy الأميركية.
 
يقول كروينغ، لقد طغى فيروس كورونا على جميع الأشياء الأخرى. وهذا من المرجَّح أنَّ يعزز موقف المرشح الديمقراطي جو بايدن. ويبدو أن الأميركيين لن يصوّتوا لثورة بيرني ساندرز الموعودة في الوقت الذي ينهار فيه العالم.
 
هل فشلت جميع خطط ترامب؟
بالرغم من أنَّ نماذج العلوم السياسية للانتخابات الرئاسية لا تُخبِرنا بالكثير، لكنَّها توضّح أنَّ الأداء الاقتصادي في الربع الثالث من السنة الانتخابية مهم قليلاً. وبناءً على ذلك، كان يبدو أنَّ ترامب في وضع قوي قبل بضعة أسابيع، ولكن منذ ذلك الحين، تلاشت جميع المكاسب التي حققتها البورصة الأميركية منذ تنصيب ترامب تقريباً.
 
وبالرغم من التدخلات الفيدرالية الرئيسية وخطة التحفيز، ما زالت الأسواق تنهار، ويبدو الآن أن الولايات المتحدة تتجه نحو الركود، بسبب أزمتي النفط وكورونا، ففي الوقت الذي تصعد فيه للمرتبة الأولى عالمياً بتفشي وباء كورونا، متجاوزة الصين وإيطاليا، حيث وصل عدد الإصابات في مجموع الولايات إلى نحو 85 ألف مصاب، حتى نهار الجمعة 27 مارس/آذار.
 
تقول إيما أشفورد، الباحثة في معهد Cato Institute للدراسات، مقره واشنطن، إن ترامب كان يريد انخفاض أسعار النفط في عام 2020 طوال فترةٍ معينة من الوقت. لكنني لست متيقنةً من أنَّه كان يتوقع وصولها إلى هذا الحد. وكذلك فالطريقة التي فكَّر بها لن تساعده: فالبنزين الرخيص لن يُجدي نفعاً كبيراً ما دمت غير قادرٍ على مغادرة المنزل!
 
لقد دخل الاقتصاد العالمي حالةً من السقوط الحر، وليس من الواضح أنَّه سيتحسن في أيِّ وقتٍ قريب. نأمل أن يكون مجرد ركود. لأنَّ البديل هو الكساد.
 
 
 
كيف سيؤثر ذلك على الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
أمَّا بالنسبة لخلاصة تأثير ذلك في الانتخابات، فالشيء الوحيد الذي سيتحدث عنه الجميع منذ الآن إلى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل هو فيروس كورونا والاقتصاد. وهذه ليست بُشرى خير لترامب.
 
تقول إيما، من المقلق أن نرى البعض يقترح تأجيل الانتخابات لأزمة صحية. فبعيداً حتى عن التكنولوجيا المتطورة، يمكننا التصويت عن طريق البريد إذا اضطررنا إلى ذلك. وقد فعلت ولاية واشنطن ذلك، وكل في ما في الأمر أنَّها طلبت من الناخبين ألَّا يلعقوا مظروفاتهم! لكنَّ هذا مجرَّد مجال آخر تبدو فيه الحكومة غير مستعدة تماماً لهذه الأزمة، أو أي أزمة على الإطلاق.
 
تضيف الباحثة، أن الرئيس الأميركي يواجه تحدياً لا يستطيع محاربته بأساليبه المعتادة ببساطة. فهو لا يستطيع اختلاق لقبٍ مضحك لفيروس كورونا وتكذيب وجوده واصفاً إيَّاه بأنَّه “أخبار كاذبة”، مع أنَّه حاول فعل ذلك بالطبع في بداية الأزمة. ولا يمكنه ببساطة استخدام الجيش الأميركي كأداة قوة عشوائية كما يفعل في كل أزمة تواجهه في السياسة الخارجية. فلا يمكن للمرء الخروج من أزمة انتشار جائحةٍ بالخداع والحيل الملتوية.
 
ولكن إذا أردنا أن نتحدث عن السياسة الخارجية لثانيةٍ واحدة، سنجد أنَّ الشيء الوحيد الذي يحاول الرئيس فعله هو إلقاء اللوم على الصين. فما الهدف من ذلك الآن والفيروس ينتشر في الولايات الخمسين جميعها كالنار في الهشيم؟ هل يعتقد أنَّه سيواجه انتقادات أقل إذا نجح؟
 
 
 
أزمة الصين والولايات المتحدة ستتفاقم
يقول ماثيو كروينغ، إن الصين تستحق نصيباً عادلاً من اللوم. فمحاولاتها المبكرة للتكتُّم على تفشي المرض جعلت احتواء هذا المرض مستحيلاً وساعدت في تصديره إلى بقية العالم. ثم اتبعت إجراءاتٍ وحشية، من بينها تقييد المواطنين في الأشجار سعياً إلى السيطرة على المرض حسب ما ذكرت بعض التقارير. وما زال الحزب الشيوعي الصيني يكذب بشأن إحصاءات المصابين والوفيات.
 
وإدارة ترامب لا تحاول هنا القول بأنَّ الصين تتحمَّل مسؤولية المخاوف التي تُهدِّد حقوق الإنسان، لكنَّها تحاول تصوير الصينيين على أنَّهم أشبه بشيءٍ من قبيل “الخطر الأصفر” حرفياً.
 
ومع ذلك، هناك تداعيات على العلاقات الأميركية الصينية. فالمسؤولون الصينيون يلمحون إلى أنَّ الفيروس من صناعة الجيش الأميركي. فيما يدَّعي البعض في الولايات المتحدة أنَّ الفيروس جرى تخليقه في مختبر أسلحة بيولوجية تابعٍ لجيش التحرير الشعبي الصيني. وكذلك طردت الصين صحفيين أميركيين كانوا ينشرون تقارير عن تفشي المرض. وهذه الاتهامات المتبادلة يُمكن أن تُسهِم في تدهور العلاقات في وقتٍ قد يكون فيه التعاون بين الولايات المتحدة والصين مفيداً في وقف الأزمة.
 
ويبدو أن نهج ترامب “غبي جداً”. فهذا النهج يلقى استحساناً لدى أنصاره ويحاول صرف اللوم عنه عبر العنصرية، لكنَّه لا يأخذ في الاعتبار العواقب الدولية طويلة الأمد للفيروس، الذي يمكن أن يقلب الأوضاع في العالم كله. وليس من الواضح حتى ما إذا كان أنصاره سيتفقون مع هذا النهج إذا بدأوا يُصابون بالمرض. فهناك جزءٌ كبير منهم من كبار السن ومعرَّضون للخطر.
 
أمَّا بالنسبة للصين، فهناك قلق من أنَّه إذا استمرت الولايات المتحدة والصين في إلقاء اللوم على بعضهما البعض بشأن الفيروس، فسيؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات بينهما في مجالاتٍ أخرى كذلك، وقد تؤدي لحرب.
 
بالإضافة لذلك، هناك تداعيات كبيرة على مستقبل النظام العالمي. إذ شهدنا على مدار التاريخ أنّ الجوائح أسهمت في صعود وانهيار القوى العظمى. حيث أدّى وباءٌ داخل أثينا إلى خسارتها حرب البيلوبونيز ضد إسبرطة. كما تسبّب طاعون إيطاليا في نقل القوة الجيوسياسية من جنوب إلى شمال أوروبا خلال القرن الـ17. والكيفية التي ستُدير بها واشنطن وبكين الأزمة خلال الأسابيع المُقبلة ربما تُؤثّر على هوية من يقود النظام الدولي بعد عقود.
 
فضلاً عن التداعيات العسكرية في حال تشتَّت انتباه الحكومة الأميركية، أو تفشّى الفيروس بين القوات الأميركية بما يُثير تساؤلات حول جاهزية واشنطن العسكرية.
 
 
 
أميركا وقيادة العالم
تقول إيما أشفور، إن الأزمات كوباء كورونا، تتمتّع بقدرة تسليط الضوء على المشكلات، حتى وإن كانت موجودةً بالفعل منذ فترةٍ طويلة. فها نحن نشهد ما تحدّث عن الكثيرون منذ فترةٍ طويلة في إيطاليا: وهو أنّه لا وجود للكثير من التضامن الأوروبي، وتعاون الناتو، على أرض الواقع كما يعتقد البعض. وحين طلبت إيطاليا معونةً طبية، لم يُساعدها أيٌ من حلفاء الاتحاد الأوروبي. وهذا يُبشّر بالسوء لمستقبل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
 
حول ذلك يقول فريد كيمبي، رئيس مركز Atlantic Council البحثي، إنّ ترامب كان يجب أنّ يحتكم للمادة الخامسة من ميثاق الناتو من أجل التعامل مع كوفيد-19. لكن حلف الناتو هو تحالفٌ عسكري بنهاية المطاف، وتعزّزت جوانبه العسكرية على الأرض خلال السنوات الأخيرة استجابةً للتهديد الروسي.
 
تقول إيما، على الجانب الآخر، يبدو أن الجائحة تُباعد بين الكثير من البلدان. إذ تُشعر كل بلدٍ أنّ عليها النجاة بنفسها.
 
من الواضح هنا أنّ الأمر سيُسبّب اضطراباً هائلاً في النظام العالمي. إذ طرحت سؤالاً على الشبكات الاجتماعية منذ أيام وما أزال أتساءل عن إجابته: هل هذا هو ما شعروا به خلال عام 1914 -حين اندلعت الحرب العالمية الأولى- أو عام 1789 حين اندلعت الثورة الفرنسية؟ وهل ندخل بجدية في فترة تغيّرٍ دولي كبير؟ أم هل ستعود الأمور إلى سابق عهدها حين نخرج من الأزمة، وتظل الولايات المتحدة قائدة العالم، ويظل العالم متكاملاً اقتصادياً بهذا القدر؟
 
تضيف إيما، لقد عايشت نهاية الحرب الباردة، وأحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول، والأزمة المالية العالمية. لكن لم يسبق لي أن شهدت أزمةً من هذا النوع. وتبدو هذه الأزمة أكثر أهمية في الوقت الحالي.