دراسة إمکانية تدخل الناتو الجديد في الأزمة الليبية المعقدة

دراسة إمکانية تدخل الناتو الجديد في الأزمة الليبية المعقدة

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٩ مايو ٢٠٢٠

أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي(الناتو) أمس أنه يعترف بحكومة الوفاق الوطني فقط، کما أعلن استعداد الناتو لتقديم بعض المساعدة الدفاعية لحكومة الوفاق الوطني. من ناحية أخرى، في محادثة مع ستولتنبرج يوم الجمعة، دعت تركيا حلف شمال الأطلسي إلى التدخل ضد قوات حفتر ودعم الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة.
 
يتم تعزيز دور الناتو في المعادلة الليبية في حين أن العديد من الجهات الدولية الفاعلة في ليبيا نشطة أو حساسة للتطورات الليبية، وبعضها أعضاء في الناتو، مثل تركيا واليونان وإيطاليا وفرنسا، وفي الوقت نفسه لديها مواقف مختلفة ومتناقضة في ليبيا.
 
مستوى دور الناتو في ليبيا
 
في عام 2011، شن الناتو غارات جوية وأصر على التدخل في ليبيا، مما مهد الطريق لسقوط معمر القذافي. ولكن في ذلك الوقت قلما تنبأ أحد بانخراط ليبيا في حرب أهلية طويلة الأمد بعد القذافي. وحالياً، بعض الجهات الفاعلة مثل روسيا، تعتبر الناتو السبب الرئيسي للوضع الحالي في ليبيا.
 
الوضع في ليبيا ما بعد القذافي يختلف عن عام 2011، وبعض الدول مثل الولايات المتحدة، التي وافقت في السابق على الإطاحة بالقذافي والتدخل العسكري في ليبيا، راضية الآن عن الوضع الموجود في هذا البلد، لأن ليبيا أصبحت ساحة مواجهة بين روسيا وبعض الدول الأوروبية من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحرب الأهلية في هذا البلد هي الأقل إضراراً بالمصالح الأمريكية.
 
وليس من قبيل الصدفة أن يتصل ترامب بحفتر في أبريل، ويثني على "دوره البناء في مكافحة الإرهاب". هذا في حين أنه قال في وقت سابق في لقاء مع رئيس الوزراء الإيطالي "جوزيبي كونتي" الذي يدعم حكومة السراج، إن "إيطاليا شريك رئيسي للولايات المتحدة في القضية الليبية".
 
ترامب لم يدعم التدخل العسكري التركي في ليبيا، ولكن ليس لديه عرض لحل سياسي في ليبيا أيضاً. وقد ساعدت هذه المواقف الأمريكية المتناقضة في تفاقم الوضع في ليبيا.
 
من ناحية أخرى، أدى التنافس بين إيطاليا وفرنسا كعضوين أوروبيين مهمين في الناتو في ليبيا، إلى تعقيد هذه القضية. تقول إيطاليا إنها تشعر بالقلق إزاء تزايد عدد المهاجرين الليبيين الذين ستكون إيطاليا وجهتهم الأولى بسبب تفاقم الحرب الأهلية في بلادهم، ولكن فرنسا تتهم إيطاليا باختطاف مكاسب فرنسا الاقتصادية في ليبيا.
 
في الواقع، يطمع الطرفان في ثروات ليبيا الغنية بالنفط والغاز. حيث يتم تصدير حوالي 85 بالمائة من نفط ليبيا إلى أوروبا، و30 بالمائة من نفط إيطاليا يتم توريده من ليبيا.
 
کما تتضرر فرنسا وألمانيا أيضاً من تعليق صادرات النفط الليبية إلى أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، تبحث فرنسا عن استكشاف اليورانيوم في ليبيا، ولا تزال ليبيا تعتبر جسرًا لفرنسا للتسلل إلى الصحراء الأفريقية.
 
تركيا وهي أهم لاعب نشط في ليبيا حتى الآن، أرسلت 1900 جندي إلى قواعدها في ليبيا، إلى جانب آلاف المسلحين الآخرين من سوريا، ومنذ أن قررت التدخل عسكرياً وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقدت 279 مقاتلاً وعدة ضباط منذ 11 مايو حتى الآن.
 
هذا في حين أن اليونان، بصفتها عضوًا آخر في الناتو، ترى أن وجود تركيا في ليبيا يضر بمصالحها الجيوسياسية في البحر الأبيض المتوسط​​، وکان رد فعل أثينا الأقل حتى الآن هو طرد السفير الليبي من اليونان.
 
ردود فعل ترامب المثيرة للجدل بشأن ليبيا وخلافات أعضاء الناتو الحادة حيال هذا البلد، جعلت الناتو الذي اعتبر ذات مرة سقوط القذافي بأنه أنجح عملياته التاريخية، يواجه أصعب الاختبارات في ليبيا.
 
مستقبل ليبيا وتدخل الناتو
 
بعد تصاعد التوترات في ليبيا في أوائل عام 2020، وضعت الدول المشاركة في مؤتمر برلين خارطة طريق لا تدعم بموجبها أيًا من الأطراف المعنية، وستساعد في إقرار وقف إطلاق النار في ليبيا. من ناحية أخرى، فإن أحد أسس عمل المؤسسات الدولية في ليبيا هو اتفاق "الصخيرات"، الذي تم بموجبه نقل السلطة إلى المجلس الانتقالي في ليبيا وحكومة فايز السراج الحالية.
 
هذا في حين أن خليفة حفتر ألغی علناً اتفاق الصخيرات، ولا يرى أي ضرورة للتعاون مع المؤسسات الدولية. وبالتالي، فإن موقف الناتو أقرب إلی تركيا فيما يتعلق بليبيا. وبحسب بيان صادر عن حكومة السراج أمس، قال الأمين العام لحلف الناتو للسراج إن الحلف يعترف بحكومة الوحدة الوطنية فحسب، ولا يدعم أي منظمة أو مجموعة أخرى.
 
کما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي(الناتو) في مؤتمر صحفي أمس، حول أنشطة تركيا في ليبيا: "إن حلف شمال الأطلسي يتكون من 30 حليفاً دولياً، وهم لديهم مواقف مختلفة بشأن مختلف الملفات والقضايا، لكن أنقرة حليفة مهمة".
 
لقد كثفت تركيا مؤخراً تعاونها مع الناتو في العديد من المناطق المتأزمة، بما في ذلك مواجهة كورونا في ليبيا. وقال "ينس ستولتنبرغ" في اتصاله الهاتفي أمس مع أردوغان: "إن الناتو يحتفظ بموقفه المتوازن من ليبيا، وهو مستعد لمساعدة حکومة الوفاق الوطني في هذا البلد بشأن بناء المؤسسات الدفاعية والأمنية، بناءً على طلب رئيس الوزراء فايز السراج. سيساعد الناتو ليبيا بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع مراعاة الوضع السياسي والأمني ​​في هذا البلد".
 
يبدو الآن، وبالنظر إلى أن فرنسا، بصفتها عضوًا مهمًا في الناتو، مترددة في التدخل عسكريًا في ليبيا، ومن ناحية أخرى تدعم ألمانيا الحلول السياسية، أن محاولة الناتو الأخيرة للعب دور في ليبيا تهدف إلى تعزيز مواقف حكومة الوحدة الوطنية ومنع حفتر من تحقيق المزيد من التقدم.
 
الناطق باسم قوات حكومة الوفاق "محمد قنونو" وبعد المواقف الأخيرة للناتو، خاطب المتمردين المدعومين من حفتر بلهجة تهديدية، وقال: "سيتم استهداف أي هدف ثابت أو متحرك قد يكون خطيرًا في جميع أنحاء البلاد، ولا توجد استثناءات أو خطوط حمراء في هذا الصدد".
 
يبدو أن مثل هذا الموقف أقرب إلى السياسة الأمريكية الحالية، لأن واشنطن في ردود فعلها الأخيرة بشأن ليبيا، وإن کانت لا تسعى إلى إزالة حفتر من المعادلة الليبية، لكنها تدعم تقليص قوة حفتر.
 
وبهذا الصدد، قال السفير الأمريكي في ليبيا "ريتشارد نورلاند" في مقابلة مع "القدس العربي" بالأمس: "حفتر شخص مؤثر، لكنني أعتقد أنه ذكي بما يكفي ليعرف أن نفوذه يتضاءل مع مرور كل يوم تستمر فيه المعارك، وأن شرعيته السياسية ستتعرض للخطر إذا لم يسمح للحكومة في الشرق بالتفاوض".
 
حتى الآن، لم تتخذ أي من الدول التي طالبت بإنهاء النزاع في ليبيا خطوات أساسية لنزع السلاح وقطع المساعدات الأجنبية للقوات المتمردة، وبالتالي فإن الحلول السياسية کانت قصيرة الأجل، كما أن التطورات في ليبيا وتأثيرها على الخلافات بين أعضاء الناتو، ستضعف دور هذا الحلف وتزيد الانتقادات لأدائه. ولذلك، من غير المتوقع أن يصبح الناتو في المستقبل عاملاً هامًا في تطورات ليبيا لإنهاء الأزمة في هذا البلد.