الإقفال يتهدّد الشركات الأميركية... والبطالة إلى ارتفاع: تخفيف الإجراءات لن يُنقذ الاقتصاد

الإقفال يتهدّد الشركات الأميركية... والبطالة إلى ارتفاع: تخفيف الإجراءات لن يُنقذ الاقتصاد

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٢ مايو ٢٠٢٠

رغم الدفع في اتّجاه إعادة فتح الاقتصاد الأميركي، فإنّ فكرة إنقاذه لا تزال بعيدة جداً من التحقيق في ظلّ استمرار الوباء في التفشّي، وعدم قدرة الكثير من الشركات على مواصلة عملها، فضلاً عن ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، والخلافات السياسية التي تمنع المزيد من المساعدات
 
كلّما تقدّم الوقت، تظهر الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة، بفعل تفشّي فيروس «كورونا»، بأوجه مختلفة. ما قبل الوباء شيء، وخلاله شيء، وفي فترة إعادة فتح الاقتصاد شيء آخر، قد يكون أكثر فداحة من سابقَيه. المشاكل التي تتبدّى كثيرة، تنطلق من الضغوط التي يخضع لها حكّام الولايات لإعادة فتح الاقتصاد، مروراً بالمصاعب التي يواجهونها لتحقيق هذا الهدف، ولا تنتهي باستمرار ارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وإيقاف العمل في العديد من المؤسّسات التجارية والشركات، التي لن تتمكّن من الاستمرار في المرحلة المقبلة، بغضّ النظر عن شكلها.
 
يبدأ الأمر ممّا يواجه حكّام الولايات من ضغوط متصاعدة من أجل إعادة فتح الاقتصاد. خطوة دونها الكثير من المخاطر، الاقتصادية والسياسية والصحّية، في وقت يحذّر فيه الخبراء من أنّها قد تعني آلاف الوفيات الجديدة. وفق صحيفة «ذي نيويورك تايمز»، تختلف القرارات المتخذة بشأن فتح الاقتصاد، بين ولاية وأخرى. ولكنّها تشير إلى أنّ «التحرّكات المتزايدة في اتجاه رفع القيود - أو على الأقل العودة إلى العمل في المساحات الخارجية، مثل الشواطئ والحدائق العامّة - تعكس الضغوط السياسية والاجتماعية الضخمة، التي يخضع لها حكّام الولايات».
ولكن بالرغم من أنّ إعادة فتح الاقتصاد باتت عبارة طنّانة بين السياسيين، فإنّ الحياة لا تزال بعيدة من العودة إلى ما هو طبيعي في معظم الأماكن. ففي جورجيا، مثلاً، التي حرّكت العجلة الاقتصادية، الشهر الماضي، تشهد المطاعم حركة تصل إلى 15% ممّا كان قبل الجائحة، وفقاً لمعلومات نشرها موقع «Open Table»، الذي يُعنى بحجوزات المطاعم. حتّى إنّ الواقع فرض نفسه على ولاية نيويورك، حيث أكبر عدد من الإصابات والوفيات، فقد ارتأى حاكمها إعادة فتح الاقتصاد مع استثناء المناطق الأكثر تضرّراً. أمّا في العاصمة واشنطن، فلا يزال قرار البقاء في المنزل سارياً إلى أول حزيران / يونيو. ويأتي ذلك فيما يتحرّك عدد من الولايات على الساحل الغربي، وبعض الولايات التي يقودها ديمقراطيون في الغرب الأوسط، ببطءٍ في اتجاه إعادة فتح الاقتصاد. في المقابل، قام عددٌ من ولايات الجنوب بإعادة تحريك عجلة الاقتصاد باكراً، وبشكل واسع، وشبه كامل.
 
ضغوط جمهورية لمنع مساعدات
التنوّع في القرارات يعكس الاختلاف السياسي بين منطقة وأخرى، ولكن أيضاً الضرورة الملحّة التي بات يواجهها الاقتصاد الأميركي المُنهار، والتي تحتّم القيام بأي خطوة ممكنة من أجل تفادي الأسوأ. إلّا أن هذا الأمر لن يكون سهلاً، إن بسبب الظروف نفسها، أو انطلاقاً من خلافات سياسية من نوع آخر داخل الكونغرس، يدخل فيها البيت الأبيض طرفاً. تدور هذه الخلافات، حالياً، حول المساعدات الإضافية التي تُمنح للعاطلين عن العمل. ففي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة العمل عن وصول عدد طلبات إعانة البطالة إلى 38.6 مليوناً، بعد تقدّم 2.4 مليون أميركي للحصول على هذه الإعانات، خلال الأسبوع الماضي، أفادت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، بأنّ الرئيس دونالد ترامب والمشرّعين الجمهوريين، يصعّدون من ضغوطهم، في سبيل معارضة تمديد المِنَح على إعانات البطالة. التردّد الذي أبداه البيت الأبيض وقادة الحزب الجمهوري، ووجه بانتقادات حادّة من قبل الديمقراطيين في الكونغرس، الذين حاججوا بدورهم بأنّ تفشّي فيروس «كورونا» يهدّد بمواصلة تدمير القوى العاملة، إلّا في حال وافقت الحكومة على المزيد من المساعدات. بناءً عليه، من المتوقّع أن تتكثّف المواجهة، خلال الأسابيع الستة المقبلة، قبل الوصول إلى الوقت المحدّد لاتخاذ القرار بهذا الشأن، خلال شهر تموز / يوليو.
المسألة التي يجري النقاش حولها تتمحور حول أحد بنود رزمة التحفيز الاقتصادي، التي أقرّها الكونغرس في آذار / مارس الماضي، والتي تنصّ على 600 دولار إضافية أسبوعياً، للأميركيين. إلّا أنّ ترامب أعرب عن تردّده في تمديد تلك المِنَح، خلال غداء خاص مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الذين شاركه عدد منهم هذه الهواجس، معتبرين أنّ تمديد الإنفاق الفدرالي سيُثني الناس عن العودة إلى العمل. ينتهي إعطاء هذه النفقات في شهر تموز / يوليو، وقد أعرب الجمهوريون في الكونغرس عن دعم تقليلها، خلال اجتماع جرى الثلاثاء بحضور نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخزانة ستيفن مانوشين، وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وزعيم الأقلية في مجلس النواب كيفين ماكارثي، وفقاً لأشخاص مطّلعين على المسألة. كذلك، وافق قادة الحزب الجمهوري على تأخير جولة جديدة من المساعدات المرتبطة بمواجهة فيروس «كورونا»، إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع. وفي انعكاس لعمق الأزمة سياسياً، وليس فقط اقتصادياً، قال ماكونيل أمام مشرّعين في مجلس النواب، إنّ الجمهوريين يجب أن «ينظّفوا (ما خلّفته) سياسة الديمقراطيين المجنونة، التي تقضي بإعطاء الناس المزيد من المال مقابل البقاء في المنزل، بدل دفعهم للعمل من أجل جني المال».
الأزمة لن تنتهي عند هذا الحدّ، إذ إنّ مجرّد رغبة الجمهوريين في دفع الناس إلى العمل لن يكون كافياً، انطلاقاً من توقّعات تفيد بموجة مرتقبة من عمليات إقفال الشركات الصغيرة والمتوسّطة، وبالتالي المزيد من العاطلين عن العمل، والمزيد من الركود الاقتصادي. ويأتي ذلك في وقت لا يزال فيه الناس يخافون من ارتياد المقاهي أو المطاعم، أو يجدون من الصعب التحرّك وسط استمرار إجراءات التباعد الاجتماعي. فولاية تكساس مثلاً، التي تُعدّ ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان (29 مليوناً)، أعادت فتح اقتصادها في أول أيار / مايو. ولكن بعد أسابيع، أفاد المسؤولون عن أعلى عدد إصابات بفيروس «كورونا» في اليوم، بينما أعرب كثيرون عن مخاوف من أنّ المؤسسات التجارية لن تنجو. فمن بين أكثر من 50 ألف مطعم في الولاية، 12% باتت خارج الخدمة بسبب الوباء، وفق إيميلي نايت، المديرة التنفيذية لجمعية مطاعم تكساس. تشير هذه الأخيرة، في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أنّ من المتوقّع أن لا يتمكّن ما يقارب من 30% من المطاعم من النجاة. فعلى حدّ تعبيرها «خسرت صناعة المطاعم في الولاية حوالى 700 ألف وظيفة»، مضيفة أنّ من المتوقع أن يشهد هذا العدد ارتفاعاً.
بناءً عليه، تتفرّع في أكثر من اتّجاه، إذ أشارت «نيويورك تايمز»، في تقرير آخر، إلى أنّ «أحد أبرز التهديدات الاقتصادية في فترة ما بعد الوباء بات واضحاً: عددٌ ضخم من الشركات الصغيرة والمتوسّطة سيُغلق بشكل دائم، ما يؤدي إلى خسارة ملايين الوظائف». لم تغفل الصحيفة الإشارة إلى أنّ الحكومة الفدرالية تحرّكت بسرعة من أجل مساعدة هذه الشركات، عبر تمرير برنامج الحماية، وتخصيص 669 مليار دولار لهذا الهدف، حتّى الآن. ولكنّ المشكلة التي تذكرها، في هذا السياق، هي أنّ هيكلية هذا البرنامج ليست على قياس الأزمة التي تعاني منها ملايين الشركات. فلربما اشترى البرنامج بعض الوقت لهذه المؤسسات، ولكن «شكله الحالي لن يسمح للعديد منها بالاستمرار، إلى حين الخروج من الأزمة» بشكل نهائي. لماذا؟ لأنّ هذا البرنامج وُضع ليستجيب للأزمة، عند بدء الإغلاق في آذار / مارس الماضي. يومها، بدا أنّ إغلاق الشركات سيمتدّ لفترة قصيرة، سيتمكّن بعدها الجميع من العودة إلى الحياة الطبيعية في الصيف. لذا، كان الهدف من البرنامج تغطية الإنفاق على مدى ثمانية أسابيع، للشركات التي يصل عدد موظفيها إلى أقل من 500. أمّا الآن، فيبدو من المرجّح أنّ العديد من هذه الشركات سيواجه نقصاً في الإيرادات لأشهر عدّة، بعد إعادة فتح الاقتصاد. وبما أنّه من الصعب أن يعود عملها إلى ما كان عليه قبل الأزمة، فمن المتوقّع أن تلجأ نسبة كبيرة منها إلى خفض عدد الموظفين، والعمل بشكل جزئي.