هل يمكن أن “ينقلب” الجيش الأمريكي على ترامب حال استمرت التظاهرات؟

هل يمكن أن “ينقلب” الجيش الأمريكي على ترامب حال استمرت التظاهرات؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٤ يونيو ٢٠٢٠

في تصرّف نادر الحدوث خرج وزيرا الدفاع الحالي والسابق بانتقادات علنية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهديده بنشر الجيش لقمع الاحتجاجات المتفجرة في أنحاء الولايات المتحدة تنديداً بمقتل جورج فلويد المواطن من أصل إفريقي على أيدي رجل شرطة أبيض، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية رفض الجيش تنفيذ أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة أي ترامب.
ترامب تراجع .. مؤقتاً
أمس الأربعاء 3 يونيو/حزيران بدا أن ترامب قد خفف من لهجته العنيفة بشأن التهديد بنشر قوات الجيش في الولايات لمواجهة المتظاهرين الذين يصفهم “بالبلطجية والإرهابيين”، حينما قال إنه “لا يعتقد أنه سيحتاج إلى الاستعانة بقوات الجيش للتصدي للاحتجاجات”.
ففي مقابلة مع تلفزيون نيوزماكس رداً على سؤال عما إذا كان سيرسل الجيش إلى أي مدن بعد الاحتجاجات التي شابها العنف في بعض الأحيان بسبب مقتل جورج فلويد، قال ترامب: "لا أعتقد أننا سنضطر لذلك"، وهذا يعتبر تراجعاً، لكن من الواضح أنه تراجع مؤقت ومرتبط بسير المظاهرات نفسها.
هل يقيل وزير الدفاع؟
ولهذا التراجع المؤقت خلفية هامة تتمثل في تصريحات أدلى بها في وقت سابق من أمس الأربعاء وزير الدفاع الحالي مارك إسبر قال فيها إنه “لا يدعم التذرع بقانون التمرد لنشر قوات عسكرية عاملة لإخماد الاضطرابات في الوقت الحالي”، وهذا الكلام مُعارض تماماً لما قاله ترامب.
لكن إسبر لم يكتفِ بذلك، بل سعى للنأي بنفسه عن مشهد تفريق المتظاهرين السلميين في محيط البيت الأبيض بالقوة وقيام ترامب بجلسة تصوير أمام كنيسة مقابلة للبيت الأبيض وهو يحمل الإنجيل، قائلاً إنه “لم يكن يعلم بإشراكه في الصورة ذات المغزى السياسي التي التقطت لترامب الإثنين 1 يونيو/حزيران”.
والمعروف عن ترامب أنه لا يتسامح مع قيام أيٍّ من المسؤولين في إدارته بمعارضته علناً، لذلك كان من الطبيعي أن تصبح مسألة إقالة إسبر سؤالاً رئيسياً تم توجيهه للمتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني والتي جاءت ردودها لتضفي مزيداً من الغموض على الموقف.
ماكيناني قالت للصحفيين في الإيجاز الصحفي اليومي: "حتى الآن، الوزير إسبر لا يزال في منصبه وإذا فقد الرئيس ثقته فيه سنعلم جميعاً بهذا في المستقبل".
ماذا يقول الدستور عن علاقة الرئيس بالجيش؟
بداية لابد أن نذكر هنا أن قوات عاملة من الجيش عبارة عن قوات من الشرطة العسكرية وهليكوبتر بلاك هوك عسكرية في محيط البيت الأبيض شاركوا بالفعل في فض المتظاهرين باستخدام الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع فيما يعرف الآن باسم “أحداث الكنيسة”، وفي اليوم التالي الثلاثاء 2 يونيو/حزيران أمر ترامب بنشر عناصر عسكرية من الفرقة 82 المحمولة جواً في واشنطن العاصمة.
الواضح إذن أن الدستور الأمريكي يعطي الحق للرئيس في نشر قوات الجيش لمواجهة أحداث الشغب أو الفوضى المحلية حال فشلت قوات الأمن المحلية في القيام بهذا الدور، وهذه حقيقة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، والتفاصيل هنا هي تفسير النص الدستوري والقانوني، وهذا ما اتضح من الخلاف بين رؤية وزير الدفاع إسبر للأحداث على الأرض ورؤية ترامب وهنا مربط الفرس.
وهذه النقطة كانت موضوعاً لمقال تحليلي نشرته اليوم الخميس 4 يونيو/حزيران صحيفة نيويورك تايمز كتبه جوناثان ستيفينسن، محامٍ عسكري وعضو سابق في مجلس الأمن القومي، أثناء إدارة أوباما وحالياً زميل أول في المعهد الاستراتيجي للدراسات الدولية، بعنوان: “ترامب أخطأ بنشر القوات، فهل يرفض الجيش التنفيذ؟”.
هناك مادة دستورية تم إقرارها عام 1807 تسمح للرئيس بنشر القوات المسلحة محلياً للسيطرة على الاضطرابات المدنية التي تفوق قدرة قوات الشرطة المحلية على التعامل معها، ولم يتم تفعيل تلك المادة سوى 20 مرة منذ إقرارها قبل أكثر من 213 سنة، وفي الغالبية العظمى من تلك الحالات كان الرئيس يقوم بذلك بناءً على طلب من حكام الولايات.
القانون نفسه لا يتطلب موافقة حاكم الولاية على نشر قوات الجيش بأمر الرئيس، لكن الممارسة الفعلية توضح أن تلك هي الطريقة المتعارف عليها، وكان التعديل الوحيد الذي تم إدخاله ونص صراحة على الحالات التي يمكن فيها للرئيس أن يأمر بنشر قوات الجيش رغم معارضة حكام الولايات وهي الثورة المباشرة ضد السلطات الفيدرالية وتنفيذ جماعة الكوكولوكس العنصرية البيضاء إعدامات بحق الأمريكيين الأفارقة، وقد تم إدخال ذلك التعديل أثناء الحرب الأهلية في الفترة من 1861 وحتى 1864.
رد فعل غاضب من ترامب على استقالة ماتيس وزير الدفاع الأميركي
ومؤخراً -في عهد رئيس جمهوري آخر هو جورج بوش الابن- تم إقرار تعديلات على تلك المادة تعطي الرئيس سلطات أوسع لنشر قوات الجيش دون موافقة حكام الولايات وكان ذلك عام 2006، لكن تلك التعديلات المثيرة للجدل تم إلغاؤها عام 2008 بعد رفض حكام الولايات الخمسين لها بالإجماع.
وكان آخر رئيس يلجأ لتفعيل تلك المادة هو جورج بوش الأب عام 1992، والمصادفة أن ذلك جاء في ظروف مشابهة للأحداث الحالية على الأقل من ناحية السبب، حيث اندلعت احتجاجات وأحداث شغب في لوس أنجلوس في أعقاب تبرئة رجال شرطة بيض كانوا يحاكمون بتهمة ضرب مواطن أسود هو رودني كينغ، وطلب حاكم كاليفورنيا من الرئيس نشر قوات الجيش دون أن يكون هناك أدلة على عدم قدرة قوات الأمن المحلية على مواجهة الاحتجاجات، لذلك كان هناك ما يشبه الإجماع بين خبراء القانون ورجال الشرطة على أن نشر قوات الجيش في تلك الحالة كان رد فعل مبالغاً فيه من جانب حاكم الولاية.
ماذا عن علاقة ترامب بجنرالاته؟
خبراء القانون والمراقبون لا يتفقون مع تقييم ترامب للمظاهرات الحالية على أنها أكبر من قدرة قوات الأمن في الولايات على التعامل معها، ومن الواضح الآن أن قيادات الجيش أيضاً لا توافق على ذلك التقييم، وهذا ما عبر عنه إسبر صراحة، إضافة لتصريحات وزير الدفاع السابق جون ماتيس الذي خالف تقليداً ثابتاً وهو عدم توجيه انتقاد لرئيسٍ حالي من جانب أي جنرال يستقيل أو تتم إقالته، ووصف تصرفات ترامب وزجّه بالجيش في أمور السياسة بأنه سعي “لتقسيم أمريكا وليس توحيدها”.
وكما قال إسبر “الجيش الأمريكي مؤسسة غير مسيسة مهمتها حماية الديمقراطية”، لكن مع رئيس بشخصية ترامب ليس هذا مهماً ولا يقيم له وزناً، فالرجل اتخذ قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا دون أدنى اعتبار لوزير الدفاع وقتها (ماتيس)، وهو ما أدى لاستقالة الوزير، وبعد انتقادات ماتيس لترامب أمس هاجمه الرئيس بعنف ووصف بالفاشل الذي أقاله أوباما وأقاله ترامب أيضاً.
القانون العسكري الأمريكي أيضاً توجد فيه نقطة هامة تعطي الحق للرجل العسكري أن “يرفض تنفيذ الأمر بطريقة منظمة” إذا ما كان ذلك الأمر، من وجهة نظر من يتلقاه من الممكن أن يوقع ضرراً على مصلحة البلاد أكبر من المنفعة، وهذه نقطة غاية في الأهمية في الأحداث الجارية.
فمع تراجع مشاهد السلب والنهب واتساع رقعة الاحتجاجات والمظاهرات السلمية لا أحد يمكنه توقع ما قد تشهده الساعات والأيام والأسابيع المقبلة، خصوصاً في عام الانتخابات -الانتخابات الرئاسية يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني- وحالة الاستقطاب الحادة وغير المسبوقة منذ الحرب الأهلية الأمريكية.
 هذه المعطيات تجعل مسألة رد فعل الجيش الأمريكي إذا ما طلب ترامب بالفعل انتشاره بشكل مكثف في الولايات أمر غير محسوم على أقل تقدير، والأمر هنا مرتبط بأكثر من عنصر أبرزها حدة المظاهرات واستمرارها، يليها مباشرة حالة الرئيس المزاجية وقراراته التي تصدر أحياناً عبر تويتر قبل أن يعلم بها أقرب مساعديه، فترامب قالها بشكل واضح من قبل “أنا رئيس الولايات المتحدة وسلطاتي مطلقة”، عندما كان هناك خلاف بشأن موعد رفع إجراءات الإغلاق بسبب وباء كورونا بين الرئيس من جهة وبعض حكام الولايات من جهة أخرى.