عودة ضيف غير مرغوب.. الشرق الأوسط يواجه موجة ثانية من كورونا، فهل يكون كبحها أصعب من الأولى؟

عودة ضيف غير مرغوب.. الشرق الأوسط يواجه موجة ثانية من كورونا، فهل يكون كبحها أصعب من الأولى؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٢ يونيو ٢٠٢٠

عقب أشهر من فرض الإغلاق بسبب جائحة “كوفيد-19″، بدأت دول الشرق الأوسط تعود لحياة طبيعية تكاد تبدو بلا هموم. إذ عاد الزبائن يملأون مقاهي الشيشة في العاصمة الأردنية عمان، بعدما كانت من بين أوائل الأعمال التي تُغلَق في مارس/آذار خوفاً من المخاطر الصحية المحتملة. وفي بيروت، لوحظ تراجع ارتداء أقنعة الوقاية تراجعاً كبيراً منذ فرضت الحكومة غرامة قدرها 33 دولاراً على كل من يخرج إلى الشارع بدونها. ومن طهران إلى تونس، يبدو أنَّ الكثير من الناس يعلنون اختفاء جائحة “كوفيد-19”.       
 
لكن الجائحة لم تنتهِ في الشرق الأوسط بعد. إذا شهدت العديد من الدول تجدداً مُقلقاً في الإصابات، إن لم يكن موجة ثانية من جائحة فيروس كورونا المستجد، كما تقول مجلة The Economist البريطانية. 
 
قفزات جديدة في معدلات الإصابات
سجلت إيران قفزة في معدلات الإصابات والوفيات، بعدما اعتقدت السلطات أنها روَّضت واحدة من أسوأ الفاشيات التي شهدها العالم. أما في إسرائيل، فأصبحت المدارس عاملاً لنقل العدوى. وفي السعودية، التي لم تشهد موجة انتشار أولى، أبلغ الأطباء عن ارتفاع غير متوقع في عدد المصابين الذين ترددوا على المستشفيات وكذلك عدد الوفيات. ومع ذلك، ترفض الحكومات في الشرق الأوسط العودة إلى الإغلاق في الوقت الذي بدأت فيه اقتصاداتها تعود للحياة. وقد يكون كبح موجة الفاشية الثانية أصعب من التعامل مع الموجة الأولى.
 
كانت إيران واحدة من أوائل الدول التي عصف بها “كوفيد-19”. وبلغ عدد الحالات الجديدة ذروته في أبريل/نيسان عند نحو 3000 إصابة جديدة في اليوم. وقاوم الرئيس حسن روحاني فرض إغلاق كامل خوفاً من الضرر الذي قد يلحق باقتصاد يعاني بالفعل بسبب من سنوات من العقوبات الأمريكية. ومع ذلك، فحتى استجابة حكومته غير المُنظَمة ساعدت على الحد من تفشي المرض، وبحلول شهر مايو/أيار، انخفضت الحالات بما يكفي لرفع القيود إلى حد كبير.
 
والآن عادت الإصابات الجديدة إلى الذروة التي كانت عليها في أبريل/نيسان. ويرجع هذا جزئياً إلى تحسين فحوصات التشخيص؛ فبعد بداية بطيئة، تقول وزارة الصحة الإيرانية إنها فحصت أكثر من مليون شخص للكشف عن الفيروس. لكن عدد القتلى يرتفع أيضاً؛ مما يشير إلى أنَّ الوباء يزداد سوءاً بالفعل. ووصل متوسط ​​الوفيات هذا الشهر إلى نحو 70 في اليوم، أي أعلى بنسبة 40% من أدنى مستوياته في مايو/أيار. وتلقي الحكومة باللوم في الزيادة على التجمعات الكبيرة مثل حفلات الزفاف. ويقول الأطباء إنَّ السفر بين المدن يساعد على انتشار الفيروس بين المحافظات. وعلى الرغم من ذلك، قال روحاني مرة أخرى إنَّ إيران لا تستطيع تحمل تكلفة فرض حالة الإغلاق. وأعادت إيران فتح الجامعات في وقت سابق من هذا الشهر.
 
من جانبها، اتخذت “إسرائيل” مساراً مختلفاً. إذ أوقفت السفر الدولي في أوائل مارس/آذار، وفرضت على المواطنين البقاء في منازلهم لأسابيع. وبحلول أواخر مايو/أيار، مع وجود أقل من 20 حالة إصابة جديدة في اليوم وعدم وجود وفيات تقريباً، شعرت الحكومة أنها يمكن أن تعلن انتصارها على الجائحة. ونظراً لأنَّ الأطفال أقل تأثراً بالفيروس، كانت المدارس من بين الأماكن الأولى التي أعيد فتحها. وعاد بعض التلاميذ في وقت مبكر، تحديداً في 3 مايو/أيار، مع فرض حد أقصى على عدد الطلاب المسموح بتواجدهم داخل الفصل، من بين إجراءات وقائية أخرى.
 
لكن لم تستمر الفصول لفترة طويلة. إذ نمت الإصابات اليومية بمعدل ستة أضعاف عن نظيرتها الشهر الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى العدوى المرتبطة بالمدارس، بما في ذلك أكثر من 100 حالة من مدرسة واحدة في القدس المحتلة. إلى جانب ذلك، ثبتت إصابة ما لا يقل عن 300 طالب ومعلم، ويقيم الآلاف من الناس في الحجر الصحي بسبب الإصابة المحتملة. وأُغلِقَت أكثر من 100 مدرسة، وحتى في المدارس غير المغلقة، يصر بعض الآباء على إبقاء أطفالهم في المنزل. وتعتقد وزارة الصحة أنها يمكن أن تعزل الإصابات الجديدة، لكن المختبرات أصبحت ترزح تحت وطأة العمل، ويضطر بعض المرضى للانتظار لمدة أيام للحصول على نتائج الفحص.
 
مشقة كبيرة في كبح الوباء في الخليج
وكانت عمليات الإغلاق أكثر مشقة في الخليج، حيث فرضت أماكن مثل دبي والسعودية حظر التجول لمدة 24 ساعة لمدة أسابيع. ومع ذلك، لم يوقف هذا الفيروس. إذ واصل الفيروس انتشاره بين العمال المهاجرين الذين يشكلون أكثرية السكان في معظم دول الخليج. ومع ذلك، سجلت هذه الدول حصيلة وفيات منخفضة؛ نظراً لأنَّ المهاجرين يكونون عادة من صغار السن، وتدفع الحكومات الثرية ثمن علاج “كوفيد-19”. وبدأت الحياة تعود لطبيعتها بعد عطلة عيد الفطر الشهر الماضي.
 
ومنذ ذلك الحين تفاقم الوباء في السعودية. وفي 20 مايو/أيار، مباشرةً قبل دخول المملكة إلى حالة الإغلاق خلال العيد، سجلت المملكة 10 وفيات. وبحلول التاسع من يونيو/حزيران، تضاعفت الوفيات لأربع مرات تقريباً، وصولاً إلى 37 شخصاً. وبدأت بعض المستشفيات تمتلئ بالمصابين؛ إذ تضاعف عدد المرضى في وحدات العناية المركزة بأكثر من ثلاث مرات. إضافة إلى ذلك، توفي 3 أطباء في الآونة الأخيرة، وهي أول حالات وفاة مسجلة بين الطواقم الطبية في المملكة. وعادت مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر إلى حظر التجوال. وفتحت السلطات مستشفى ميدانياً جديداً بسعة 500 سرير في مركز المؤتمرات التابع لها.
 
وعلى غرار منافسيهم في إيران، يلوم السعوديون تزايد انتشار العدوى على تجاهل المواطنين لقواعد التباعد الاجتماعي. ومع ذلك، فهم يأملون في تجنب فرض إغلاق آخر على مستوى البلاد، وقد يمضون قدماً في السماح بوفود الحجاج الشهر المقبل، لكن بعدد أقل من المعتاد.
 
لم يكن من المفترض حدوث أي من هذا بهذه السرعة. فقد كانت دبي ترغب في إعادة فتح مطارها الشهر المقبل أمام السياح والمسافرين من رجال الأعمال. ويخطط لبنان، الذي يحتاج بشدة للعملات الصعبة، لفعل الشيء نفسه. في حين، يأمل الأردن في تعزيز السياحة الداخلية هذا الصيف. ودفعت المخاوف بشأن الصحة العامة معظم الدول العربية إلى تكرار حالة الإغلاق هذا الربيع. لكن قلة منهم فقط من يعتقدون أنهم يستطيعون تحمل تكلفة فرضها مرة أخرى.