قانون الأمن القومي نافذاً في هونغ كونغ: الكباش الصيني ــ الأميركي متواصل

قانون الأمن القومي نافذاً في هونغ كونغ: الكباش الصيني ــ الأميركي متواصل

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١ يوليو ٢٠٢٠

أقرَّت الصين «قانون الأمن القومي» في هونغ كونغ بهدف لجم أيّ حراك مُطالب بتغيير الوضع القائم على مبدأ «دولة واحد ونظامان»، وتالياً قمع حركات التمرُّد في إقليم يشهد اضطرابات ومساعي متواصلة، يدعمها الغرب، للانفصال عن المركز. خطوة بكين المُرتقبة قابلتها واشنطن بأخرى استباقية فتحت الباب واسعاً أمام تصاعد التوتّر بين القوّتين، بعدما قرّرت إلغاء المعاملة التفضيليّة للمدينة، ما من شأنه أن يزعزع مكانتها كمركز مالي وتجاري عالمي
استعجلت الصين إقرار «قانون الأمن القومي» في هونغ كونغ، على افتراض أن من شأن ذلك وضع حدّ لحراك انفصالي لا ينفكّ يكبر في مدينة باتت في صلب توتّر صيني ــــ أميركي متصاعد. توتُّر يضاف إلى مروحة واسعة من الأزمات بين القوتين العظميين، فضلاً عن أنه يمنح إدارة دونالد ترامب هامشاً إضافياً للمناورة في الملفّ التجاري، وأوّل الغيث قرارها إلغاء المعاملة التفضيلية للإقليم على خلفية القانون الذي «يقوّض الحكم الذاتي»، ما يعني الركون إلى واقع الأمر، واعتباره جزءاً من الصين القارية. ويترتّب على الخطوة الأميركية تداعيات مرهقة ستؤدّي إلى زعزعة مكانتة المدينة عالميّاً.
القانون، الذي أُعدَّ على عجالة، في غضون أسابيع قليلة، جاء كردّ على تنامي الحراك المناهض للسلطة المركزية في المدينة، ومن شأنه تعزيز «آليات التطبيق» في المستعمرة البريطانية السابقة، وفقاً للمادة 23 من برلمان هونغ كونغ المصغّر (القانون الأساسي)، التي تنصّ على ضرورة أن تسنّ المدينة قوانين مرتبطة بالأمن القومي لمنع «الخيانة والانفصال والفتنة». وتؤكّد بكين، كما السلطة التنفيذية في الإقليم، أن مثل هذا القانون، الذي دخل حيّز التنفيذ فور إقراره في البرلمان الوطني الصيني وتوقيع الرئيس شي جين بينغ عليه، ضروريّ لإعادة الاستقرار إلى مدينة باتت محكومة بالاضطرابات، وخصوصاً بعد الحراك الاحتجاجي عام 2019، فالأخير استند في «خلاصه» إلى اجترار تدخُّل غربي يكف يدَ الصين. ويسمح القانون الأمني بـ«منع ووقف وقمع أيّ تحرّك يهدّد بشكل خطير الأمن القومي، مثل النزعة الانفصالية والتآمر وإعداد أو الوقوف وراء نشاطات إرهابية، وكذلك نشاطات قوى أجنبية تشكِّل تدخُّلاً في شؤون» هونغ كونغ. ويرتقب تشكيل «هيئة أمن قومي» تتبع مباشرة للسلطة المركزية، مكلَّفة خصوصاً جمع معلومات وملاحقة انتهاكات الأمن القومي.
بُعيد تبنّي القانون، حذّرت الحكومة الصينية من أنه «سيكون بالنسبة إلى أفراد الأقلية الصغيرة التي تهدّد الأمن القومي سيفاً معلّقاً فوق رؤوسهم». على أيّ حال، يصعب في الوقت الراهن معرفة العواقب الحقيقية للنصّ الذي أُقرِّ أمس، إذ إن مضمونه النهائي لا يزال غامضاً حتى لحكّام الإقليم، رغم إماطة اللثام عن خطوطه العريضة. وتستند المعارضة، كما دول غربية على رأسها الولايات المتحدة، في هجومها، إلى أن القانون يشلّ الحكم الذاتي ويقمع الحريات في المدينة. بالنسبة إلى واشنطن، لم تعد هونغ كونغ تتمتّع بحكم ذاتي كافٍ لتبرير الوضع التفضيلي الممنوح لها. وفي خطوة استباقية للتصويت، أعلنت الإدارة الأميركية، أول من أمس، وقف بيع معدات دفاعية حساسة للمدينة، كما قيّدت حركة الصادرات من التكنولوجيا. وقال وزير التجارة الأميركي، ويلبور روس، في بيان: «تعلّق الولايات المتحدة العمل باللوائح التنظيمية التي تتيح لهونغ كونغ معاملة تفضيلية في التجارة، بما في ذلك الإعفاء من رخص التصدير». وأضاف إن إدارة ترامب «تحثّ بكين على التراجع الفوري عن المسار الذي تنتهجه والوفاء بالوعود التي قطعتها لشعب هونغ كونغ والعالم». ورد في البيان أيضاً أن «مخاطر تحويل التكنولوجيا الأميركية الحسّاسة إلى جيش التحرير الشعبي أو وزارة أمن الدولة زادت بعد فرض الحزب الشيوعي الصيني إجراءات أمنية جديدة» في المدينة. كما أعلن وزير الخارجية، مايك بومبيو، أنّ بلاده لن تصدّر بعد اليوم إلى هونغ كونغ عتاداً عسكرياً حسّاساً. وقال في بيان إن قرار وقف التصدير اتّخذ حفاظاً على «الأمن القومي الأميركي» لأنّ بلاده لا تريد «المخاطرة بوقوعها في أيدي» الجيش الصيني «الذي يتمثّل هدفه الأساسي في الحفاظ على ديكتاتورية الحزب الشيوعي بكل الوسائل اللازمة». كذلك، أوضح بومبيو أنّ الحكومة الأميركية ستتّخذ «خطوات تفرض بموجبها على هونغ كونغ القيود نفسها التي تفرضها على الصين في ما يتعلّق بالتقنيات الأميركية الدفاعية وتلك ذات الاستخدام المزدوج، المدني والعسكري»، مشدداً على أنه «بمجرد أن تتعامل بكين مع هونغ كونغ على أساس دولة واحدة، نظام واحد، يصبح لزاماً علينا أن نفعل الأمر نفسه».
في الإطار نفسه، استنكر رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، القرار، قائلاً في تصريحات كرّرتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إن «هذا القانون يهدّد بجدية بتقويض الدرجة العالية من الحكم الذاتي لهونغ كونغ». كما أبدت الحكومة البريطانية قلقها، مطالبة الرئيس الصيني «بالتراجع»، فيما وعد رئيس الوزراء، بوريس جونسون، بدراسة مضمونه «بتمعّن» وذلك «لمعرفة هل يتعارض مع الإعلان المشترك بين المملكة المتحدة والصين» عام 1997. أيضاً، رأى وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، أن إقرار القانون «خطوة خطيرة ومقلقة للغاية». أما الحاكم البريطاني الأخير لهونغ كونغ، كريس باتن، فقال إن القرار يؤذن «بنهاية (مبدأ) بلد واحد ونظامان».