قصة عمرها 15 قرناً… آيا صوفيا هويّتان دينيّتان ومصير مُتنازع عليه

قصة عمرها 15 قرناً… آيا صوفيا هويّتان دينيّتان ومصير مُتنازع عليه

أخبار عربية ودولية

السبت، ١١ يوليو ٢٠٢٠

أبطلت محكمة في تركيا مرسوماً أصدرته إحدى حكوماتها في الثلاثينات وقضى بتحويل جامع آيا صوفيا في إسطنبول إلى متحف. وحكمت المحكمة بأنّ المرسوم غير قانوني، لتمهّد بذلك الطريق أمام إعادة المبنى لوضعه السابق كدار عبادة للمسلمين.
وكان الرئيس طيب إردوغان الذي ينتمي حزبه العدالة والتنمية إلى تيار الإسلام السياسي اقترح إعادة المبنى ذي القباب والتجاويف الشبيهة بالكهوف لوضعه القديم.
يمتد تاريخ آيا صوفيا لقرابة 1500 عام. وللمبنى شأن كبير في الإمبراطوريتين البيزنطية والعثمانية واحتل موقعا مرموقا كمكان عبادة للمسيحيين ومن بعهدهم المسلمون، لذلك فإنّ أي تغيير يخصه سيكون له أثر بالغ على أتباع الديانتين. علاوة على ذلك، فإنّ المبنى مدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (الأونيسكو).
وفيما يلي حقائق أساسية حول تاريخ آيا صوفيا، والحملة لتغيير وضعه، وتصريحات رجال دين وزعماء سياسيين حول مصيره.
– عقيدتان
اكتمل بناء آيا صوفيا التي تعني “الحكمة الإلهية” في اللغة اليونانية، سنة 537 في عهد الإمبراطور البيزنطي جستنيان.
يطلّ المبنى الضخم على ميناء القرن الذهبي ومدخل البوسفور امتداداً من قلب القسطنطينية. كان المبنى مركزاً للأرثوذكسية وظلّ أكبر كنيسة في العالم على مدى قرون.
ظلّ المبنى تحت السيطرة البيزنطية، باستثناء فترة وجيزة في قبضة الصليبيين في القرن الثالث عشر، حتى فرضت قوات المسلمين بقيادة السلطان العثماني محمد الفاتح سيطرتها عليه وحوّلته إلى مسجد.
بنى العثمانيون أربع مآذن، وغطّوا رموزاً مسيحية وقطع فسيفساء مذهبة، ووضعوا لوحات ضخمة تتزين بأسماء الله الحسنى واسم النبي محمد والخلفاء الراشدين المسلمين بالأحرف العربية.
وفي عام 1934، أقام مصطفى كمال أتاتورك، أول رئيس لتركيا جمهورية علمانية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المهزومة، وحوّل آيا صوفيا إلى متحف، يزوره الآن ملايين السياح كل عام.
– شُبهة تزوير؟
حضّت جمعية تركية تسعى إلى إعادة آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى المحاكم التركية مرات عدّة في السنوات الخمس عشرة الماضية على إلغاء مرسوم أتاتورك.
وفي الحملة الأخيرة، قالت أمام أعلى محكمة في تركيا إنّ حكومة أتاتورك ليس لها الحق في الخروج على رغبات السلطان محمد، بل أشارت إلى أنّ توقيع الرئيس على الوثيقة مزور.
استندت هذه الحجة على وجود تباين بين توقيع أتاتورك على المرسوم، الذي صدر تقريباً في نفس التوقيت الذي حمل فيه لقبه، وتوقيعاته على مستندات لاحقة.
ودعم إردوغان، الذي يدافع عن الإسلام والالتزام الديني على مدار حكمه المستمر منذ 17 عاماً، حملة آيا صوفيا، قائلاً إنّ المسلمين يجب أن يتمكّنوا من الصلاة هناك مرة أخرى وأثار القضية، التي تمسّ وتراً حسّاساً لدى كثير من الأتراك المتدينين الذين يصوّتون لحزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المحلية في العام الماضي.
وخلص استطلاع أجراه مركز استطلاعات الرأي التركي (متروبول) إلى أنّ 44 في المئة ممن شملهم يعتقدون أنّ آيا صوفيا وُضع على جدول الأعمال لصرف انتباه الناخبين عن المشاكل الاقتصادية في تركيا.
وذكرت صحيفة حريت الموالية للحكومة الشهر الماضي أنّ إردوغان أمر بالفعل بتغيير الوضع، لكن لا يزال من الواجب أن يتمتّع السياح بزيارة آيا صوفيا كمسجد، مضيفةً أنّ القضية سيتم التعامل معها بحساسية.
– ردود فعل
أثار احتمال التغيير القلق خارج تركيا:
– قال البطريرك المسكوني بارثولوميو، وهو الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم، إنّ تغيير وضع آيا صوفيا سيتسبّب في شرخ بين الشرق والغرب. ولفتت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إلى أنّ تحويل المبنى إلى مسجد أمر غير مقبول.
-أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أنّ أيّ تغيير سيقلّل من قدرة المبنى “على خدمة الإنسانية باعتباره جسراً تشتدّ الحاجة إليه بين أصحاب التقاليد وثقافات الدينية المختلفة”.
– قالت الجارة، اليونان، التي يشكّل الأرثوذكس الغالبية العظمى من سكانها، إنّ تركيا تخاطر بالتسبّب في “فجوة وجدانية ضخمة” مع الدول المسيحية بتحويل مبنى كان محوريا للإمبراطورية البيزنطية الناطقة باللغة اليونانية وللكنيسة الأرثوذكسية.
– انتقدت تركيا ما تصفه بأنّه تدخل أجنبي. وأشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى أنّ “هذه قضية سيادة وطنية.. المهم هو ما يريده الشعب التركي”.