بكين ترفض المشاركة... وواشنطن تهدّد بالانسحاب: معاهدة «نيو ستارت» تلفظ أنفاسها

بكين ترفض المشاركة... وواشنطن تهدّد بالانسحاب: معاهدة «نيو ستارت» تلفظ أنفاسها

أخبار عربية ودولية

السبت، ١١ يوليو ٢٠٢٠

صار واضحاً أن معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية، «نيو ستارت»، الأميركية - الروسية، بحكم الميتة. اشتراط الولايات المتحدة انضمام الصين إليها، وربط الأخيرة انضمامها بخفض الأولى ترسانتها إلى مستوى تلك التي تملكها بكين، يضع العالم، مجدداً، أمام سباق تسلُّح، قد يفتح المجال أمام مواجهة نووية، في حالة مضيّ واشنطن بسياستها العدائية تجاه بكين
انسحبت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من ثلاثة اتفاقات دولية حول الحدّ من التسلح: الاتفاق حول الملفّ النووي الإيراني، ومعاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، ومعاهدة «الأجواء المفتوحة» (تهدف إلى التحقّق من التحركات العسكرية وإجراءات الحدّ من تسلح الدول الموقّعة عليها). وصار جلياً عزمها على الانسحاب من الرابعة، أي معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية «نيو ستارت». واشنطن التي لم تخرج من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى مع موسكو قبل أن تكون جاهزةً لما هو قادم من تحدّيات في آسيا، ودون خطة استراتيجية، اتّضحت معالمها مع الوقت، أعدّت جيّداً لانسحابها الجديد. حينها، في آب/ أغسطس من العام الماضي، تذرّع المسؤولون الأميركيون بأن موسكو لم تحترم وعودها على مدى ثلاثين عاماً. لكن سرعان ما كشفت الولايات المتحدة، على لسان رئيسها، عن نيات استراتيجية تتجاوز الروس لتصل إلى الصين: «نجري مناقشات مع روسيا حول معاهدة نووية جديدة حتى نتخلص نحن وهم من بعض البنود فيها. ونريد أن تكون الصين ضمن المعاهدة». أرسل ترامب وزير دفاعه، مارك إسبر، إلى أوستراليا على وجه السرعة، حيث أعلن من هناك، صراحةً، أن الولايات المتحدة تسعى بالفعل إلى نشر صواريخ متوسطة المدى في المنطقة الآسيوية منها، وعلى الصين، كما قال، أن لا تتفاجأ.
رفضت الصين الدعوة الأميركية للانضمام إلى محادثات الحدّ من الأسلحة النووية. وهي تعرف أن إصرار الإدارة الأميركية ومطالبتها المتكرّرة بإشراك بكين في المحادثات الرامية للتوصّل إلى اتفاق بديل لمعاهدة «نيو ستارت» (تحدّد سقفاً لعدد الرؤوس النووية التي تنشرها الولايات المتحدة وروسيا بـ 1550)، لا ينفصل عن سياق السياسة العدائية تجاهها، باعتبارها تمثّل التهديد الأوّل للأمن القومي الأميركي، كما ذكّر أخيراً «مكتب التحقيقات الفدرالي» على لسان مديره، كريستوفر راي.
مشاركة الصين في أيّ مفاوضات لضبط انتشار الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، مشروطة، كما أكّدت، بخفض الأخيرة ترسانتها إلى حجم ترسانة بكين الأصغر بكثير. شرطٌ دفع واشنطن إلى إصدار دعوة جديدة، ردّ عليها الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، بالقول إن «معارضة الصين لما يسمّى مفاوضات ثلاثية للحدّ من التسلّح، واضحة للغاية»، وإن اقتراح واشنطن للمفاوضات الثلاثية «ليس جاداً ولا صادقاً». كذلك، رأى مدير عام قسم السيطرة على الأسلحة في وزارة الخارجية الصينية، فو كونغ، أن الدعوات الأميركية لإشراك بلاده في المفاوضات «ليست إلا حيلة» تستخدمها واشنطن لإيجاد ذريعة للانسحاب من «نيو ستارت» وزيادة حجم ترسانتها النووية.
لم تنضمّ الصين إلى المحادثات الأوّلية التي جرت بين الولايات المتحدة وروسيا في فيينا الشهر الماضي في شأن المعاهدة التي تنقضي مدّتها في شباط/ فبراير المقبل (ما يعني أن القرار في شأنها قد يقع على عاتق جو بايدن في حال خسارة ترامب للانتخابات). وقال السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنطونوف، من «الواضح جداً» أن الصين غير جاهزة للمشاركة، وإن بلاده لن تنضم إلى الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على بكين لإحضارها إلى طاولة المفاوضات، على رغم عدم معارضة موسكو لدور الصين، مضيفاً: «نحن جاهزون لأيّ تطوّر للوضع بالنسبة إلى معاهدة نيو ستارت. لكننا لن ننقذها بأيّ ثمن، وخاصة ما يصرّ عليه الأميركيون». وجدّد دعوة روسيا إلى القوّتين النوويتين فرنسا وبريطانيا، حليفتَي الولايات المتحدة، للانضمام إلى المحادثات في حال مشاركة الصين، مشككاً بالتأثيرات النهائية إذا كانت بكين جزءاً من معاهدة «نيو ستارت». وأشار أنطونوف إلى أنه إذا لم تخفض روسيا والولايات المتحدة ترسانتيهما، فإن أي معاهدة مستقبلية قد تتغاضى عن تعزيز الصين لترسانتها لتصل إلى مستوى الدولتين الأخريين (وفق «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، تملك روسيا 6,375 رأساً نووياً، بينها تلك التي لم ينشرها الجيش الروسي حتى الآن، فيما تملك الولايات المتحدة 5,800 رأس، وتأتي الصين في المرتبة الثالثة بـ 320 رأساً نووياً).
في هذا الوقت، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إنه لا يتوقّع تمديد «نيو ستارت»، لافتاً إلى أن مخاطر حدوث مواجهة نووية زادت بقوّة في الآونة الأخيرة. ويقول مراقبون إن إلغاء المعاهدة يعني فتح المجال أمام استعمال الأسلحة النووية التكتيكية (الكلام حولها يدور بشكل مستمر في الأوساط الداخلية الأميركية)، وخاصة في أوروبا (من بولندا ورومانيا). إضافة إلى ذلك، يشكّل إلغاؤها مخاطر جديدة بالنسبة إلى المنطقة، نظراً إلى وجود أسلحة نووية لدى إسرائيل، والمخاطر التي قد تشكّلها على إيران فيما لو تدحرجت الأمور نحو سيناريوات رعب.