لا وحدة قلْبٍ أوروبية: مصير أوكرانيا يؤرّق الغرب

لا وحدة قلْبٍ أوروبية: مصير أوكرانيا يؤرّق الغرب

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٣ أبريل ٢٠٢٢

لا تزال العقوبات الأوروبية على موسكو تراوح المنطقة الآمنة، طالما أنها لم تشمل النفط والغاز الروسيَّين، واللذين من شأن شمولهما أن يصيب مقتلاً في بعض اقتصادات دول الاتحاد المعتمدة على مصادر الطاقة الروسية، في ظلّ مواجهتها صعوبات جمّة في التحوّل إلى مصادر بديلة، فضلاً عن الوقت الذي تحتاجه خطوة من هذا النوع. وإن كانت بعض دول الاتحاد الأوروبي متحمّسة لتشديد العقوبات على روسيا، فإن أخرى، من مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا، ستكون كمَن يطلق النار على قدميه في ما لو سارت بإجراءات الحظر هذه. يبقى واضحاً بالنسبة إلى المراقبين أن الحرب طويلة، وأن التهديدات التي يطلقها الأوروبيون المنقسمون في ما بينهم ليست واقعية، وأن مآل المعركة يمكن أن يُحدِّد ملامح عالم لا غربي
مع استعار الحرب في أوكرانيا، وسّع الاتحاد الأوروبي ترسانة العقوبات التي فرضها على روسيا، والتي باتت تشمل مجالات ستة، بخاصّة استيراد أو بيع بعض المنتجات الروسية. تثير هذه الإجراءات نقاشاً متنامياً على الساحة الأوروبية، فعدم شمول العقوبات للغاز والنفط الروسيَّين، مدعاة استغراب العديد من المراقبين. وعلى رغم موافقة البرلمان الأوروبي، في السابع من نيسان الجاري، على قرار ينصّ على «حظر شامل لواردات النفط والفحم والوقود النووي والغاز من روسيا»، فإن درجة التزام المفوضية الأوروبية به تبقى غير واضحة.
بنظر جان سيلفستر مونغرونيي، الخبير الجيوسياسي في «معهد توماس مور»، فإن حظراً أوروبياً مشتركاً وكاملاً على النفط والغاز الروسيَّين غير مطروح حتى اللحظة. غير أن الخلاص من التبعية لروسيا في ميدان الطاقة، أصبح هدفاً مشتركاً للأوروبيين. «بمعزلٍ عن مماطلة بعض الدول، فإن المهمّ هو إدراك التوجّه العميق لدى الأوروبيين لفكّ الارتباط اقتصادياً بروسيا. رغبة الكرملين في صيرورة روسيا قوّة عظمى لا تنسجم، بالنسبة إلى الأوروبيين، مع اندماجها في السوق العالمية. ومع اتّضاح أن ضمان السلام من خلال التجارة هو مجرّد وهم، فإن الاعتبارات الاستراتيجية والجيوسياسية تطغى على تلك الخاصّة بالتبادل. بطبيعة الحال، فإن عملية فكّ الارتباط المذكورة، لا يمكن تطبيقها ببضعة أسابيع، ولا شكّ في أن الخطّة التي طرحتها المفوضية للقيام بذلك منطقية»، وفقاً للخبير. وتنصّ الخطّة على تخفيض الطلب على الغاز الروسي بنسبة الثلثين، قبل نهاية هذه السنة، وإنتاج مصادر طاقة بديلة وخفض الاستهلاك قدْر المستطاع.
 
معضلة الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة
الخلافات بين الدول الأوروبية لم تمنع توافقها على «مقاربة شاملة وطويلة الأمد، للتحرّر من التبعية في ميدان الطاقة ليس لروسيا وحدها، بل لجميع البلدان المنتجة لها»، بحسب الديبلوماسي البلجيكي، مارك أوت، مدير «المعهد الملكي للدراسات الدولية» في بلجيكا. لكن الاقتصادي الفرنسي، جاك سابير، مقتنع بأن البحث عن مصادر بديلة للطاقة سيواجه إشكاليات على عدّة مستويات: أوّلاً لأن استهلاك الغاز من قِبَل الاتحاد الأوروبي سيتزايد خلال السنوات العشر المقبلة، بسبب التوقّف عن استخدام الفحم في المحطّات الكهربائية. «نستطيع، نظرياً، استبدال الغاز الروسي بالغاز المسال، لكنّ كلفة هذه العملية باهظة. فسعر المتر المكعّب من الغاز المسيّل أعلى بنسبة 30% من سعر غاز الأنابيب بالنسبة إلى المستهلك». يشير سابير إلى مشكلة أخرى، وهي العدد المحدود لمحطّات تحويل الغاز المسال إلى غاز عادي، فهناك 4 في فرنسا و20 على نطاق الاتحاد الأوروبي، تعمل جميعها بكامل طاقتها. «كمية الغاز المسال التي تستوعبها هذه المحطّات تمثّل ثلث تلك المستوردة من روسيا عبر الأنابيب. من الممكن بناء محطّات جديدة، لكن الأمر مكلف، وسيتطلّب مدّة زمنية ليست قصيرة، وكذلك صناعة ناقلات غاز، مع ما يتطلّبه ذلك من استثمار مادّي ضخم»، بنظر الاقتصادي. هو يذكّر بتفاوت درجات اعتماد الدول الأوروبية المختلفة على الغاز الروسي.
ففرنسا، بفضل محطّاتها النووية قليلة الاعتماد عليه، على عكس النمسا وإيطاليا وفنلندا والمجر وألمانيا. هذا التناقض في المصالح الذي تمّ تجميده نتيجة الحرب في أوكرانيا قد يعود إلى البروز بعد نهايتها. «التوتّر بين الدول الشديدة التبعية لروسيا، وتلك القليلة التبعية لها، كان منخفضاً حتى اللحظة. لكنّ ضغوط ألمانيا، التي استندت إلى موقفَي النمسا وفنلندا، من أجل أن تكون عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا واقعية، هي حقيقة لا يمكن تجاهلها». قد تفضي مآلات الحرب إلى المزيد من الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي. وإذا كانت بعض البلدان، كدول البلطيق وبولونيا وسلوفاكيا، تعتبر أن مصالحها تقتضي تحالفاً أمتن مع الولايات المتحدة، فإن أخرى، كفرنسا وألمانيا وحتى إيطاليا، تطمح إلى قدر من الاستقلال الاستراتيجي. وهناك أخيراً دول قد تفضّل وجود راعٍ لها من خارج أوروبا، كالصين مثلاً، على أساس أن ذلك ينسجم أكثر مع مصالحها.
 
أوكرانيا نقطة تحوّل بالنسبة إلى الغرب
يغيب الإجماع الأوروبي والأطلسي الراهن، مع تمايُز الحسابات الاستراتيجية لدى الدول الأوروبية المختلفة. مارك أوت مقتنع بأن «الوحدة بين ضفّتي الأطلسي هي السبيل الأفضل بالنسبة إلى الأميركيين والأوروبيين للتصدّي للتأثير السلبي لروسيا». كثّف حلف «الناتو» وجوده العسكري على محور بحر البلطيق - البحر الأسود بجوار روسيا وبيلاروسيا. وبحسب جان سيلفستر مونغرونيي، يجب توسيع الحركة في الأشهر المقبلة. «يتعزّز الدعم العسكري الغربي ويتجاوز الصواريخ المضادّة للدبابات والطائرات»، يقول الباحث. وفيما يضيف أنه «يتمّ منْح الدبابات والعربات المدرّعة»، يعرب عن رؤيته بأنه «يجب أن تكون هذه هي الحال أيضاً مع الأنظمة المضادة للطائرات من نوع أس-300». وفي المقابل، «تُسلّم الولايات المتحدة لدول وسط وشرق أوروبا، أنظمة الأسلحة الأميركية. وعلى المدى الطويل، ليس من المستبعد أن يتمّ تسليم الطائرات، أيضاً»، وفق تقديرات مونغرونيي. هذا الأخير يرى أن «هذا الجهد الغربي سيجعل من الممكن إيقاف الهجوم الروسي في دونباس». لكنّ تحليله يتعارض مع تحليل جاك سابير، الذي يعتقد أن الجيش الأوكراني فقَد عملياً جميع وسائله، والقدرة على الحفاظ على المعدّات وعلى القيادة. ووفقاً له، هناك سببان يفسّران سبب استمرار الصمود في وجه الجيش الروسي: من ناحية، ليس للجيش الروسي سوى وجود محدود في أوكرانيا، بالتالي يسعى وراء أهداف محدودة؛ ومن ناحية أخرى، فإن الحرس الوطني، الذي يسمّى أيضاً الجيش الإقليمي، والمدعوم بالتعبئة العامة، لا يزال صامداً. لكن الجيش الروسي يخوض حرباً مدفعية؛ وهو يستخدم قوّته النارية لتعويض نقص الجنود.
يبدو أن مصير الحرب الاستمرار، ويتّفق المحلّلون بالإجماع على أن المنظور الفرنسي - الألماني «للحل التفاوضي»، لا يتماشى مع الواقع الاستراتيجي والعسكري. بالنسبة إلى جان سيلفستر مونغرونيي، طالما لم يتمّ إنشاء توازن واضح للقوى على أرض العمليات لصالح أحد المتحاربين، لن يكون هناك مكان للتفاوض يؤدّي إلى تسوية سياسية ديبلوماسية دائمة. يشاركه هذا الرأي جاك سابير، الذي يعتقد أن المفاوضات النهائية لن تتمّ إلّا عندما تكون منطقة دونباس تحت السيطرة الروسية تماماً. ويرى الخبيران، أيضاً، أن نتيجة الصراع هي نقطة تحوّل. ولكن إذ اعتبر جان سيلفستر مونغرونيي أن التوغّل الروسي في أوكرانيا من شأنه أن يشكّل تهديداً لجميع «دول وسط وشرق أوروبا الأعضاء في الناتو، والتي ستعاني بعد ذلك من شكل مكثّف من الحرب الهجينة»، فإن جاك سابير يرى أن هذا السيناريو لن يعني فقط تعديلات كبيرة في أوروبا؛ إذ ستكون نتيجة هذه الحرب بمثابة عامل تسريع لنزع الطابع الغربي عن العالم.