خلاف متجدّد على جُزر إيجه | تركيا - اليونان: تصعيد محسوب

خلاف متجدّد على جُزر إيجه | تركيا - اليونان: تصعيد محسوب

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٣ يونيو ٢٠٢٢

في زمن التحضير للانتخابات الرئاسية التركية، تبدو كلّ كلمة أو كلّ خطوة صادرة عن الرئيس رجب طيب إردوغان، ذات دلالة في هذا السياق. ومن هنا، لا يَفصل مراقبون أتراك بين تصعيده الأخير بوجه اليونان ورئيس وزرائها، وبين سياق توفير «العوامل المساعِدة» المرتبطة برئاسيات 2023. لكن في ظلّ بدء أثينا، بالفعل، مناورات عسكرية في مناطق كان يُفترض أن تبقى منزوعة السلاح، وتلقّيها ثناءً أميركياً على سياستها الموصوفة بـ«العدائية» تجاه أنقرة، لا يَبعد أن يحملا الأخيرة على اتّخاذ خطوات مماثلة لِما فعلته في قبرص عام 1974
ارتفع منسوب التوتُّر بين تركيا واليونان، في الآونة الأخيرة، إلى ذروته. فالخلافات بين الجانبَين، والتي تطوّرت أحياناً إلى مناوشات ثنائية أو حروب مباشرة وبالوكالة في قبرص، عمرها من عمر السيطرة العثمانية على اليونان، لكنّها تفاقمت بعد استقلال هذا البلد عن السلطنة في عام 1832. وعشيّة الحرب العالمية الأولى، دخلت مسألة السيطرة على الجُزر الـ12 في بحر إيجه، على خطّ الصراع بين هاتَين الدولتَين من جهة، وبين الدول الكبرى وعلى رأسها إيطاليا وبريطانيا من جهة أخرى. وأخيراً، ارتفعت حدّة خطاب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، تجاه أثينا، إلى درجة أنه اعتبر أن لا وجود في قاموسه لشخص اسمه كرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليوناني. ومناسبة الهجوم هذا، خطاب الأخير أمام الكونغرس الأميركي، في نهاية أيار الماضي، ومقاطعته 37 مرّة بالتصفيق، كلّما انتقد تركيا، فضلاً عن تحريض هيئة التشريع الأميركية على عدم بيع أنقرة طائرات «إف-16»، وبيع أثينا طائرات «إف-35» المتطوّرة، بعد اتّهام الأولى بمنْع توحيد جزيرة قبرص، وهو ما لاقى استحسان الرئيس الأميركي، جو بايدن.
بعد الخطاب المذكور، دعا إردوغان، رئيس الوزراء اليوناني، إلى الامتناع عن تسليح جُزر إيجه، وتطبيق المعاهدات الدولية بشأنها، متوجّهاً إليه بالقول: «أنا لا أمزح. أنا أتكلّم بشكل جدّي». وجاء كلام الرئيس التركي على خلفيّة إعلان اليونان، في السابع من حزيران الجاري، النطاق الجغرافي لمناورات عسكرية بحرية وجوّية بدأت أوّل من أمس، وستستمرّ حتى السابع من أيلول المقبل، على أن تشمل مناطق رودوس وكيربي وإيلياكي ومايس، بهدف «إفشال النشاطات الخبيثة المحتمَلة (التنقيب عن النفط) لتركيا في المنطقة»، وفق ما ذكرت الصحافة اليونانية. وأثار شمول المناورات جزراً كان يُفترض أن تبقى منزوعة السلاح، مثل إيلياكي وكيربي ومايس، استياء تركيا، لا سيما أن جزيرة مايس، على سبيل المثال، صغيرة جداً، وتَبعد عن الشاطئ التركي أقلّ من كيلومترين، فيما تَبعد عن البرّ اليوناني 600 كيلومتر.
والجزر المُواجِهة للساحل التركي في بحر إيجه (عددها أكثر من 12 خلافاً للمتداول)، كانت أساساً تابعة للدولة العثمانية التي خسرتها في الحرب الإيطالية على ليبيا عام 1911، ومن بينها جزيرة رودوس. ونصّت «اتفاقية أوشي»، عام 1912، على انسحاب الدولة العثمانية من ليبيا، في مقابل انسحاب إيطاليا من هذه الجزر. وفيما تَحقّق الشرط الأولى من الاتفاقية، لم يجد شرطها الثاني سبيله إلى التنفيذ. وفي «اتفاقية لندن»، في 30 أيار 1913، أعطت الدول الستّ المنتصرة في حرب البلقان (ألمانيا وروسيا والنمسا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا)، الجزر بشكل رسمي لإيطاليا، شريطة عدم تسليحها. لكن بعد هزيمة الأخيرة في الحرب العالمية الأولى، توزّعت السيادة عليها بين إيطاليا وبريطانيا، ثمّ جاءت «معاهدة لوزان» لتُثبّت واقع بقائها منزوعة السلاح. وفي الحرب العالمية الثانية، هُزمت إيطاليا، وأقرّ «مؤتمر باريس» عام 1947 انتقال سيادة المناطق الـ12 إلى اليونان، فيما لم تُطالب تركيا، في حينه، بالسيادة عليها. ونصّت المادة 14 من الاتفاقية على عدم تسليح تلك المناطق وخلوّها من التواجد العسكري. والجُزر الأساسية المعروفة هي بالتركية (يقابلها الاسم اليوناني): أستتيباليا (أسروووباليا)، رودس (رودس)، هيركي (خاركي)، كيربي (سكاربانتو)، تشوبان (كاسو)، إيلياكي (تيلوس)، إينجيرلي (نيسيروس)، كيليميز (كاليمنوست)، إيليريوز (ليروس)، باتنوز (باتموس)، إيليبسي (ليبسو)، سومبيكي (سيمي)، إستانكوي (كوس)، مايس (كاستيللوريزو).
ويعطي طه آقيول، الكاتب في صحيفة «قرار» والمعارض لإردوغان، الرئيس التركي الحقّ في صراعه مع اليونان، بالقول إن ميتسوتاكيس يهدّد أنقرة بالحرب، حين أشار إلى أن «لنا حلفاء أقوياء». وردّاً على خطاب رئيس الوزراء اليوناني، وعلى عزم بلاده إجراء مناورات بحرية، أجرت تركيا مناورات «أفيس» مقابل ساحل إزمير في بحر إيجه يومَي 8 و9 حزيران الجاري، فيما اعتبر البعض أن غضب إردوغان لم يكن بسبب المناورات اليونانية وخطاب ميتسوتاكيس فقط، بل أيضاً بسبب توثيق التعاون العسكري بين أثينا وواشنطن التي أقامت عدّة قواعد عسكرية على الحدود اليونانية مع تركيا، وبرّرتها اليونان بأنها لمواجهة روسيا. ويرى السفير التركي المتقاعد، طوغاي أولو تشيفيك، من جهته، أن الخلاف بين البلدَين حول تسليح الجزر من عدمه قديم، لكن الردّ التركي يبدو، بحسبه، «متأخّراً»، وهو ما يرجّح ارتباطه بمناخ الانتخابات الرئاسية.
بدورها، تَعتبر صحيفة «جمهورييات» أن تهديد إردوغان بعدم الاكتفاء بالاحتجاج والقيام بـ«الخطوات الضرورية»، قد يكون مؤشّراً إلى احتمال إقدام تركيا على خطوة عسكرية في هذه الجزر. لكن أوساطاً تركية ترى أنه إذا لم تتعرّض تركيا إلى تهديد جدّي، فلن تتّخذ خطوات عسكرية، وستكتفي بمراسلة الأمم المتحدة. أمّا في حال قامت اليونان بتسليح الجزر بشكل أو بآخر، فقد يكون ردّ تركيا مماثلاً لِما فعلته في قبرص عام 1974، عندما رأت أن الانقلاب الذي حصل هناك يهدّد أمنها القومي - كما الطائفة التركية في الجزيرة -، وقامت بغزو قبرص وفقاً لاتفاقيتَي زوريخ ولندن عام 1959، واللتين أعطتا الدول الضامنة (تركيا واليونان وبريطانيا) الحقّ في التدخّل في الجزيرة، في حال رأت أن هناك تهديداً لها. فهل يمكن أن يتعاظم التوتّر الحالي بين أثينا وأنقرة ويصل إلى الانفجار لتغيير وضع الجُزر الـ12، أم أن ذلك سيبقى لزوم توفير «العوامل المساعِدة» المرتبطة بالانتخابات الرئاسية بعد عام؟