بايدن للحلفاء: الحماية مقابل النفط

بايدن للحلفاء: الحماية مقابل النفط

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٤ يوليو ٢٠٢٢

جملةُ أهداف تحملها زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المنطقة؛ وإن كان النفط يشكّل عنواناً رئيساً، فإن المسعى إلى استمالة السعودية لـ«الانقلاب» على روسيا، عبر الانسحاب من اتفاق «أوبك+» وتالياً زيادة إنتاج النفط لتحسين أسعاره في بلدان الغرب، هو الهدف الرئيس، ما يعني أن حرب أوكرانيا تحضر في خلفية الزيارة. وفي حين بدأت النصائح لشعوب الغرب بـ«الصبر الاستراتيجي»، يصل بايدن إلى المنطقة بمهمّة أولى واضحة: استنقاذ «الديموقراطيات الأحفورية»
من اللافت أن تنصح «لو موند» صنّاع القرار الغربيين، بتلقين شعوبهم «الصبر الاستراتيجي» لتحمُّل تداعيات الحرب في أوكرانيا. جيل باريس، أحد كتّاب أعمدتها، والمتخصّص في شؤون الشرق الأوسط، تعمّد وضع المفهوم بين هلالين للتأكيد على أنه استعارة من مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران. أتت هذه التداعيات مناقضة لجميع توقّعات القادة والخبراء الغربيين الذين توقّعوا انهياراً سريعاً لعملة روسيا، وتالياً لاقتصادها، نتيجةً للعقوبات التي فرضوها عليها. بات الاستعداد لتحمّل الأكلاف المباشرة وغير المباشرة لتلك الحرب، من قِبَل دول الغرب ومجتمعاته، هو التحدّي الرئيس المطروح بالنسبة إلى حكوماته. عكست مجلة «إيكونومِست» هذا الأمر عندما اختارت لغلاف عددها ما قبل الأخير، عنوان «كيف ننتصر في الحرب الطويلة؟». يؤدّي المَجمع الإعلامي - العسكري الوظيفة المنوطة به، في ظلّ هكذا حرب، وهي محاولة تعبئة وحشْد الرأي العام المتضرّر من تبعاتها، للالتفاف حول قياداته ودعم خياراتها.
أيّ قراءة لخلفيات زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمنطقة، وأهدافها، يجب أن تنطلق من سياق الحرب الدولية الراهنة في أوكرانيا. هذا لا يعني التقليل من أهمية الأبعاد الإقليمية للزيارة، وبينها الدفع نحو المزيد من التعاون الأمني والعسكري بين حلفاء الولايات المتحدة العرب والصهاينة، في مواجهة محور المقاومة. لكن الوضع الدولي المستجدّ، يحتلّ موقعاً أوّلوياً بنظر الإدارة الأميركية. فاستعادة السيطرة على سوق الطاقة العالمية والتحكُّم بمستويات إنتاجها وبأسعارها قدْر المستطاع، يكتسبان أهميّة قصوى بالنسبة إلى واشنطن وحلفائها الغربيين، في مواجهة استخدامها كسلاح من قِبَل روسيا. التحكّم بمصادر الطاقة العالمية وبـ«حرية» تدفّقها نحو أسواق الغرب بأسعار «مناسبة» لها، كان، إضافةً إلى التفوّق العسكري النوعي، من بين أبرز مرتكزات الهيمنة الأميركية على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ومن البديهي أن الساعين إلى الحفاظ عليها سيحاولون إدامة مثل هذا التحكُّم. هو يمثّل أيضاً شرطاً ضرورياً لديمومة ما سمّاه المفكر البريطاني، تيموثي ميتشل، «الديموقراطيات الأحفورية» (Carbon Democracy)، وهو عنوان لكتابه المهمّ الصادر في عام 2011، والذي رأى فيه أن تأمين واردات الطاقة الرخيصة هو من بين الشروط الأساسية للسلم الاجتماعي الداخلي في الغرب. قد يكون ذلك السياق هو الفارق الرئيس بين زيارة بايدن للمنطقة، وبين أيّ زيارة لها من قِبَل رئيس أميركي سابق.
معاناة «الديموقراطيات الأحفورية»
اتهم المستشار الألماني، أولاف شولتز، في تصريح أدلى به في السادس من الشهر الحالي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باستخدام شحنات الغاز الطبيعي كسلاح سياسي. أتى هذا التصريح في الوقت الذي تواجه فيه ألمانيا خفضاً متزايداً لتدفّقات الغاز الروسي، بسبب إغلاق خط أنابيب «السيل الشمالي» للصيانة، وهو القناة الرئيسة للغاز إلى أوروبا، وفي ظلّ مخاوف من أنه لن يعود إلى الخدمة الكاملة بعد انتهاء الأعمال فيه. ووفقاً لشولتز، فإنه «لا أحد يعتقد في الواقع أن روسيا تخفّض إمداداتها لأسباب فنية فقط». وهو أكد أن الهدف المركزي لبلاده، تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي في أسرع وقت ممكن، وفي الآن نفسه عدم تعريض أمن الإمدادات للشركات في أكبر اقتصاد في أوروبا، للخطر.
 
بات الاستعداد لتحمّل أكلاف الحرب الأوكرانية، من قِبَل دول الغرب ومجتمعاته، هو التحدّي الرئيس المطروح بالنسبة إلى حكوماته
بكلام آخر، يحقّ للقوى الغربية استخدام ترسانة واسعة من أدوات الحرب الاقتصادية والمالية، إضافة، طبعاً، إلى إمدادات السلاح التي تتدفّق نحو أوكرانيا، في إطار معركة هدفها المعلن «إضعاف روسيا»، ولكن لا يحقّ للأخيرة الدفاع عن نفسها بما تمتلكه من أدوات للمواجهة. هي ستفعل بكلّ تأكيد، والنتائج ستكون مؤلمة بالنسبة إلى جميع القوى الغربية، بدءاً بتلك الأوروبية. هذا ما تتوقّعه كريستينا لو، الكاتبة في «فورين بوليسي»، في مقال لها على موقعها بعنوان «أسوأ كابوس في مجال الطاقة لأوروبا أصبح واقعاً». تَرى لو أن أوروبا تعيش أزمة طاقة لا سابق لها، وتخشى أن لا تتوفّر الكميات الضرورية من الغاز في الفترة الأشدّ برودة من هذا العام والعام المقبل. وتشير إلى أن «الدول الأوروبية تقوم بتعبئة مرافق تخزينها للغاز في فصل الصيف، وهو أمر حيوي في زمن الحرب راهناً. إذا استمرّ تخفيض الإمداد الروسي من الغاز، فالخبراء يحذّرون من شتاء صعب يسوده التقنين وإغلاق المصانع وحتى التفكّك الاقتصادي… لقد بدأت الاحتجاجات مع تكاثر الإضرابات في أنحاء القارة الأوروبية، في ظلّ معاناة العائلات الناجمة عن ارتفاع كلفة المعيشة والتضخّم المتعاظم. وقد كانت لهذه الاحتجاجات مفاعيل على سوق الطاقة. ففي النروج، المصدر الأوّل للغاز نحو دول الاتحاد الأوروبي بعد روسيا، أجبرت الإضرابات الواسعة في صناعات النفط والغاز، الشركات على وقف الإنتاج، وهي صدمة كان لها موجات ارتدادية عبر أوروبا». وتنقُل لو عن فرانز تيمرمان، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، قوله إن «بوتين يستخدم جميع الوسائل لإثارة الانقسامات في مجتمعاتنا، وعلينا الاستعداد لمرحلة شديدة الصعوبة». السلم الاجتماعي في «الديموقراطيات الأحفورية» التي قامت على قاعدة نهب المواد الخام في بلدان الجنوب، وفي مقدّمتها الطاقة الأحفورية، بأبخس الأثمان، بات مهدّداً، ورئيس الإمبراطورية الكهلة آتٍ إلى الشرق الأوسط في مهمّة لإنقاذه.
الحسابات الخليجية الصعبة
قيل الكثير عن أزمة الثقة بين دول الخليج و«راعيها» الأميركي، وعن شراكاتها المتنامية مع الصين وروسيا وما تتيحه من توسيع لهامش استقلاليتها النسبية، ومن فرص اقتصادية وتكنولوجية وحتى على مستوى التعاون العسكري. هو سيعرض عليها تجديد الحماية الأميركية ضدّ «تهديدات» إيران ومحور المقاومة، عبر الدخول في حلف علني مع إسرائيل بإشراف أميركي. غير أن الثمن المقابل لذلك هو مشاركتها خلف قيادته في الحرب مع روسيا من خلال الخروج من اتفاق «أوبك+»، وزيادة إنتاجها للنفط لتخفيض أسعاره بالنسبة إلى الدول الغربية وتكثيف الضغوط على موسكو. ربّما على هذه الدول التفكير جيّداً في مغزى صفقة المسيّرات الإيرانية لروسيا التي تحدّث عنها مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، والتي تُشكّل تطوّراً بارزاً على مستوى التعاون العسكري بين البلدين. إذا قرّرت هذه البلدان المشاركة في الحرب على روسيا، ما الذي سيمنع الأخيرة من تغيير موقفها من العدوان السعودي الدموي ضدّ اليمن، مع ما قد يستتبع ذلك من إمكانية تقديم المساعدات مباشرة أو بشكل غير مباشر لقواه المقاوِمة؟ ولا شكّ في أن منْع نشاط الوكالة اليهودية في روسيا، الذي أتى ردّاً على الانحياز الإسرائيلي المتزايد لأوكرانيا وعلى الغارات المتكرّرة في سوريا، هو بمثابة الرسالة التحذيرية من أن موسكو قد تتّخذ خطوات أكثر تشدّداً في حال استمرار مثْل هذه المواقف والأعمال العدوانية. نحن في خضمّ حرب دولية، وجميع الأطراف المعنيين بها، سيراجعون حساباتهم جيّداً قبل اتخاذ قراراتهم بالمزيد من التورّط فيها.