اتفاق «رابح - رابح» بين موسكو وكييف... أزمة الحبوب نحو الانفراج

اتفاق «رابح - رابح» بين موسكو وكييف... أزمة الحبوب نحو الانفراج

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٥ يوليو ٢٠٢٢

تتّجه الأنظار، الأسبوع المقبل، إلى تركيا، حيث سيجري توقيع الاتفاق الذي جرى التوصّل إليه في إسطنبول بخصوص تصدير الحبوب الأوكرانية، والذي لم تتّضح بنوده إلى الآن، باستثناء ما جرى تسريبه إعلامياً. وإذ سيكون من شأن الاتفاق تظهير نجاح دبلوماسي لأنقرة، فهو سيعود بفوائد على كلّ من موسكو وكييف، وسينعكس إيجاباً - ولو بشكل طفيف - على سوق الحبوب العالمية، بما سيؤدي إلى التخفيف من حدّة أزمة الغذاء المتفاقمة
 انتهى الاجتماع الرباعي في إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا وتركيا وممثّل عن الأمم المتحدة لمناقشة مسألة نقل الحبوب من أوكرانيا، بشكل إيجابي وبنّاء؛ إذ أبدت موسكو وكييف الاستعداد لحلّ المشكلة عبر تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود. وأعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، التوصُّل إلى اتفاق على إنشاء مركز في إسطنبول لإدارة عملية التصدير، مضيفاً أنه جرى التفاهم أيضاً على إجراء عمليات تفتيش مشتركة في نقاط الخروج والوصول في الموانئ وضمان سلامة الملاحة، مشيراً إلى أن «الوفدَين الأوكراني والروسي سيجتمعان الأسبوع المقبل في تركيا (لمراجعة) كلّ التفاصيل والتوقيع على الإجراءات التي قمنا بها». وفيما لم يكشف أيّ طرف عن بنود الاتفاق، قالت مصادر لصحيفة «وول ستريت جورنال» إنه «يشمل إزالة الألغام ضمن بعض الحدود الجغرافية المتّفق عليها، على أن يتمّ تصدير الحبوب من ثلاثة موانئ بواسطة قوافل تُرافقها سفن أوكرانية». ولفتت المصادر إلى أن «الجيش التركي سيقوم بفحص السفن الفارغة التي ستصل إلى الموانئ الأوكرانية لنقل الحبوب». ومن شأن النقطة الأخيرة التي سيكشف التوقيع على الاتفاق الأسبوع المقبل مدى صحّتها، أن تلبّي طلب روسيا بشأن ضمان تفتيش السفن المتوجّهة إلى أوكرانيا منعاً لحصول تهريب للأسلحة، وفق ما قال رئيس إدارة المنظّمات الدولية في وزارة الخارجية الروسية، بيوتر إليتشيف.
 
نزع ورقة «المجاعة»
من شأن الاتفاق أن يقلّل بشكل طفيف من حدّة أزمة الغذاء العالمية المتفاقمة؛ إذ سينعكس نجاح إيصال نحو 20 مليون طنّ من الحبوب الموجودة في المستودعات الأوكرانية إلى المستهلكين، انخفاضاً في الأسعار. وفي هذا السياق، بدا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، متفائلاً بنتائج اجتماع إسطنبول، حيث وصف ما توصّلت إليه الأطراف بأنه «خطوة مهمّة وجوهرية» نحو استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية، إلّا أنه نبّه إلى «الحاجة إلى المزيد من العمل الفنّي الآن لتجسيد التقدّم الذي جرى إحرازه». وفيما أعرب غوتيريش عن أمله في إمكانية التوصّل إلى اتفاق نهائي الأسبوع المقبل، شدّد على أنه ما زالت هناك «حاجة إلى الكثير من النوايا الحسنة والالتزامات من قِبَل جميع الأطراف». وإذ سيُسجَّل لتركيا نجاح دبلوماسيتها في المساهمة في حلّ أزمة شغلت العالم، فإن أكبر مستفيديَن من الاتفاق هما روسيا وأوكرانيا.
 
فبالنسبة إلى روسيا، ينزع الاتفاق ورقة استخدمها الغرب لمهاجمتها وتحميلها مسؤولية «مجاعة» تهدّد البشرية، وهو ما نفته موسكو على الدوام. كما أنه يُثبت، من وُجهة نظرها، أن روسيا ليست عنصراً سلبياً في مسألة تصدير الحبوب الأوكرانية، وأنها كما قال الرئيس فلاديمير بوتين لا تمانع التصدير، بل هي مستعدّة لضمان المرور الحرّ للسفن في المياه الدولية، شرط أن تقوم كييف بخطوات عملية لإزالة الألغام التي زرعتها في البحر الأسود. وفي هذا الإطار، أكد نائب رئيس لجنة السياسة الاقتصادية في مجلس الدوما، أرتيوم كيريانوف، في تصريح إلى صحيفة «إيزفيستيا»، أن «روسيا تتّخذ باستمرار موقفاً إنسانياً بشأن توريد الحبوب، وهذا معروف لشركائنا الدوليين»، مضيفاً أن موسكو «تُدافع لتجنّب الأزمات في السوق العالمية». وأعرب كيريانوف عن أمله في ألّا «تستبدل الأطراف الأخرى المفاهيم، وأن تكون قادرة على التوصّل إلى الاتفاقات اللازمة معنا».
بدوره، أوضح الرئيس التنفيذي لـ«معهد دراسات السوق الزراعية»، ديمتري ريلكو، أنه سيكون بمقدور روسيا استخدام نتائج محادثات إسطنبول كسبيل جديد لإزالة القيود غير الرسمية على تصدير المنتَجات الزراعية الروسية، وهو الموضوع الذي أثير قبل شهر ونصف شهر من قِبَل الأمين العام لـ«مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية – الأونكتاد»، ريبيكا جرينسبان، ولكن لم تسجّل اختراقات منذ ذلك الحين. وتعليقاً على محادثات إسطنبول، قدّر ريلكو، في تصريح إلى صحيفة «كومرسانت»، أن اتفاقاً واضحاً يقوم على نتائج الاجتماع الرباعي، سيكون ذا أثر إيجابي على سوق الحبوب عالمياً وعلى الأسعار، ولكنّه نبّه إلى أن ميزان الحبوب العالمي «سيظلّ مضطرباً إلى حدّ ما». كذلك، أشار مصدر، لـ«كومرسانت»، إلى أن سوق الحبوب يشهد تطوُّراً إيجابياً لناحية تراجع الأسعار عالمياً نتيجة تحسّن آفاق المحاصيل في عدد من البلدان، مضيفاً أن نقل الحبوب الأوكرانية من شأنه أن يساعد بدوره في تحسُّن الأسعار.
أمّا بالنسبة إلى فوائد الاتفاق لأوكرانيا، فيتمثّل العنصر الأهمّ في أن كييف ستكون قادرة على جنْي نحو 5 مليارات دولار من بيع حبوبها، وفق خبراء تحدّثوا إلى «كومرسانت». وفي هذا السياق، يشير مدير «مركز سوفيكون» المتخصّص في دراسة الأسواق الزراعية، أندريه سيزوف، إلى أنه من المتوقّع أن يصل محصول العام في أوكرانيا إلى نحو 57 طنّاً، مقابل 86 مليون طنّ في عام 2021، وهذا جيّد نسبياً في زمن الحرب. ويضيف أن إجمالي المعروض من الحبوب سيتجاوز الاحتياجات المحلّية لأوكرانيا بمقدار ثلاثة أضعاف، ما يعني أن كييف بحاجة إلى تصدير حبوبها، وإلّا فإن الأسعار ستنهار داخل البلاد وستضرّ بالمزارعين الأوكرانيين.
لقاء بوتين - إردوغان
أثار نجاح اجتماع إسطنبول إمكانية استئناف المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا للتوصُّل إلى تسوية سلمية للأزمة. وفي هذا الشأن، أعرب نائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي للسياسة الاقتصادية، إيفان أبراموف، عن أمله في «أن يسمح الحلّ الناجح لأزمة الغذاء باستئناف محادثات السلام بين موسكو وكييف»، ولكنه شدّد على ضرورة أن تكون كييف مستعدّة لذلك. ورجّح أبراموف، في تصريح إلى صحيفة «إزفيستيا»، أن يناقش الرئيس فلاديمير بوتين، مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، خلال لقائهما في طهران الأسبوع المقبل، مسألة تنظيم جولة محادثات جديدة بين روسيا وأوكرانيا. ولفت إلى أنه من المهمّ أن تحصل الجولة الجديدة في دولة تتّخذ موقفاً محايداً.