إسرائيل تستلهم «النموذج الأوكراني»: فلْنواجه إيران «جماعياً»

إسرائيل تستلهم «النموذج الأوكراني»: فلْنواجه إيران «جماعياً»

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٢

في تكرار لدعوات سابقة إلى «مواجهة جماعية» ضدّ إيران، جدّدت إسرائيل، على لسان وزير أمنها بني غانتس، مطالباتها في الاتّجاه نفسه، مستلهِمة هذه المرّة الطريقة المنسَّقة التي يتصرّف بها حلف «الناتو» في أوكرانيا. لكنّ تل أبيب، المدفوعة بهواجسها المتعاظمة من أن يكون الأوان قد فات على كبح جماح طهران، تتجاهل في مطالباتها تلك حقيقة المتغيّرات الدولية التي تجعل من الصعب تَشكّل إجماع من النوع المذكور، فضلاً عن فشل «الحلول» التي جُرّبت سابقاً ضدّ إيران، ولم تفلح في ردع الأخيرة عن مُواصلة قفزاتها
لم تكن دعوة وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، إلى التعامل مع إيران، وفق الطريقة المنسَّقة التي يتصرّف بها حلف «الناتو» في أوكرانيا، جديدة من حيث المضمون، وإنّما تمّت إعادة صياغتها بما يتلاءم مع المتغيّرات في أكثر من ساحة إقليمية وعالمية. فمنذ بداية الحملات الإسرائيلية ضدّ البرنامج النووي الإيراني، كان الأمل الذي يراود قيادات الكيان، ويدفعها إلى السعي لتحقيقه، هو أن يحصل إجماع بين القوى العظمى على العمل لإخضاع إيران، انطلاقاً من كوْن الأخيرة تشكّل «تحدّياً عالمياً»، وفق ما كرّره غانتس. على أن هذه الدعوة باتت أكثر إلحاحاً أخيراً، على إثْر القفزات النوعية والكمّية التي حقّقتها طهران نووياً وعسكرياً، فضلاً عن فشل الخيارات الأمنية والاقتصادية ضدّها، وتَبيُّن إسرائيل محدودية قدرتها الذاتية على مواجهتها. كذلك، أتى الفصل الأخير من التحريض مدفوعاً، أيضاً، بالترقّب الذي تعيشه الأجهزة المختصّة كافة في كيان العدو، للقفزة المقبلة في المسار النووي الإيراني، والتي حذّر غانتس من أنها سـ«تتجاوز نقطة اللاعودة»، وهو ما يقتضي مواجهتها جماعياً، عسكرياً واستخبارياً وسياسياً، بالشراكة بين واشنطن وتل أبيب وعواصم التطبيع العربية.
ويشمل مفهوم «نقطة اللاعودة»، والذي بدأ تداوله مذ تَحوّل البرنامج النووي الإيراني إلى القضية الأولى إسرائيلياً، مصاديق متعدّدة، أبرزها العتبة التكنولوجية التي تجاوزتها إيران منذ سنوات طويلة، وتَوفّر المقوّمات التي تسمح لها بالقفز نحو إنتاج السلاح النووي إذا أرادت. وما بين هذَين المصداقَين، سُجّلت الكثير من المحطّات التي تحوّلت إلى ساحات اشتباك سياسي وأمني بين طهران من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، لكن إيران واصلت تجاوُز هذه المحطّات واحدة تِلو أخرى، عبر تكتيك «الزحف النووي» المدروس، وسياسة فرض الوقائع التي تشكّل كلّ منها منصّة للانطلاق إلى تلك التي تليها، مظلَّلةً بقوّة ردع منعت مهاجمة برنامجها النووي عسكرياً، وبتصميمٍ بدّد الرهانات على إمكانية ارتداعها. على أن المشكلة حالياً بالنسبة إلى الطرفَين الأميركي والإسرائيلي، هي أن البرنامج النووي الإيراني سجّل قفزات (رفْع التخصيب إلى 20%، ومن ثمّ 60%، ولاحقاً تشغيل منشأة فوردو)، بات من الصعب معها على أيّ هجوم ضدّه أن يحقّق هدف سلْب إيران القدرات التي تُمكِّنها من الاستمرار في تطويره أو ارتداعها عن ذلك، ما سيضع المعسكر الغربي برمّته، ومن ضمنه الكيان العبري، أمام واقع أكثر تعقيداً وخطورة. وفي المقابل، فإن عدم مبادرة هذا الأخير إلى أيّ خيارات مضادّة جدّية، سيتيح لإيران مُواصلة تطوير برنامجها النووي وقدراتها العسكرية وفق الخطط الموضوعة، الأمر الذي سيؤدّي إلى مزيد من التقلّص في دائرة هذه الخيارات.
إزاء ما تَقدّم، لم يَجد غانتس بدّاً من الدعوة إلى «العمل بطريقة منسَّقة قبل أن نضطرّ للعمل تحت مظلّة نووية»، في تحذير مباشر من خطورة هذا السيناريو وتداعياته على معادلات القوّة. ويتقاطع موقف الوزير الإسرائيلي مع ما سبق أن أدلى به رئيس أركان جيش العدو، أفيف كوخافي، الشهر الماضي، خلال زيارته للولايات المتحدة، حيث أعلن أن أسرائيل «تمرّ بنقطة زمنية حسّاسة» في مواجهة إيران. هكذا، تَحوّل الزمن إلى عامل حاسم في هذه المواجهة، وهو ما حمل غانتس، على رغم عدم وجود مؤشّرات إلى إمكانية التجاوب مع مقترحاته، على اقتراح مسار تدريجي، تُوائمه الظروف الحالية التي «تعاني فيها إيران من أزمة داخلية وصعوبات اقتصادية، ومن الردّ الدولي» على تزويدها روسيا بالسلاح، وذلك بهدف الدفع نحو اتفاق مُحسَّن كفيل بوقف تقدّمها النووي. إلّا أن وزير أمن الاحتلال، ولِعلمه بمحدودية فاعلية هذا الرهان، طالب بـ«دمج تفعيل القوة واستعراض القوة في مقابل العدوانية الإيرانية».
لكنّ الإشكالية الجوهرية التي قد لا تجرؤ القيادة الإسرائيلية على البوح بها، حتى لو كانت تعتقد بوجودها، هي احتمال أن يكون الأوان قد فات فعلاً على فرملة الاندفاعة الإيرانية. احتمالٌ يبدو أن كيان العدو يصرّ إلى الآن، أقلّه علناً، على الاستمرار في تجاهُله، وفي إنكار القيود التي يفرضها تجاه التطورات الدولية ومعادلات القوة في المنطقة على أيّ تحرّك ضدّ إيران، متمسّكاً بما ينبغي أن يكون لا بما يمكن أن يكون، على رغم أن تلك التطوّرات ألغت إمكانية تَشكّل «توافق دولي» بوجه طهران، الأمر الذي يمنح الأخيرة هامش مناورة أوسع، مع استمرار تمسّكها بخياراتها الاستراتيجية. وأيّاً يكن، فإن الأكيد أن الصراع سيتواصل، مع فارق جوهري هو تَراجع الرهانات الأميركية والإسرائيلية، من دون أن يعني ذلك التقليل من خطورة الأوراق التي تستخدمها واشنطن وتل أبيب ضدّ طهران حالياً. لكنّ الاستثمار في موجة الاحتجاجات الأخيرة، والعمل على تحويلها إلى أعمال عنف واضطرابات و«ثورة» ضدّ النظام، لا يبدوان رهاناً بديلاً كافياً؛ إذ ترى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في تقديرها الرسمي لعام 2023، أن «الأحداث القائمة لا تشكّل خطراً على النظام الإسلامي في هذه المرحلة، لكنّ قواعد الصراع تقتضي أن لا تشعر إيران بالاستقرار، لأن ذلك سيجعل وتيرة تطوّرها أسرع... وسيُعزِّز خطر المحور الذي تقوده على الأمن القومي الإسرائيلي»، وكما سيعطي دفْعاً إضافياً لها ولحلفائها في مواجهة الهيمنة الأميركية في المنطقة.