مستقبل أوروبا... 2023 عام الأزمات

مستقبل أوروبا... 2023 عام الأزمات

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٨ يناير ٢٠٢٣

يسيطر التوتر على الوضع المعيشي للأوروبيين، بعد أن دهم اقتصاد الحرب مختلف نواحي حياتهم، ليشعل التضخم وأزمة الطاقة فتيلَ الاحتجاج الشعبي، ويُبدلا مشهد الاستقرار والرغد في القارة إلى تغيير سياسي سريع. كيف سيبدو عام 2023 في القارة الأوروبية؟
تضافرت تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما نتج منها عالمياً، والتعافي غير المتكافئ من وباء كورونا، والجفاف في معظم أنحاء قارة أوروبا، على خلق أزمة طاقة حادة ومُعدلات تضخم مرتفعة، واضطرابات في الإمدادات، وعدم يقين هائل بشأن مستقبل أوروبا، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً. فكيف ستبدو الدول الأوروبية في العام الجديد؟ وهل تتحمل سياساتها الخارجية وحدها مسؤولية الوضع الراهن؟ 
في هذا السياق، رأى النائب السابق عن حزب الجمهوريين الفرنسي، جاك ميارد، الذي كان عضواً في كل من لجنة الشؤون الخارجية، ولجنة الشؤون الأوروبية، وفي لجنة الاستخبارات البرلمانية، خلال حديثه إلى الميادين نت، أنّ عام 2023 سيكون "صعباً بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون استثناء"، مضيفاً أنّ "أغلبية هذه الدول تُعاني التضخم، بينما تهدد عدة دول منها مخاطرُ الركود الاقتصادي إذا لم تشهد نمواً خلال أول ثلثين من العام الجديد". 
وأوضح ميارد، أنّ فرنسا ستواجه صعوبات اقتصادية بسبب نقص الطاقة "حتى إن حاولت الاقتصادَ في استهلاكها"، لافتاً إلى أنّه "سيكون هناك، بصورة مترابطة، صعوبات اقتصادية، وسياسية، وصعوبات في القدرة الشرائية للمواطنين".
وتوقع أنْ يُقابَل ذلك بالاعتراض والغضب الشعبيين، "الأمر الذي سيجعل المشاكل الاقتصادية والسياسية مترابطة، إلى حدّ كبير"، على حدّ تعبيره. 
دول الاتحاد الأوروبي.. غير متحدة
وبشأن وضع الاتحاد الأوروبي اليوم، أكد النائب الفرنسي، الذي عمل سابقاً في مديرية الشؤون القانونية في وزارة الخارجية الفرنسية، للميادين نت، أنّ "دول الاتحاد الأوروبي غير متحدة، بل إنّ هناك تبايناً في الاهتمام المشترك فيما بينها".
وأضاف أنّه "حتى لو أعلنت دول الاتحاد الأوروبي أنّها متحدة، وتظاهرت بذلك، وخصوصاً بشأن المساعدة التي يُقدمها الاتحاد إلى أوكرانيا، فإنّنا نرى آراءً ومواقف متباينة بين دوله، وخصوصاً بشأن الاستمرار في تقديم هذه المساعدات إلى كييف".
وبشأن السياسة الخارجية للاتحاد، وانعكاسها على أحداث العام الجديد، قال ميارد إنّه مقتنع تماماً بأنّ مشكلة الاتحاد الأوروبي أنّ أغلبية دوله، اليوم، تتبع مواقف الولايات المتحدة الخارجية وتتبناها، لكن "واشنطن في أوضاع أفضل من الاتحاد الأوروبي، من حيث مصادر الطاقة، أي النفط والغاز والكهرباء". 
وبحسب ميارد، وهو أيضاً عضو في مجلس إدارة معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ومركز الاستخبارات الفرنسي (CF2R)، فإنّ المشكلة داخل الاتحاد الأوروبي هي "تباين بشأن مصالحها"، مضيفاً أنّ "حتى مصالحه الاقتصادية باتت متباينة".
وتابع: "على سبيل المثال، تحتاج ألمانيا اليوم إلى الغاز، بينما تحتاج بولندا إلى الفحم، وتحتاج دولٌ أخرى، مثل فرنسا، إلى إعادة تشغيل مفاعلاتها النووية، من أجل الحصول على الكهرباء النووية".
وأعلنت شركة كهرباء فرنسا، "إي دي أف"، والتي تملكها الدولة، في التاسع من كانون الأول/ديسمبر الماضي، إعادة تشغيل 3 مفاعلات نووية، واستعدادها لبدء صيانة مفاعلات أخرى. ويأتي ذلك في وقت أثار انقطاع التيار الكهربائي حالة من التوتر في باريس، مع بدء اختبار مدى قدرة أوروبا على الصمود في مواجهة الشتاء القارس.
"الناتو" هو المشكلة الاستراتيجية
من جهة ثانية، أكد الخبير الفرنسي أنّ المشكلة الاستراتيجية، التي تواجه الاتحاد الأوروبي، هي "ولادة الناتو من جديد، وحضوره القوي"، في الوقت الذي لطالما ردّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنّ الناتو في "موت سريري"؛ أي أنّ دوره انتهى، وأنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "أعاد إحياءه"، على حدّ تعبير ميارد. 
وأكد النائب السابق أنّ "ذلك سيظهر في الأيام المقبلة، في صورة خلافات وتباينات بين الدول الأوروبية، لأنّ بعضها متجانس مع المواقف الأميركية بشأن قضية الدفاع الاستراتيجي للقارات"، مضيفاً أنّ "هناك دولاً أوروبية معارضة تماماً لها، بل إنّها بدأت تطرح تساؤلات عن صدقيتها، وضرورة التزام الاتحاد الأوروبي وتقيّده بها".
وأضاف أنّه "إذا كانت الدول الأوروبية اليوم موحدة بشأن مسألة الناتو وبوتين وروسيا، فلا شيء يؤكد بقاء هذه الوحدة، وخصوصاً بالنسبة إلى ألمانيا وفرنسا، ورئيسها إيمانويل ماكرون".
بدوره، أعلن ممثّل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، يوم الإثنين الماضي، أنّ "الاتحاد الأوروبي لا يتمتع بقدرات الدعم الحكومية نفسها للولايات المتحدة، ولا يريد التنافس معها على أساس تقديم هذه المساعدة إلى الشركات". 
وأكد بوريل أنّ "التشريع الاقتصادي الأميركي يضرّ أوروبا، ويتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية".
البحث عن تسوية سياسية في أوكرانيا 
وفي الوقت الذي تعاني فيه أوروبا من تداعيات الحرب الأوكرانية، فإنّ مصير الحرب ميدانياً لا يزال ضبابياً. وفي السياق، أشار مستشار الشؤون الخارجية السابق للميادين نت إلى أنّه "قد تكون هناك تساؤلات بشأن استمرار مواجهة روسيا، وقد تأتي حتى من الولايات المتحدة نفسها"، مشدداً على أنّ "هذا التكاتف المعلَن في وجه روسيا، يُخفي في طياته تباينات في المواقف، قد تولّد تضارباً في ضرورة تبني إنهاء هذا الصراع".
واستطرد ميارد أنّه "ليس مستحيلاً أن ينفد، في عام 2023، صبر الرأي العام والحكومات الأوروبية بشأن أوكرانيا، الأمر الذي يستدعي ضرورة إيجاد حلّ".
أما عن موضوع التسوية السياسية، فأكد الباحث الفرنسي أنّ "هناك خطراً من توتر بين الدول الأوروبية لتحديد نقاطها، ومن بين الدول المعترضة بولندا مثلاً".
في هذا السياق، قال السفير الروسي في الولايات المتحدة، أناتولي أنطونوف، أمس الجمعة، تعليقاً على قرار البيت الأبيض تسليم مركبات "برادلي" القتالية إلى أوكرانيا، إنّ "واشنطن لا تريد تسوية سياسية للصراع الأوكراني".
وأضاف أنطونوف أن "خطوة تسليم مركبات برادلي القتالية تأتي تؤكد أنّ محاورينا في الولايات المتحدة لم يحاولوا حتى الاستماع إلى دعواتنا المتعددة إلى مراعاة العواقب المحتملة لمثل هذا المسار الخطير من جانب واشنطن". 
عام 2023 سيكون صعباً
وأضاف الخبير الفرنسي أنّه "حتى لو كانت قنوات تلفزيونية فرنسية تستمر في مديح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، فإنّ من المحتمل أن يأتي وقت ويطفح الكيل لدى الرأي العام".
 
وأشار إلى أنّه "في مرحلة مقبلة، ليست بعيدة، قد تؤدي التوترات والشكوك لدى بعض الدول الأوروبية والدوائر السياسية في فرنسا وألمانيا، والتي تطرحها خلال الاجتماعات بين زيلينسكي والاتحاد الأوروبي، إلى حالة من الأزمة الداخلية في الاتحاد". 
 
وفي استشرافٍ مبني على استنتاجاته، قال ميارد للميادين نت إنّ "عام 2023 سيكون صعباً جداً على دول الاتحاد الأوروبي"، مضيفاً أنه أنه "إذا استمر الوضع على ما هو عليه في أوكرانيا، ولم يتم التوصل إلى حلّ سياسي، فمن المحتمل تماماً أن ينفد صبر الرأي العام الأوروبي وحكومات دوله".