«كمال بِك» في مواجهة إردوغان: «ها نحن نبدأ»

«كمال بِك» في مواجهة إردوغان: «ها نحن نبدأ»

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٨ مارس ٢٠٢٣

لن يكون، بعد الآن، التنبّؤ باسم رئيس تركيا المقبل، سهلاً؛ فتسمية كمال كيليتشدار أوغلو، رسميّاً، مرشّحاً للمعارضة، في مواجهة الرئيس رجب طيب إردوغان، معطوفةً على «عودة اللُحمة» إلى صفوف «طاولة الستّة»، مع تراجُع زعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، عن قرارها الانسحاب من التحالف، تعني أن الأمور عادت إلى نصابها. غير أن المستجدّ المتمثّل في ترحيب «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي، والذي من شأن أصوات قاعدته (10%) أن تغيّر المعادلة الرئاسية، بمرشّح المعارضة، وعدم حسْمه بعد قرار تسمية مرشّح مستقلّ، قد يعبّد طريق «كمال بِك» إلى القصر الرئاسي
أخيراً، خرج الدخان الأبيض من اجتماع «طاولة الستّة» بعد تسمية مرشّحها الرئاسي، زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، الذي سيواجِه رئيس الجمهورية الحالي، زعيم «حزب العدالة والتنمية» رجب طيب إردوغان، في استحقاق الـ14من أيّار الرئاسي. وجاءت الإشارة الأولى إلى ذلك، على لسان نائب رئيس «الحزب الجيّد»، بهادير إرديم، الذي غرّد ولم يكن اجتماع «الستّة» قد انتهى: «الأمّة انتصرت».
خرج اجتماع مساء أوّل من أمس، بوثيقة مؤلّفة من 12 بنداً، جاء فيها أن تركيا «ستُدار بالتوافق من خلال نظام برلماني قويّ، عندما يكتمل، سيصبح النظام الرئاسي من التاريخ». وسيكون رؤساء الأحزاب نوّاباً لرئيس الجمهورية، على أن يَجري توزيع الوزارات تبعاً لحجم كلّ حزب. ووفق المادة الثانية عشرة والأخيرة، سيعيّن رئيس الجمهورية رئيسَي بلديتَي أنقرة وإسطنبول نائبَين له، في «الزمن الذي يراه مناسباً، ووفقاً لتوصيفات يتمّ تحديدها». على أن المادّة الأخيرة كانت بيت القصيد في «حفلة الجنون» التي شهدتها جبهة المعارضة خلال الأيام الثلاثة التي استبقت ترشيح كيليتشدار أوغلو رسميّاً؛ ذلك أن الصيغة التي عرضتْها رئيسة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، للعودة إلى «طاولة الستّة»، بعدما انسحبت منها يوم الجمعة الفائت، لم تَرِد في البيان الختامي، لأسباب قد تكون قانونية. وتحوّل رئيسا بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، وأنقرة، منصور ياواش، من أداة لتبرير آقشينير رفْضها ترشيح كيليتشدار أوغلو لرئاسة الجمهورية، إلى أداة لتبرير عودتها إلى «الطاولة». إذ بعد اتّصالات مكثّفة وإدراك لخطورة انقسام المعارضة، اقترحت آقشينير أن يُعيَّن رئيسا البلديتَين «نائبَين لرئيس الجمهورية» في حال فوز مرشّح المعارضة، وهو ما وافقت عليه الأحزاب الأخرى المنضوية في إطارها. وعلى هذا الأساس، أخّرت «طاولة الخمسة» اجتماعها الذي كان مقرّراً الإثنين في تمام الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت تركيا، إلى الخامسة، لينعقد بمشاركة آقشينير.
لكن السؤال الذي يمكن طرحه الآن: لماذا عارضت آقشينير ترشيح كيليتشدار أوغلو، ثمّ عادت عن اعتراضها بعد ثلاثة أيّام هزّت المعارضة؟
الجواب الأوّل الذي يتبادر إلى الذهن، وفق أغلب كتّاب المعارضة، أن آقشينير لا تريد مرشّحاً علويّاً، أو واحداً يؤيّده الأكراد. ولا يعدو طَرحها فكرة تعيين إمام أوغلو وياواش نائبَين للرئيس، كونه مخرجاً للعودة إلى «الطاولة» على قاعدة أنها كانت تريد أصلاً ترشيحهما للرئاسة، لكنها باقتراحها مسألة نيابة الرئاسة تجعل الرئاسة أقرب إلى «شراكة» بين قومي (ياواش) وغير علوي (إمام أوغلو). ولعلّ العامل الأهمّ في تراجع آقشينير عن قرارها الانسحاب من «الطاولة»، ردود الفعل الساخطة عليها واتّهامها بالخيانة والغدر، إذ إن العديد من مسؤولي حزبها تَقدّموا باستقالاتهم، وبعضهم أعلن أنه في حال صمد كيليتشدار أوغلو للدورة الثانية، فسيصوّت له. وهكذا، لم تخاطر آقشينير بتثبيت صورة الزعيمة الناكثة بوعودها، وغير الموثوق بها، أو باحتمال تعريض حزبها أو ما يمكن أن يكون قد تبقّى منه، إلى هزيمة تاريخية في الانتخابات النيابية.
وبالتالي، خرجت بالصيغة الآنفة «حفظاً لماء الوجه»، متراجعةً عن «الخطأ» الذي ارتكبته، والذي لا يرتكبه «ناظر صفّ» في مدرسة، بحسب تعبير الكاتب الموالي، أحمد حاقان، في صحيفة «حرييات». ويَذكر الصحافي إسماعيل كوتشوك، نقلاً عن قيادي في «الجيّد»، قوله إن «آقشينير قالت إن الساعات الـ48 التي عاشتها أظهرت أنه يمكن كسْب الانتخابات مع كيليتشدار أوغلو».
وقُبيل الإعلان عن ترشيح كيليتشدار أوغلو، كان هناك أخذ وردّ حول مقترح «نائبَي الرئيس» ومدى قانونيّته. فرئيس مجلس الرئاسة للشؤون القانونية، محمد أوتشوم، قال إن إعلان ترشيح إمام أوغلو وياواش نائبَين لرئيس الجمهورية، «مخالف للقوانين»، إذ لا يمكن لمَن يتولّى منصباً عاماً أن يتولّى منصباً آخر في الوقت نفسه. وبحسب آيهان أوغان، مستشار رئيس الجمهورية، فإنه «لا يوجد في الدستور منصب نائب رئيس جمهورية يمكن الترشّح إليه، وهو الأمر الذي توقّفت عنده المعارضة في مشاوراتها، إذ تدرك خطورة ذلك على إمساكها ببلديتَي إسطنبول وأنقرة المهمّتين جدّاً»؛ ذلك أن ترشيح رئيسَي البلديتَين وافتراض استقالتهما من موقعَيهما الحاليَّين في حال فوز كيليتشدار أوغلو، يعني تضحية المعارضة برئاسة أهمّ بلديّتَين في تركيا، بالنظر إلى أن غالبية أعضاء المجلس البلدي بيد تحالف السلطة الحاكمة، وسيختارون للرئاسة شخصيّتَين تابعتَين للسلطة.
وعلى أيّ حال، ومع عودة الوحدة إلى «طاولة الستّة»، لن تخسر المعارضة أصوات «الحزب الجيّد» المقدّرة بـ12% إلى 15%. وقد يحظى كيليتشدار أوغلو بتأييد القوميّين واليساريين والأتراك وكذلك الأكراد (وإنْ في الدورة الثانية)، حيث أبدى رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي»، مدحت سنجار، تفاؤله بترشيح زعيم «الشعب الجمهوري»، قائلاً إن «الشعب يحتاج إلى تغيير قويّ». وأضاف أن تسمية حزبه من عدمها لمرشّح مستقلّ، ستخضع للدرس في الأيّام القليلة المقبلة. كذلك، رحّب صلاح الدين ديميرطاش، الرئيس السابق للحزب الكردي المعتقَل منذ سنوات في أدرنه، بترشيح كيليتشدار أوغلو، قائلاً: «إنهم ينتظرونك في مقرّ حزب الشعوب الديموقراطي». وهكذا، مع عودة الوحدة إلى صفوف المعارضة، وفي حال حسْم الأكراد مسألة التصويت لكيليتشدار أوغلو، تصبح حظوظ الأخير في الفوز بالرئاسة عالية.
وقد حظي اجتماع «الستّة» الذي انعقد، كما الاجتماع السابق، في مقرّ «حزب السعادة»، بمواكبة إعلامية هائلة وحشدٍ شعبي كبير تجمهر خارج مقرّ الاجتماع، حيث أُطلقت شعارات مِن مِثل: «موحَّدين سنكسب»، «أمل الشعب كيليتشدار أوغلو». وأمام الحشد الشعبي، تحدّث المرشّح الرئاسي، وإلى جانبه آقشينير ورؤساء الأحزاب الآخرون، قائلاً: «ها نحن نبدأ. إنها بداية التغيير الشامل، وسنعيد للشعب ما سُرق منه، وسنربح متّحدين». وأضاف: «أنا مرشّح التحالف لإدارة البلد بالعقل والفضيلة. أنا لست فقط مرشّحاً لرئاسة الجمهورية، أنا مرشّح البركة والعطاء والعدالة والرفاهية. لست أنا فقط المرشّح، هناك 85 مليون مرشّح. إنّنا نبدأ أيها الشعب العزيز. إنّنا نبدأ».
 
مَن هو كمال كيليتشدار أوغلو؟
وُلد كمال كيليتشدار أوغلو عام 1948 في قرية باليجه في قضاء نظمية في محافظة ديرسيم (الآن تونجيلي)، وهي محافظة يغلب عليها الوجود العلوي والكردي، وتعرّضت لاضطهاد عنيف من جانب النظام الأتاتوركي في منتصف الثلاثينيات. وهو متزوّج وله ثلاثة أولاد، وتخرّج من أكاديميّة العلوم الاقتصادية والتجارية في أنقرة. تنقّل في الوظيفة العامّة بين وزارتَي المالية والعمل، وفي عام 2003، انتُخب نائباً عن «حزب الشعب الجمهوري» عن إسطنبول. وللمفارقة، ترشّح، عام 2009، لرئاسة بلدية إسطنبول ضدّ مرشّح «العدالة والتنمية»، قادر طوباش، ونال 37% من الأصوات مقابل 45% للأخير. وبعد استقالة دينيز بايكال من رئاسة «الشعب الجمهوري»، عام 2010، على خلفيّة فضيحة جنسية، انتُخب كيليتشدار أوغلو الرئيس السابع للحزب، ومن ثمّ أُعيد انتخابه بعد أربع سنوات. ويُعرف عنه وصفه بـ«غاندي» و«القوّة الناعمة» و«كمال بك (السيد كمال)». وهي المرّة الأولى التي يكون كيليتشدار أوغلو فيها مرشّحاً للرئاسة، إذ سمّى لانتخابات عام 2014، أكمل الدين إحسان أوغلو، ولدورة 2018، محرّم إينجه. ومن أشهر المحطّات في مسيرته السياسية: «مسيرة العدالة» التي قادها سيراً على الأقدام من أنقرة إلى إسطنبول، من 15 حزيران إلى 9 تموز 2017.