جدل إسرائيلي محتدم: ماذا نفعل بأنفسنا؟

جدل إسرائيلي محتدم: ماذا نفعل بأنفسنا؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٦ مارس ٢٠٢٣

يضع قانون إعدام الأسرى الذي تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتمريره إلى جانب 168 بنداً وضعها رئيس حزب «القوة اليهودية»، إيتمار بن غفير، كشروط مستحَقّة للانضمام إلى الائتلاف الحكومي، دولة الاحتلال بمستوياتها السياسية والقانونية والدينية والأمنية كافة، في نفق جدل يكاد لا ينتهي. القانون الذي كان تَقدّم به، للمرّة الأولى، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، حظي في خلال القراءة الأولى في «الكنيست» بمصادقة 52 عضواً مقابل معارضة 49 آخرين، فيما تَغيّب عن الجلسة كلّ من نفتالي بينت زعيم حزب «البيت اليهودي»، وأوري أريئيل من الحزب نفسه، ووزير الأمن يؤاف غالانت، وجميع أعضاء كتلة «يهدوت هتوراة» التي تمثّل المتديّنين الغربيّين. كذلك، رفَض القانون كبير حاخامات «السفارديم» (المتديّنين الشرقيين) على النقيض من تأييد كتلة «شاس» له، فيما حذّر وزير الجيش السابق، موشيه يعلون، من أن «إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً له»، ومن «(أنّنا) سنقدّم من خلاله أدوات للمجتمع الدولي مِن مِثل المقاطعة التي تقوّض شرعيّتنا... هذه مسألة سياسة غير تشريعية، ومن المستحسن الاستماع إلى قوّات الأمن». أمّا وزيرة العدل، إيليت شاكيد، فأشارت إلى أنه «عملياً، هناك عقوبة إعدام ميدانية من دون ضجّة إعلامية»، معتبرةً أن «إسرائيل ليست بحاجة إلى قانون الإعدام»، وأن «هذا الأخير لن يغيّر شيئاً من الوضع القائم».
هذه التباينات، هي برأي الحقوقي مصطفى إبراهيم، انعكاس لهواجس سياسية تتعلّق بسمعة إسرائيل التي تتغنّى دائماً بأنها «واحة الحرية الكبرى في المنطقة»، وتستند في دعايتها إلى أنها جمّدت العمل بقانون الإعدام. ويلفت إبراهيم، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «تنفيذ الإعدام بحق الأسرى هو حلم بن غفير، وقد استغلّ أخيراً عملية حوارة التي تسبّبت بمقتل مستوطَنين إسرائيليَين، ورأى أنه ما من رمزية أكثر من تمرير القانون باعتباره أخلاقياً ومنطقياً وموجوداً في أكبر ديموقراطية في العالم، وبالتأكيد في دولة توجد فيها موجة إرهاب ضدّ مُواطنيها». ويشير إلى أن «الجدل حول مشروعيّته بدأ منذ ألغي العمل به عام 1954، حيث إن التصويت على إلغائه لم يكن شاملاً، بل تمّ الإبقاء على عقوبة الإعدام لجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والجرائم ضدّ الشعب اليهودي والخيانة وبعض الجرائم بموجب القانون العسكري أثناء الحرب، وقد طبّقت دولة الاحتلال أحكام الإعدام فعلياً مرّتَين: الأولى عام 1948 بعد اتّهام مئير توبيانسكي، ضابط الجيش الإسرائيلي بتهمة التجسس، فخضع لمحكمة عسكرية وأدين وأعدم رمياً بالرصاص؛ والثاني عام 1962 عندما أُعدم أدولف أيخمان بتهمة المشاركة في جرائم الحرب المتعلّقة بالهولوكوست». ويبيّن أن مُعارضي القانون «يضعون هواجس صورة إسرائيل في الغرب وأوروبا والمحافل الدولية، نصب أعينهم، ويعتقدون أنه لا ضرورة ميدانية له، ولا مردود عملياً من تطبيقه، لأن الأسرى في السجون لن يغيّروا قناعاتهم ومنطلقاتهم الوطنية سواءً اعتُقلوا طول العمر أو أُعدموا».
من جهته، يذكّر الباحث الحقوقي، سامر مراد، أن «إسرائيل تتبجّح حتى على الولايات المتحدة، بأنه لا قانون إعدام لديها، بينما الأخيرة تنفّذ سنوياً ما لا يقلّ عن 30 حكماً بالإعدام»، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «دائماً ما تروّج إسرائيل لنفسها بأنها أوروبا الشرق الأوسط، بل هي تزعم أنها سبقت أوروبا في حظْر قانون الإعدام، ففيما لم تنفّذ الدول الأوروبية أيّ حُكم بالإعدام منذ عام 1999، تتباهى إسرائيل بأنها لم تُعدم أيّ معتقَل منذ منتصف الستينيات (...)». ويعرب مراد عن اعتقاده بأن «تلك السمعة لن تُفرّط بها إسرائيل لأجل نزوات وأحلام بن غفير، على رغم أنها تُعدم تحت غطاء الضرورة الميدانية، العشرات من المدنيين بشكل شبه يومي». أمّا من وجهة نظر أمنية، فيوضح الباحث إسماعيل محمد أن «المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية تستند في إلغاء قانون الإعدام، إلى تحليل نفسي سلوكي يتعلّق بمدى انعكاس إقرار الإعدام على دافعيّة المقاومين، في السجون وخارجها»، مبيّناً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «المقاوم الذي يدرك أنه سينتظر الموت إعداماً إذا ما تَعرّض للاعتقال، سيكون أكثر شراسة في الميدان، لأن منطق القتال يعطي مكانة أكثر شرفاً للمقاتل الذي يقضي في الميدان»، مضيفاً أن «القادة الأمنيين الإسرائيليين يعتقدون أن تنفيذ حُكم الإعدام يغلق على الأسرى طاقة الأمل بالتحرير في أيّ صفقة تبادل، أو نتاج عملية سياسية أو مفاوضات أو بادرة حسن نيّة، وبالتالي ماذا يمكن لمصلحة إدارة السجون أن تنتظر عندها من أسير يترقّب حتفه إعداماً؟». ويَخلص محمد إلى أن «المحافظة على استقرار السجون والسيطرة على الوضع الأمني، تفرضان تنحية فكرة إقرار الإعدام».
بدوره، شدّد رأفت حمدونة، وهو مدير «مركز دراسات الأسرى»، على «ضرورة الاستفادة من الجدل القائم في دولة الاحتلال بسبب قانون الإعدام، من خلال تأكيد الوضعية الحقوقية للأسرى، وتثبيت مكانتهم في الوعي الدولي على أنهم طلّاب حرية، وأسرى حرب، وليسوا إرهابيين أو أسرى جنائيين». ونوّه حمدونة، في دراسة أصدرها المركز أخيراً، إلى أنه «من المهمّ دحْض الرواية الإسرائيلية المتمثّلة في تصوير الأسرى كإرهابيين وسجناء على خلفية جُنح ومخالفات، وذلك عبر تشكيل مجموعات ضغط دولية ومنظّمات حقوقية وإنسانية ومع البرلمانات الدولية والمجتمع الدولي، للضغط على الاحتلال لوقف تمرير هذا القانون بالقراءتَين الثانية والثالثة، لعدم استناده إلى القانون والعدالة الإنسانية».