فلسطين تحيي يوم الأرض: غليان متدرج مع أيام رمضان

فلسطين تحيي يوم الأرض: غليان متدرج مع أيام رمضان

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٣١ مارس ٢٠٢٣

 في الذكرى الـ47 لـ«يوم الأرض»، بدت الأرض المحتلّة كما هي عليه منذ أشهر: مرجلٌ يغلي بالمقاومة والاشتباك، اللذَين لا يفتأن يتعزّزان ويتمدّدان على رغم عمليات القتل والقمع والتهويد المتصاعدة، في إطار ما يبدو أنه توجّه صهيوني لـ«حسم الصراع». توجّهٌ يبدو أن الفلسطينيين أدركوه جيّداً، وعقدوا العزم على التصدّي له بمختلف الأساليب المتاحة، بما فيها المقاومة الشعبية التي يتوقَّع أن تتزخّم مع تقدّم أيام شهر رمضان، خصوصاً في مدينة القدس المحتلّة، حيث ينوي المستوطنون تكثيف اقتحاماتهم للمسجد الأقصى تحت حماية جيش العدو. وفي ظلّ الشدّ والجذب المستمرَّين في دولة الاحتلال، والابتزاز الذي يمارسه الفاشيون ضدّ بنيامين نتنياهو وما يعنيه من اندلاق لخطوات التنكيل بالفلسطينيين، يَظهر أن الأرض المحتلّة ستكون مقبلة على مرحلة أشدّ اشتعالاً، لا يمكن توقّع مداها من الآن
لا تزال رحم أرض فلسطين خصبة وولّادة للرصاص والمقاتلين، على رغم عمليات القتل والتهويد والمحو المستمرّة منذ عقود، والتي فشلت في إطفاء جذوة النضال، فيما تتّسع اليوم حالة المقاومة أكثر من أيّ وقت مضى، مُحوِّلةً الضفة الغربية التي باتت محور المواجهة مع المشروع الصهيوني، إلى بركان بات ينفث أنفاسه المحبوسة. وخلال الساعات الماضية، خاض مقاومون في الضفة اشتباكات مسلّحة مع قوات الاحتلال، ونفّذوا عمليات إطلاق نار ضدّ جنود العدو ومستوطِنيه تركّزت شمال الضفة، وكان أبرزها اشتباك بالأعيرة النارية والقنابل المحلّية الصنع عقب اقتحام إسرائيلي لبلدة قباطية في محافظة جنين فجر الخميس، ومثلُه في طولكرم. وكان مقاومون نفّذوا، مساء الأربعاء، سلسلة عمليات إطلاق نار استهدفت إحداها دورية عسكرية مكشوفة للعدو في مستوطنة «تعنخيم» على شارع حيفا بالقرب من بلدة اليامون في جنين، مُحقّقين إصابات مباشرة في صفوف الجنود، بينما تبنّت «كتيبة طولكرم» كميناً محكَماً بجانب حاجز «نيتسانا عوز» أدّى إلى إصابة أحد جنود الاحتلال. كذلك، استهدف مقاومون حاجز سالم العسكري في جنين بالرصاص والعبوات الناسفة، ومستوطنة «شاكيد» جنوب المدينة بصليات كثيفة ومباشرة من الرصاص، وتجمّعاً معادياً قرب السياج الفاصل في سهل مرج ابن عامر غرب جنين، وآخر قرب حاجز الجلمة شمال شرقها بقنابل محلّية الصنع «أكواع»، بعدما جرى ضربه بعبوة شديدة الانفجار.
ولم تكن الضفة الغربية يوماً بهذا الزخم النضالي منذ انتهاء الانتفاضة الثانية كما هي الآن، إذ نجح الفلسطينيون في تأسيس مجموعات مقاومة في العديد من الأماكن، باتت أصلب من كسرها، وأعمق من اقتلاعها، محافظين على خطّ الاشتباك المسلّح المتصاعد، ومثبّتين بوصلة الأرض في يومها الخالد، والذي صادفت ذكراه الـ47 أمس. وأحيا الفلسطينيون في الضفة وقطاع غزة والداخل المحتلّ والشتات هذه الذكرى بفعاليات ونشاطات مختلفة، حيث عمّ الإضراب الشامل مدينة سخنين في الجليل المحتلّ، والتي شهدت أيضاً مسيرة مركزية تحت العلم الفلسطيني انطلقت من شارع الشهداء لتجوب شوارع البلدة وتصل إلى النصب التذكاري لـ«يوم الأرض». كذلك، أقيمت فعالية مركزية دعت إليها فصائل المقاومة في غزة، بالقرب من السياج الشائك على حدود القطاع مع الأرض المحتلّة. ويحيي الفلسطينيون في هذا اليوم ذكرى الشهداء الستّة الذين ارتقوا أثناء الدفاع عن أرضهم في 30 آذار 1976، حين اقتحمت قوات الاحتلال بلدات سخنين وعرابة ودير حنا في الجليل المحتلّ، وأطلقت النار بشكل عشوائي على السكّان العرب، بهدف ترهيبهم ومنعهم من المشاركة في الاحتجاجات والإضراب الشامل ضدّ مصادرة الأراضي العربية. وكانت سلطات العدو، وتحت غطاء مرسوم جديد صدر رسمياً في منتصف السبعينيات وأُطلق عليه اسم مشروع «تطوير الجليل» والذي عنى في جوهره «تهويد الجليل»، قامت بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد.
وفي الذكرى الـ47 لـ«يوم الأرض»، لا تزال المخطّطات الإسرائيلية لاستهداف الأرض وسرقتها وتهويدها مستمرّة، سواء في ما تبقّى من أراضي الفلسطينيين في الداخل المحتلّ أو في الضفة الغربية، وهو ما تؤكّده الإحصائيات الموثّقة، ومن بينها ذاك الصادر عن «جهاز الإحصاء المركزي» والذي أفاد بأن الاحتلال يسيطر على أكثر من 85% من المساحة الكلّية للأراضي في فلسطين التاريخية. وبلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية في نهاية 2021، 483 موقعاً، تتوزّع بواقع 151 مستعمرة، و25 بؤرة مأهولة تمّ اعتبارها كأحياء تابعة لمستعمرات قائمة، و163 بؤرة استعمارية، و144 موقعاً آخر تشمل مناطق صناعية وسياحية وخدماتية ومعسكرات لجيش الاحتلال. أمّا في ما يتعلّق بعدد المستوطنين في الضفة، فقد بلغ 719,452 مستعمِراً، وذلك بنهاية العام الماضي أيضاً. كذلك، يبدو جلياً الاستهداف المكثّف لمدينة القدس وسكّانها بهدف طردهم وتشريدهم؛ إذ صادقت سلطات العدو، في عام 2022، على نحو 70 مخطّطاً استعمارياً لبناء أكثر من 10 آلاف وحدة في محافظة القدس ومحيطها، في الوقت الذي قام فيه الاحتلال بهدم أكثر من 258 مبنى، وأصدر قرارات هدم لأكثر من 220 مبنى آخر، منها 100 مبنى سكني في حيّ البستان، ما يؤدي إلى تشريد 1,550 فرداً غالبيتهم من الأطفال والنساء. ونفّذت سلطات العدو 378 عملية هدم، طاولت 953 منشأة في الضفة خلال عام 2022، 31% منها في مدينة القدس التي يتعاظم فيها المشروع الاستيطاني بهدف السيطرة عليها بشكل كامل، بما يشمل المضيّ قُدُماً في مخطّطات تهويد المسجد الأقصى.
ويدرك الفلسطينيون اليوم أن دولة الاحتلال تمضي نحو مرحلة جديدة عنوانها حسم الصراع على الأرض، في اتّجاه تكريس المشروع الاستيطاني في الضفة كنواة دولة ذات مستقبل ومترابطة جغرافياً، مستفيداً من آثار 30 عاماً من مسار التسوية ووهم السلام والمفاوضات، والذي عملت الحركة الصهيونية في ظلاله على ابتلاع المزيد من الأرض. وتتّجه الأنظار، في هذا السياق، نحو مدينة القدس باعتبارها الأكثر استهدافاً بذلك المخطّط الاستعماري التهويدي، وتحديداً المسجد الأقصى الذي سيكون العنوان والبوصلة لأيّ هدوء أو تصعيد ستشهده الأراضي الفلسطينية في شهر رمضان، إذ بدأت اعتداءات الاحتلال على المسجد منذ اليوم الأول من الشهر بمنع الاعتكاف فيه، لكن مع الأسبوع المقبل سترتفع درجة التأهّب والاستنفار لدى الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، على ضوء نيّة المستوطِنين تنفيذ اقتحامات واسعة للحرم بحجّة «عيد الفصح اليهودي». وبعث 15 حاخاماً رسالة إلى رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ووزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، يطالبون فيها بالسماح للمستوطِنين بذبح القرابين في الأقصى، بينما دعت «منظمات الهيكل» أنصارها إلى إحضار القرابين، والتجمّع عند أبواب المسجد مساء الأربعاء المقبل الواقع في الـ5 من نيسان، تمهيداً لذبحها، في إطار محاولة المنظّمات أداء كامل الطقوس في ساحات الحرم خلال الأعياد اليهودية، وهو ما يواجَه بدعوات فلسطينية إلى تكثيف الحشد والرباط في المسجد خلال رمضان.
وكما كان متوقّعاً، فإن الاحتلال يسعى إلى تخفيف أزمته الداخلية عبر تصعيد شامل ضدّ الفلسطينيين، إذ إن تعليق مشروع «الإصلاح القضائي» جرى بعد موافقة نتنياهو على تشكيل ميليشيات تابعة لبن غفير، مهمّتها سفك الدم الفلسطيني من دون محاسبة أو قيود، فيما ينتظَر أن تُعطى للمستوطنين حرية التصرّف والعربدة في القدس والضفة كما يشاؤون. وبالتزامن مع دعوات التجمّع في القدس واقتحام الأقصى، صادق جيش العدو على السماح للمستوطنين بتنظيم أضخم تظاهرة في منطقة شمال الضفة منذ سنوات، وذلك في العاشر من شهر نيسان القادم، حيث ستشارك فيها عشرات المنظّمات الاستيطانية، وستنطلق من حاجز زعترة جنوبي نابلس باتّجاه بؤرة «أفيتار» الاستيطانية المقامة على جبل صبيح في أراضي بلدة بيتا، بينما سيقوم الجيش بتأمين الحراسة لها. أيضاً، سيشارك فيها كبار الحاخامات، بالإضافة إلى وزراء وأعضاء «كنيست» من اليمين، وعشرات المنظّمات اليهودية والتي ما فتئت تطالب الحكومة الإسرائيلية بالإيفاء بتعهّداتها بالسماح للمستوطنين بالعودة إلى «أفيتار»، بعد استكمال «الإدارة المدنية» عملية مسح الأراضي المقامة عليها. وفي الوقت الذي فشلت فيه حكومة الاحتلال في تمرير مشروعها الداخلي على ضوء الانتقادات الدولية والاحتجاجات الداخلية، يتّضح تَوجّه أحزاب اليمين المتطرّف إلى ابتزاز نتنياهو، عبر ربط استمرار التحالف معه بتشكيل «الحرس الوطني» بقيادة بن غفير، وإطلاق يد الاستيطان في الضفة والقدس، وهو الأمر القادر على تفجير الأوضاع برمّتها فيهما.