الاحتلال يوسّع اعتقالاته في الضفة الغربية.. ردع فاشل وترويج قوة زائفة

الاحتلال يوسّع اعتقالاته في الضفة الغربية.. ردع فاشل وترويج قوة زائفة

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٦ أغسطس ٢٠٢٣

تواصل قوات الاحتلال فرض حصارها والاعتقالات في الضفة المحتلة، وتنتهج سياسة تطوّق المناطق التي لها علاقة بالمناطق التي تشهد عمليات المقاومة المسلحة، أو قريبة منها، كما حدث في بلدة عقربا، جنوبي مدينة نابلس، بحيث تشهد حصاراً لليوم السادس على التوالي، بعد عملية حوارة التي أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين، السبت الماضي.
وتمارس سلطات الاحتلال سياسة العقاب الجماعي، سواء من خلال حملات الاعتقالات بحجة البحث عن المنفذ وتطويق المناطق وحصارها وإغلاقها، وتُقيّد حركة الفلسطينيين، عوضاً من الاقتحامات الليلية للمنازل والتحقيق الميداني لجمع المعلومات. 
وفي هذا الشأن، ومن أجل الحديث أكثر عن حملات الاعتقالات التي تشهدها الضفة المحتلة، قابلت الميادين نت المحامية في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، تالا ناصر، التي قالت إنّ "الاعتقالات تضاعفت خلال الأيام الثلاثة المنصرمة، بحيث رُصد أكثر من 120 حالة اعتقال، جاءت بعد عمليتي حوارة والخليل، ضمن سياسة العقاب الجماعي".
وأضافت ناصر أنّ "سلطات الاحتلال تفرص سياسة العقاب الجماعي بعد أي عمل مقاوم، بينما تطال كل فئات الشعب الفلسطيني"، لافتةً إلى أنّ "هنالك تحريضاً ملموساً من جانب حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة".  
وتابعت أنّ هذا التحريض "بدا واضحاً بعد زيارة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لسجني عوفر والنقب، حيث بدأت حملة التضييقات على الأسرى الذين يشهدون هجمة شرسة منذ أعوام". 
ولفتت إلى أنّ "الهجمة أصبحت تطال منجزات الأسرى ونضالهم داخل السجون، وهذه الهجمة لا تستهدف فصيلاً أو تنظيماً فلسطينياً، بصورة خاصة، في السجون أو خارجها".
ومن خلال رصد مؤسسة الضمير للانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى داخل السجون، قالت المحامية ناصر إنّ السجون "تشهد تنكيلاً ومصادرة مقنيات الأسرى ونقلهم بصورة تعسفية، إمّا إلى زنازين في السجن ذاته، وإمّا إلى سجون أخرى".
وبشأن الوضع خارج السجون والاعتقالات التي تشهدها الضفة، قالت إنّ "الاعتقالات تتباين بين فترة وفترة، ومن أسبوع إلى آخر، بينما تكثّفت في الآونة الأخيرة في منطقة الخليل، بينما كانت الاعتقالات تتمحور حول شمالي الضفة المحتلة".
وأضافت ناصر أنّ الاعتقالات "مرتبطة، بصورة أساسية، بالمناطق التي على احتكاك مباشر بالمستوطنين، أو المناطق التي ترتبط بالعمليات المسلحة، مثل الخليل ونابلس".  
أمّا بشأن المعيار أو المؤشر المادي للاعتقالات، التي يمكن قراءتها بصورة منهجية، ومعرفة المرحلة التي يمر فيها الشارع الفلسطيني، فأوضحت ناصر أنّ أغلبية الاعتقالات ولوائح الاتهام، التي جرى رصدها، "تندرج تحت تمويل الخلايا في الضفة المحتلة"، مشيرةً إلى أنّ "الاحتلال يحاول أن يجتث الخلايا المسلحة قبل أن تتشكل".
وفيما يتعلق بآلية تعامل المعتقلين مع الاعتقال، نصحت ناصر الأسرى باستشارة محامٍ، وأن يتمسكوا بحقوقهم كالتزام الصمت، وعدم التوقيع على أوراق تعرض عليهم خلال الاستجواب أو التحقيق، مبيّنةً أنّ من حق الأسير أن يقدم شكوى بعد رصد الانتهاكات التي يتعرض لها من أجل مساءلة الاحتلال في المستوى الدولي.
ما علاقة منهجية الاعتقال بحالة الضفة الغربية؟ 
وفي السياق ذاته، قال الصحافي والكاتب محمد القيق، للميادين نت، إنّ "منهجية الاعتقال التي تقوم بها إسرائيل لا يمكن أن تكون أمنية فقط، لأنّ هنالك 5000 أسير/ة فلسطيني/ة في السجون الإسرائيلية"، مؤكّداً أنّ "الاحتلال لا يمارس الاعتقال لدوافع أمنية في الضفة الغربية".
وأضاف القيق أنّ الأسباب "مرتبطة بحالة الضفة الغربية، وبعد فشل خطة دايتون، وإثبات الفصائل الفلسطينية الحالة الثورية من خلال العمليات بين عامي 2007 و2021". 
وأوضح أنّه "بعد سيف القدس، تراكمت الحالة الشعبية الفلسطينية في الضفة، وأسفرت عن حالة مقاومة أيقظت الخلايا الفلسطينية المسلحة لدى الفصائل والأحزاب. وبالتالي، بات العمل، فردياً وجماعياً، ضمن المشهد الميداني الذي قابلته إسرائيل بسياسة العقاب الجماعي".
وبالإشارة إلى ملف بلدة عقربا، جنوبي نابلس، قال القيق إنّ البلدة "شهدت عشرات الاعتقالات ودهم المنازل، ويأتي ذلك في إطار العقوبات الجماعية وجمع المعلومات الأمنية وردع الفصائل الفلسطينية، وتحديداً الفئة التي تنخرط في العمليات المسلحة".
وأضاف أنّ هذه الاعتقالات "لا تقتصر على منفذي العمليات، وإنّما تطال عائلاتهم وأصدقاءهم والمحيطين بهم، وهذا مؤشّر على منهجية الترهيب والردع اللذين تستخدمهما إسرائيل من أجل ضبط الضفة الغربية، وأنّ مصير أي عملية غير مرتبط بمصير المنفذ نفسه".
وفي السياق، رأى القيق أنّه، خلال الأيام المقبلة، "ستكون حملات الاعتقالات ضخمة، وتطال الفصائل الفلسطينية، وبينها حركة المقاومة الإسلامية والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". 
وأضاف أنّ هذه التوقعات جاءت بناءً على "أخبار تواردت في الإعلام الإسرائيلي، مفادها أنّ الفصائل الفلسطينية تتلقّى اتصالات خارجية من قيادات خارج فلسطين وغزة"، لافتاً إلى أنّ الاعتقالات سوف تطال جميع كوادر الأحزاب والفصائل الفلسطينية، بمن فيها طلبة الجامعات والنقابيون والأكاديميون.
وبشأن توقعات ضرب البنى التحتية والتنظيمية للفصائل الفلسطينية المشاركة في العمل العسكري المقاوم في الضفة المحتلة، أوضح القيق أنّ "الاحتلال يحاول، بصورة مركزية، تجفيفاً أكبر وأعمق للفصائل الفلسطينية من ناحية التمويل والعمل المقاوم".
وأضاف أنّ "هناك تواصلاً دائماً بين أجهزة أمن السلطة المبنثقة من أوسلو، وهو ما جرى إعلانه في الإعلام الإسرائيلي، والذي سترافقه تقوية السلطة الفلسطينية".
ولفت إلى أنّ "معنى تقوية أمن السلطة ليس في منحها سيادة ومناطق أكثر، وإنّما عبر رفع الحالة الأمنية والدعم الأمني المشترك، من ناحية تقديم معلومات.
وفيما يتعلق بجدلية ممارسات الاستعمار وارتباطها بالحكومات الإسرائيلية، قال القيق إنّه لا يؤمن "بنظرية حكومة متطرفة أو حكومة غير متطرفة، فجميع قادة الاحتلال تتلمذوا على قتل الفلسطيني".
وعقّب قائلاً: "عندما استلمت حكومة لابيد اليسارية الحكومة، اغتالت في أول يوم 3 شبان في مدينة نابلس. وقتلت هذه الحكومة عشرات الشبان عند كل اقتحام لقبر يوسف، كما أنّ حكومة بينت ولابيد قصفت غزة وسوريا".
وأضاف أنّ "التميز بين الحكومات الإسرائيلية قد يؤثر في الداخل الفلسطيني المحتل، لكن على صعيد الضفة المحتلة، فالقرار هو توسعة الاستيطان المستوطنات واعتبار السلطة شريكة أمنية"، لافتاً إلى أنّ "إسرائيل لديها قرار يقضي بتفتيت الجبهات العسكرية الأمنية، بينما تواصل الفصائل الفلسطينية تفعيل  المقاومة المسلحة".
وتشهد الضفة المحتلة في الآونة الأخيرة تصعيداً من ناحية العمل المقاوم المسلح. ولعلّ هذا النهج العسكري الذي أعادته وحدة الساحات في المعركة الأخيرة مع الاحتلال، وأيضاً عبر نموذجي عرين الأسود وكتيبة جنين. وبالتأكيد، فإنّ المقاومة المسلحة كانت وما زالت حاضرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، لكن عند كل مرحلة يرتئي الشبان الأسلوب والآلية الملائمين للفعل المقاوم.
ويقابل هذا التصعيد في حالة المقاومة، تصعيد من جانب "جيش" الاحتلال، في محاولة لإنهاء أي فعل مقاوم في الضفة المحتلة وتجفيف منابعه المالية والعسكرية والسياسية، سواءٌ بالاعتقالات أو الاغتيالات. وهذا المشهد ينعكس على حالة السجون والأسرى الذين يشكلون أيضاً هدفاً لحكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة.