تعديلات المناهج الدراسية.. مرة بتصيب ومرة بتخيب

تعديلات المناهج الدراسية.. مرة بتصيب ومرة بتخيب

صور من العالم

الجمعة، ١٧ فبراير ٢٠١٢

المناهج.. حديث هذا العام.. والعام القادم.. والعام الماضي، حيث تشهد المناهج الدراسية خلال هذه السنوات، تغييرات وتعديلات في جوهرها وأسلوبها، وشكلها، أما تقييم هذه التعديلات حسب المطلعين والمعنيين، فهو أنها " مرة بتصيب ومرة بتخيب"..
حيث حفزت هذه المناهج الإبداع عند الطالب إلا أنها لم تصله كاملة نظراً لكثافتها، كما أنها أغنت معلوماته نظرياً إلا أن جوانبها العملية لم تعرف التطبيق أو التجربة إلا فيما قل وندر..

بين الكتاب والواقع
طُبقت المناهج الجديدة هذا العام على عدة صفوف هي الخامس والثامن والحادي عشر، وكانت قد طبقت العام الماضي على صفي السابع والعاشر، أما العام القادم فينتظر تغيير في منهاج الصف السادس والتاسع الثالث الثانوي، وهي الصفوف الأكثر حساسية في حياة الطالب الدراسية، فهل كانت التعديلات الماضية تنبئ بالخير للتعديلات القادمة، سؤال تتعدد إجاباته بين من يجد في المناهج الجديدة نقلة علمية حقيقية ومن يجدها غير واقعية ولا إمكانية لتطبيقها في ظل الظروف والوسائل المتوفرة في مختلف المدارس..
وقد أكدت وفاء سلطان وهي من المشاركين في وضع المناهج الجديدة، أن هذه المناهج تقيس المهارات وتنمي القيم عند الطالب، ولا تعتمد فقط على قياس مستوى التذكر، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الاستراتيجيات المتبعة في تدريس المناهج الجديدة، والتي لم تكن متبعة سابقاً، مثل التشاركية وحل المشكلات وغيرها. فالمنهاج القديم يقيس مستوى التذكر فقط، وهذا غير كاف لبناء جيل واعٍ وقادر على التفكير بطريقة منطقية وصحيحة.
وتؤكد سلطان أن: "هذا يجعلنا بحاجة إلى مدرسين مؤهلين لتدريس مثل هذه المدارس، وعلى الرغم من التدريب الذي خضع له المدرسون العام الماضي وأهميته الكبيرة، كان هناك مدرسون لم يلتحقوا بهذه الدورات، لاعتقادهم الخاطئ بأنهم ليسوا بحاجة إليها. وقد لمس هؤلاء، مع بدء العام الدراسي، أن هناك الكثير من الثغرات في طرق تدريسهم المناهج الجديدة".
ومن الممكن أن تساعد عملية إعادة تأهيل المدرسين على تناسب أساليبهم مع المناهج وبالتالي الارتقاء بالعملية التربوية في سورية، وهذا أمر في غاية الأهمية، حيث اتسمت الدورات التي أقامتها وزارة التربية العام الماضي بالعديد من نقاط الضعف التي لابد من تجاوزها بهدف التأسيس لبيئة تعليمية جديدة تساعد المدرس لتكون كل الأساليب التي عليه أن يتبعها، متوفرة لديه حتى يتمكن من إنجاز المطلوب وفق كل مادة.

المدرّس بعقلية الموجه
وزارة التربية تسعى من خلال المناهج الجديدة، حسب مطلعين فيها إلى إعادة بناء المدرّس بعقلية الموجه وليس الملقن. وهذا الإعداد يتناسب أساساً مع طريقة إعطاء المنهاج الجديد، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية للمدارس.
وقد وضعت الوزارة خطة مسبقاً للقضاء على النظام النصفي، لمعالجة مشكلة الكثافة الصفية، ودون إسقاط الجانب التأهيلي من الحسبان، إذ يسهم إشراك المدرسين في دورات تأهيلية وتربوية متتابعة في تحديث طرائق التدريس. باعتبار أن تدريب المدرسين ضرورة ليكون التطوير عملية مستمرة لا تتوقف.
ذلك انطلاقاً من كون الجيل متجدّداً، وكذلك المعلومة والمعارف، ولابدَّ من
مواكبتها.

ملاحظات وتعديلات
وعن التواصل مع الميدان التدريسي لتقييم هذه المناهج تقول سلطان إن جميع الملاحظات التي وصلت إلى الوزارة خلال العام الماضي من قبل المدرسين، قد تم الأخذ بها، من خلال بعض التعديلات على المنهاج، كتقليص بعض الفقرات، أو توزيع بعض الدروس على أكثر من حصة درسية، وغيرها من الملاحظات. ونتيجة لذلك، سيكون المنهاج مصقولاً أكثر، فأي منهاج جديد لابدّ من أن تكون فيه بعض الثغرات، التي من الممكن تجاوزها بالنقد والملاحظات.

المناهج كما يراها المدرسون
المناهج الجديدة عصرية شكلاً ومضموناً حسب ما يراها مدرسوها ودارسوها إلا أن هناك الكثير من النقاط التي لابد تتوفر لتعطي هذه المناهج الجدوى المرجوة منها، وتصل إلى هدفها في رفع السوية العلمية والإبداعية عند الطالب ونقله من أسلوب البصم والتلقي إلى المشاركة والاستنتاج.
تمت معالجة بعض الملاحظات على هذه المناهج كما قدمها من تعامل معها في المدارس في العام التالي إلا أن بعضها الآخر أُغفل لظروف ربما تكون خارجة عن إرادة القائمين على المناهج وقطاع التربية وحدهم، خاصة فيما يتعلق بأمور جوهرية تخص الوسائل والبيئة التعليمية وغيرها..
لمى حسينو (مدرسة موسيقا) لاترى أن المناهج الجديدة مناسبة لكافة الصفوف وذلك لأن صفي الخامس والثامن يدرسون منهاجاً متقدماً على مايمتلكونه من معلومات فمن غير الممكن أن يطبق المنهاج على هؤلاء قبل أن يكونوا قد تلقوا المعلومات الأولية في الصفوف السابقة، إضافة إلى أن الوسائل التعليمية غير متوفرة في كافة المدارس رغم ضرورتها خاصة في المناهج الجديدة.
وتؤكد حسينو أن العدد الكبير للطلاب يعيق إمكانية مشاركتهم في المنهاج إضافة إلى أنه يعيق من قدرة المدرس على اكتشاف المواهب الموجودة في مدرسته وبالتالي رعاية هذه المواهب وتنميتها.
أما بالنسبة لمادة التربية الوطنية في المنهاج الجديد تقول وفاء سلطان: معظم مفردات ودروس المنهاج الجديد تنمي المواطنة عند الطالب من خلال حثه على الالتزام بالقوانين والمحافظة على المرافق العامة وتنمية حب الوطن في قلبه، فالمنهاج يبدأ تنمية حبّه والتزامه ببيته إلى العالم مروراً بسورية والوطن العربي، وكل ذلك بأسلوب جميل وحضاري وينمي مهارات الطالب ويزوده بأساسيات المعرفة ليصقل الطالب فيما بعد مهاراته ومعارفه.
ومن جهة أخرى تجد تهاني قصاص "مدرسة تربية فنية" أن المناهج الجديدة جيدة ومنوعة إلا إنه لابد من تأمين وسائل تعليمية تناسب هذه المناهج، فكلما كانت الوسائل والمواد والخامات المقدمة أفضل كانت نسبة نجاح المناهج الجديدة أفضل، حيث يعتمد المنهاج الجديد على الوسائل التعليمية، والمهارات والطرق الحديثة في التدريس، وغياب هذه الوسائل سيقلل كثيراً من فرصة الوصول إلى النتائج المطلوبة سواء من الطالب أو من المدرس.
ومن جانب آخر لا يجد منهاج التربية الرياضية من يجدده ويضع له آلية ممتعة بعيدة عن ارتجال كل مدرس على حدة، ويقول مهند محمد "مدرس تربية رياضية": " اعتدنا على تدريس مادة التربية الرياضية على مرحلتين مرحلة دنيا تشمل الصف الأول والثاني والثالث، ومرحلة عليا تشمل الصفوف الأعلى، وإنه في المرحلة الدنيا تكون الحصة على شكل قصة حركية، لا تحتوي على مهارات أو تنظيم أي يكون اللعب عشوائياً، أما في المرحلة العليا فيكون الدرس منظماً يحتوي على مهارات وألعاب مختلفة إلى أن شكل الدرس هنا يكون جامداً ما لم يُدخل المدرس إليه بعض الحركة والألعاب، ويؤكد أن هذا التطبيق قد لا يكون موجوداً في بعض المدارس لأنه إجمالاً ممل، منوهاً إلى أن التعديلات الأخيرة على المناهج استثنت المادة كلياً واعتبرتها غير موجودة.
أما بالنسبة للوسائل التعليمة والتدريبية يقول مدرس الرياضة إن هذه الوسائل متوفرة بشكل عام في أغلب المدارس ولها مخصصات ثابتة من المدرسة ومن التربية، موضحاً أن المشكلة هي في عدم وجود اعتبار لحصة الرياضة ونظرة الإدارة وباقي المدرسين لها على أنها حصة فراغ من الممكن الاستفادة منها في تقصير ما أو في القيام بحملات التنظيف أو غيرها.
وفيما يتعلق بالمواهب يقول محمد: " لا يتم متابعة المواهب الرياضية بشكل جيد في المدارس للكثير من الأسباب، مشيراً إلى أن هناك اهتماماً جديداً بهذا الجانب ظهر مؤخراً من خلال متابعة النادي التدريبي التابع للتربية".

مضمون المناهج القادمة
وفي عرض سريع لما تتناوله المناهج القادمة العام المقبل، نجد على سبيل المثال أن منهاج الصف التاسع لمادة التربية الوطنية يتحدث عن المنظمات الدولية والعربية، وأهمية الرموز الوطنية، وتاريخ التطور العربي، وبعض الجوانب الاقتصادية، أما منهاج الصفَّين العاشر والحادي عشر فيتحدثان عن الحضارة الإنسانية بشكل عام وعن التنمية البشرية والبيئية، والنضال ضد الاستعمار، إلى جانب الدستور، والغزو الثقافي ومشكلات المجتمع الاجتماعية.
أما منهاج الثالث الثانوي فيتضمن الحديث عن الأمن القومي والعربي والمائي، وتاريخ الأحزاب وأهمية التعددية الحزبية، ودور وسائل الإعلام، والحرب النفسية.
وفيما يتعلق بمنهاج مادة الجغرافيا، فسيتناول الوطن العربي والعالم مع تركيز خاص على سورية، وستكون المقارنات فيه دائمة، ليحدد الطالب أين هو من العالم، من حيث الموقع وإمكانات التقدم الطبيعية والإنسانية؛ بمعنى استثمار وجوده وتطويره إضافة إلى دور الجغرافيا المعاصرة في التخطيط من خلال تحليل الواقع العمراني والزراعي والخدمي والنقل.
أما مادة الفيزياء في الصفين الأول والثاني الثانوي العلمي فتركز على تحصيل المعارف والمهارات لدى المتعلم وتطوير منهجية تفكيره بحثاً عن الحلول الصحيحة عبر امتلاك قدرات التحليل والتركيب كون الفيزياء مادة تحتاج إلى بناء منطقية التفكير نفسها والمحاكمة الصحيحة.
وفيما يتعلق بتدريس اللغات في المناهج الجديدة فهو يركز على المقاربة التواصلية والتي تركز على المتعلم وحاجاته بدلاً من التركيز على اللغة نفسها، والمناهج الجديدة في اللغات منوعة وفيها مرونة لمواءمة المادة الدرسية بما يتناسب مع مستوى الطلاب.

أسئلة الامتحان على النمط الجديد
كانت أسئلة الامتحان في المناهج القديمة تقيس مستوى التذكر مع بعض التعاليل والتعاريف بينما ستتضمن أسئلة امتحان المنهاج الجديد- حسب القائمين على وضعها- تحليلاً واستنتاجاً لبعض الأمور التي تدرب عليها الطالب خلال العام، حيث لن تركز على مدى حفظ الطالب فقط بل ستختبر مدى فهمه ومهارته، وهذا ما يتخوف منه الطلاب كونه نمطاً جديداً لم يتم الاعتياد عليه بعد، إلا إنه لو نحج فعلاً سيكون الطالب أنضج وأكثر إبداعاً وفهماً.

تطوير مستمر
المناهج الجديدة ستُبدل كل عدة سنوات بهدف المحافظة على عصريتها وقدرتها على مواكبة تطورات العمل وطرق التعلم، حيث تعمل وزارة التربية على إنشاء هيئة جديدة باسم «هيئة تطوير الكتاب» وستضم كادراً متخصصاً مهمته مواكبة تطوير المناهج وتعديل الكتب المدرسية بشكل مستمر حتى لا تبقى المناهج مدة عشرين سنة دون أن تتغير.

مرتكزات لابد منها    
لابد أن يقوم تطوير قطاع التربية على العديد من المرتكزات، ووضع منهاج عصري ومناسب، أمر هام جداً إلا إنه لابد أن يعدّ بما يتناسب والفئة العمرية لكل مرحلة مع الأخذ بملاحظات من هم في ساحة ميدان التدريس، بالتزامن مع تأهيل البيئة التحتية المناسبة بحيث ننتهي من الدوام النصفي في المدارس ليتسنى توفير وقت أطول للحصص الدرسية، وقد كان هناك خطة مطروحة في وزارة التربية لتمدّد الحصة الدراسية إلى 55 دقيقة، وذلك بعد أن تصبح كل مدارس سورية دواماً واحداً، ذلك لأن 40 دقيقة، وهو وقت غير كافٍ مقارنة بحجم المادة المقررة في تلك الحصة.
ومن جانب آخر لابد من تحسين وضع المخابر والمكتبات ورفدها بالوسائل المساعدة الكافية، كما لابد أن يرفق هذا كله بتحسين الوضع الاقتصادي للمدرسين والعمل على تأهيلهم بالشكل اللائق والمستمر لضمان قدرتهم على إيصال المناهج بالشكل المطلوب عملياً ونظرياً.