علميًّا.. لماذا يصعب علينا نسيان الحبيب السابق؟ وكيف ننساه؟

علميًّا.. لماذا يصعب علينا نسيان الحبيب السابق؟ وكيف ننساه؟

آدم وحواء

الأحد، ٢٨ فبراير ٢٠٢١

سال الكثير من الحبر مجسدًا كلمات لأغاني تدور حول فكرة واحدة «الحبيب السابق» والحنين إليه، أو الرغبة في الانتقام منه، أو الاعتذار له، تلك الأغنيات وانتشارها في جميع لغات العالم تعد انعكاسًا واضحًا لما يواجهه الإنسان من صعوبة في نسيان الحبيب السابق ومسامحته، والانتقال إلى المحطة التالية في حياته دون النظر إلى الوراء.
قد تظن أن السبب في عدم نسيان حبيبك السابق بديهيّ وترجع هذا إلى استمرارية حبك له، ولكن تفسير مشاعر الإنسان لا تتم بهذه البساطة، لأن العقل والنفس أكثر تعقيدًا من ذلك، ولذلك قد تكون ما زالت متعلقًا بحبيبك السابق، ولا تقوى على نسيانه، أو لا تجد القدرة على مسامحته، وألا تكن له مشاعر حب أو كره، ليس فقط ببساطة لأنك ما زلت تحبه، بل هناك أسباب أكثر عمقًا تكمن وراء هذا سيطرة هذا الشخص على تفكيرك، ومنعك من مواصلة الحياة بشكل طبيعي.
وفي هذا التقرير نخبرك عن الأسباب النفسية والعصبية التي رصدها العلم، بجانب التفسير الفلسفي للأمر، وهذا كله للإجابة عن سؤال: لماذا يصعب علينا نسيان أو مسامحة الحبيب السابق؟
«قلق الانفصال» ليس حبًّا
محاولات استرجاع الحبيب السابق، أو السعي وراء مغفرته أو حتى مسامحته؛ تتحول في بعض حالات الانفصال العاطفي إلى حاجة ملحة وسعي محموم من جانب الطرف المرفوض في العلاقة، أو الذي تعرض لمفاجأة الانفصال أو الخيانة غير المتوقعة، وهذا السعي المحموم قد يعمي الطرف المصدوم عن الكثير من الحقائق التي ننوي الكشف عنها معكم، مستعينين بما قدمه علم الأعصاب من تفسيرات وثقت عن طريق دراسات نفسية تحليل الأمر تحليلًا علميًّا.
توضح عالمة الأعصاب والكاتبة هيلين فيشر أن الإنسان عندما يتعرض للرفض في العلاقة العاطفية، وينتج عن هذا الرفض الانفصال عن شريكه، يدخل في حالة ذهنية أطلقت عليها حالة «الاحتجاج»، تلك الحالة التي يتحول فيها الشخص المرفوض إلى مهووس بالطرف الذي رفضه.
في دراسة أجرتها هيلين هي ومجموعة من علماء الأعصاب وشارك فيها 15 فردًا تعرضوا للانفصال العاطفي نتيجة الرفض من قبل الشريك؛ عرض المشرفون على الدراسة المشاركين لمسح المخ باستخدام الرنين المغناطيسي أثناء مشاهدتهم لصور أحبائهم السابقين، ومن خلال المسح لأدمغتهم في تلك اللحظة، رُصدت نشاطات في المناطق الموجودة في المخ تخص المكسب والخسارة، بجانب المناطق الخاصة بمشاعر التعلق والحب.
«بعد تعرضك للرفض؛ لا تتوقف عن حب من رفضك، بل من الممكن أن يزيد تعلقك به» هكذا صرحت هيلين فيشر في واحدة من محاضرتها حول طبيعة الحب وكيف يسيطر علينا، في إطار الدراسة سابقة الذكر وأثناء لحظة تعرض المشاركين في الدراسة لصورة أحبائهم السابقين الذي رفضوهم، رصد القائمين على الدراسة ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات الـ«Norepinephrine» وهو الناقل العصبي المسؤول عن الشعور الشديد بالحاجة للآخرين والرغبة في طلب المساعدة.
وهذا الناقل العصبي هو ما يدفع الشخص المرفوض للشعور بأنه «قليل الحيلة»، وهو أيضًا الذي يدفعه للجوء لبعض التصرفات الدرامية المبالغ فيها بغرض استرجاع الحبيب السابق، أو حتى الانتقام منه.
كما رصدت الدراسة للرجال والنساء المرفوضين المشاركين في الدراسة، نشاطًا في المنطقة الدماغية الرئيسية المرتبطة بالإدمان أثناء النظر لصور أحبائهم السابقين، وفي مقال لها بعنوان «مهجور» تقول هيلين إن «قلق الانفصال» الذي يشعر به الشخص بعد أن يتم رفضه من شريكه، يشبه الجرو الصغير الذي أُخذ بعيدًا عن والدته، فيظل يدور في دوائر حول نفسه باحثًا عنها، مؤكدةً من خلال الدراسة التي أجرتها وسبق ذكرها، أنه ثبت علميًّا أن الأشخاص الذي يسعون بشكل محموم للعودة للحبيب السابق، يفعلون ذلك بسبب الإدمان وليس والحب.
يخبرك علم الأعصاب من خلال دراسة أخرى نشرت في عام 2016، أن هذا الافتقاد الذي تشعر به الآن، والرغبة الملحة في الحديث مع الحبيب السابق وكأن حياتك متوقفة عليه، وأنه «ليس للحياة طعم بدونه»؛ ما هي إلا أعراض للانسحاب في كيمياء الجسم، وليس افتقادًا مبنيًا على أساس واقعي أو منطقي، وهذا الشعور بالانسحاب يعمي صاحبه عن المشكلات التي بسببها حدث الانفصال، مثلما يهفو المدمن إلى جرعة المخدر رغم إدراكه لأضرارها.
وقد وجدت هذه الدراسة أن دماغ الإنسان الذي يعاني من افتقاد الحبيب السابق، تنشط في مخه نفس الآليات التي تنشط لدى مدمني المواد الأفيونية والهيروين عندما يحاولون التوقف عن التعاطي.
القلق وأعراض الانسحاب التي تدفعك للتفكير طوال الوقت في حبيبك السابق سواء بحب أو برغبة في الانتقام، يمكن للإنسان أن يتغلب عليها مثلما يتغلب على أي نوع آخر من أنواع الإدمان.
في البداية يجب أن يدرك السبب الحقيقي وراء الألم الذي يشعر به وأنه ليس حبًا، بل خدعة تمارسها كيمياء مخه عليه، ومن ثم يعتمد على قوة إرادته في الفترة الزمنية التي تسيطر عليه فيها أعراض الانسحاب حتى يشفى مخه من إدمان حبيبه السابق، وخلال هذه الفترة يمكن استبدال إدمان آخر يكون مفيدًا بهذا الإدمان، مثل نشاط جسدي أو هواية، لن تكون مسلية ومثمرة في البداية، ولكن مرة أخرى كل ما يحتاجه الشخص هو الوقت حتى تتعافى كيمياء المخ، والفترة المتفق عليها علميًّا للتخلص من العادة الإدمانية هي الابتعاد عن مسبب الإدمان 90 يومًا متواصلين.
حبيبك السابق ليس «الأمل الأخير»
فترة الطفولة والتي ربما لا يتذكر البشر معظمها، لها تأثير كبير في تكوين شخصيتنا وطريقة تفكيرنا، وطبيعة تعاملنا مع الانفصال في العلاقات العاطفية أيضًا كما أكدت رينيه ديلي أستاذة علم النفس في جامعة تكساس، والتي أجرت العديد من الدراسات والبحوث على العلاقات التي اختار أصحابها الرجوع أكثر من مرة بعد الانفصال، ثم الانفصال مرة أخرى، في محاولة منها للكشف عن الأسباب النفسية الحقيقية وراء هذا الرجوع إلى الحبيب السابق.
وجدت رينيه أن طبيعة علاقة الطفل بأبويه ومدى تعلقه بهما، سواء كان هذا التعلق صحيًا أم مرضيًا؛ لها دور كبير في تشكيل علاقاته العاطفية في مرحلة نضوجه، فإذا كان الطفل نشأ على التعلق المبالغ فيه بأحد والديه والشعور بالقلق المزمن في حالة البعد عنه؛ يكون أكثر عرضة لعدم القدرة على إنهاء العلاقات العاطفية بشكل حازم، وبشكل ما يسقط هذا الشخص تعلقه بوالديه غير الصحي، على الطرف الثاني في العلاقة.
ولذلك يكون أكثر عرضة للرغبة في الرجوع للحبيب السابق والوقوع في فخ عدم النسيان أو الرغبة في الانتقام، ولذلك تربية الأطفال على الشعور ببعض الاستقلالية في عواطفهم ونشاطاتهم اليومية، يكون تجهيزًا نفسيًا لهم، ليكونوا قادرين على الانفصال عن الشريك في حالة فشل العلاقة، دون الرغبة في العودة مرة أخرى له ليس لسبب سوى التخلص من القلق المزمن الناتج عن التباعد.
«يجب أن أعود له؛ فهو أملي الأخير»؛ تلك الفكرة التي عادةً ما تكون زائفة؛ تسيطر على أذهان البعض بعد الانفصال، وتكون دافعًا ملحًا للعودة للحبيب السابق، حتى الانتقام منه لأنه أهدر فرصة هذا الشخص الأخيرة – من وجهة نظره- في الانفصال، وفي دراسة نفسية أجريت في عام 2015، وضح القائمون عليها أن الخوف من الوحدة بعد الانفصال تعد دافعًا أساسيًا في عدم نسيان الحبيب السابق.
ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الشخص الذي يجد صعوبة في الحصول على شريك حياة، أو الذي ظل فترة طويلة وحيدًا قبل أن يقع في الغرام، يجد صعوبة شديدة في الانفصال عن هذا الحبيب، وأكدت جيل سالتز أستاذ الطب النفسي في مستشفى نيويورك في كلية طب ويل كورنيل والمشرفة على الدراسة السابق ذكرها؛ أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا هذا؛ تساهم نفسيًّا في تعلق الشخص بشريكه السابق، وتوليد رغبة ملحة بأن يحتفظ به على واحد من تلك المواقع ليمده بإحساس الأمان والأمل في الرجوع.
والسبب وراء كل هذا هو شعور الشخص أنه لن يكون لديه القدرة في إيجاد شريك جديد، سواء بسبب شعوره بعدم الاستحقاق، أو بسبب إدراكه أن متطلباته في العلاقات العاطفية أكثر تعقيدًا من أن يجدها سريعًا.
الفلسفة الرواقية.. فن التخلي
ما يشعر به الإنسان لحظة الفقد، هو عدم قدرته على التخلي ورفضه التام للشعور بألم الفقد، وبدلًا من أن يقرر هذا الشخص مواجهة الألم بداخله والذي يكون السيطرة عليه أكثر منطقية، يجنح للسيطرة على الأمور الخارجية التي لا يملك إرادة تغيرها، مثل مشاعر الحبيب السابق له، وهذا ما تخبرنا به الفلسفة الرواقية.
«سلطانك على عقلك لا على الأحداث الخارجية، أدرك هذا وستجد القوة»؛ تلك هي نصيحة الفلسفة الرواقية لكل شخص لا يستطيع التخلي عن علاقة حب سابقة فشلت، ووضحت تلك الفلسفة أن الخوف من الفقد قد يدفع الإنسان للتعلق الذي يضعف نفس الشخص، في تلك الفلسفة التعلق يساوي الضعف، والتخلي يساوي القوة.
معتنقو تلك الفلسفة كانوا يدعون إلى تقبل الأحداث الحزينة والبلاء بصدر رحب، على عكس الإنسان العادي الذي يسعى سعيًا محمومًا إلى تجنب الألم، وتجنب الألم من وجهة نظر الفلسفة الرواقية هو الأرض الخصبة لنمو هذا الألم داخل النفس وليس التخلص منه، ولذلك كلما تجنب الشخص الاعتراف لنفسه بأن العلاقة انتهت، وأن عليه التخلي عنها والتعامل مع الألم الناتج عن هذا الانفصال، زاد الألم بداخله وهذا الألم – تخبرك الرواقية – يُترجم بداخل الإنسان إلى المزيد من التعلق تجاه الشخص المسبب للألم، ولذلك يكون الحبيب السابق الذي تسبب في إيذاء الفرد؛ في مخيلته هو طوق النجاة من هذا الألم، بينما النجاة تكمن في القوة الداخلية للشخص وقدرته على ممارسة فن التخلي.
ما تنصحك به الفلسفة الرواقية عن فن التخلي، هو أهمية إدراكك الشخصي أن الشيء الوحيد الذي يمكنك التحكم فيه هو ما يكمن داخلك، ومشاعرك الشخصية، أما مشاعر الآخرين ومجريات الأمور التي تترتب على مشاعرهم؛ ليست في يدك، وبالتالي تلك الطاقة المبذولة في استرجاع الحبيب السابق، أو الانتقام منه، إذا وجهت تجاه الذات من خلال التمرين على التخلي والاستسلام للظروف الحالية التي لا يمكن للمرء التحكم فيها؛ وقتها قد يكون الشفاء من العلاقة السابقة ممكنًا.
لماذا يصعب علينا نسيان أو مسامحة الحبيب السابق؟؛ ما تعلمناه من الطب النفسي وعلم الأعصاب والفلسفة؛ أن إجابة هذا السؤال تكمن في نفوسنا وليس في تصرفات أو مشاعر الطرف الآخر، وأن الرغبة المحمومة في الرجوع للحب السابق، أو الرغبة في الانتقام منه؛ هو شعور لن يساعدك، والأمر يحتاج منك مواجهة نفسك بالحقيقة، والعمل على التخلص من هذا الإدمان والتعلق المرضي.