«القاهرة السينمائي الـ38».. التكرار سيّد الأخطاء

«القاهرة السينمائي الـ38».. التكرار سيّد الأخطاء

سينما

السبت، ١٩ نوفمبر ٢٠١٦

«يلا بينا تعالو نسيب اليوم في حالو وكل واحد منا يركب حصان خيالو.. احنا بالصلاة عالنبي حلوين أوي مع بعض لكن ساعة الغلط بنطرطش زلط.. بحبك ياستموني مهما الناس لاموني».. عباراتٌ لن تُنسى للراحل محمود عبد العزيز، افتُتِح بها مهرجان القاهرة السينمائي الذي انطلق بعد أيام من رحيله ليُهدي دورته الـ38 لفنان جُبِلَ من الرسوخ والرصانة، فأغدق على السينما المصرية إنجازات لن تبرح الوجدان والذاكرة. الحياة لا تتوقف برحيل أحد، بل تبعث فنانين آخرين أبناءً لزمنهم، نجيب الريحاني، أنور وجدي، نور الشريف وغيرهم عمالقةٌ رحلوا ولن نلقى لهم شبهاً، لكن ثمّة فنانين سائرين على النهج ذاته، يقول الكاتب والناقد طارق الشناوي مؤكداً لـ «السفير» أن السحرَ الذي تركه محمود عبد العزيز لن يخبو برحيله، وبهجة الأدوار التي قدمها لن تفارق الذاكرة، وسيبقى حاضرا على 1500 شاشة ناطقة بالعربية وهذا ما يعزّز حضور الغياب. الشناوي يدير ندوة خلال المهرجان تحت عنوان «في حبّ صانع البهجة» بمشاركة نقيب الممثلين أشرف زكي وعدد من أصدقاء وزملاء الراحل، وتتضمن رحلة الفنان محمود عبد العزيز والإرث الزاخر الذي تركه.

فخّ التكرار
عودةً إلى بدء المهرجان حيث كان الافتتاح رؤيةً بصريةً تقليدية وفقيرة دون أيّ جديد ليكون التكرار سيد الأخطاء، إلى جانب العثرات الإخراجية التي أربكت حركةَ الناس على المسرح، يؤكد ذلك الناقد طارق الشناوي «لا يوجد على المسرح ما يجذب المشاهد، المذيعة ياسمين طه زكي على قدرٍ من الحضور، وضيف الشرف محمود حميدة فنان من الطراز الرفيع، إلا أنهما لم يبرعا في لفت المتلقين بأيّ إضافة، فكان المشهد نسخة مكررة عن سنوات سابقة»، مستحضراً إحدى دورات المهرجان التي استعانت بالفنان أحمد حلمي مقدماً للحفل وكان على قدر كبير من البراعة وخفة الظل. يضيف الشناوي أن ثقافة حضور الفنانين لمهرجان محلي مُفتقدَةٌ في المشهد الفني المصري، ففيلم الافتتاح «يوم للستات» لم يحضر جميع أبطاله، مشيرا إلى أن غياب الفنانين عن مهرجان القاهرة السينمائي ظاهرة ليست بجديدة.
استهلّ «يوم للستات» عروض المهرجان وقد تخلل المسابقة الرسمية الدولية إلى جانب 15 فيلما من فرنسا وبولندا والمجر وإيطاليا والهند والصين والتشيك واستونيا وجورجيا وكرواتيا والبرتغال والجزائر. كما تعرض 9 أفلام خارج المسابقة الرسمية من بريطانيا والفيليبين واليابان والمكسيك ورومانيا وألمانيا والولايات المتحدة. أيضاً يضم المهرجان عدة برامج موازية هي «آفاق السينما العربية» ويشمل 8 أفلام، و «أسبوع النقاد» ويشمل 7 أفلام، و «سينما الغد للأفلام القصيرة وأفلام الطلبة» ويشمل 30 فيلما، و «مهرجان المهرجانات» ويشمل 35 فيلما، و «البانوراما الدولية» ويشمل 43 فيلما، و «شكسبير والسينما» ويضم 9 أفلام، و «بانوراما الأفلام المصرية» ويضم 8 أفلام.

تحية لمحمد خان
حضرَ المخرج الراحل محمد خان المهرجان بعدد من أفلامه التي كان قد اختارها بنفسه قبل وفاته بقليل لتتخلل المهرجان، وفي حفل الافتتاح تسلمت ابنته المخرجة نادين خان جائزة فاتن حمامة التقديرية التي نالها تكريماً لمسيرته التي أغنت السينما المصرية بأعمال أضحت علامات في تاريخها، تزامناً مع ذلك أصدر مهرجان القاهرة كتاباً حمل عنوان «سينما محمد خان.. البحث عن فارس» تأليف الكاتب والناقد محمود عبد الشكور الذي أُعجـــب برحلة خان وودّ أن يـــؤلف عنه كتابا، ليُرشّحَ بعــــد حين لهــــذه المهمة من قبل إدارة مهرجان القاهرة السينمائي.

شاهدَ عبد الشكور جميع أفلام محمد خان ثم باشر بتأليف الكتاب حسب قوله لـ «السفير»، مقسماً إيّاه إلى أربعة أقسام، استهلها بمفاتيح قراءة عالم محمد خان السينمائي (أسلوبه ومحدداته السينمائية)، ثم تحليل تفصيلي لأفلامه الـ25، تلاه القسم الثالث الذي كتبه بعد سماعه بخبر وفاة خان، فعرّج على الجوانب الإنسانية فيه وعلاقتهما معا وكيف تعامل مع خبر رحيله، فيما اختُتم الكتاب بفيلموغرافية لأفلام خان معتمداً على النسخة التي أعدها خان واحتفظ بها، مضيفا ما لم يلحقه خان عن فيلمه الأخير «قبل زحمة صيف»، إلى جانب ألبوم كامل لصور رحلته الثرية.حقّقت السينما الصينية خلال السنوات الأخيرة وثبة فنيّة في الزخم الإنتاجي والنوعي أيضاً، شاملة أشكالاً مختلفة من المضامين التي تعكس صورة كاملة للإنتاج السينمائي الصيني، فالفيلم السينمائي الصيني حاضرٌ الآن في جميع المهرجانات العالمية وصولاً إلى مهرجان القاهرة السينمائي الذي يحتفي بالسينما الصينية من خلال عرض 20 فيلما صينياً، إضافة لتوقيع بروتوكول تعاون صيني مصري للإنتاج المشترك يتضمن خطوات جادة للتبادل على المستويين الإخراجي والفني، إلى جانب السعي لفتح سوق للفيلم الصيني في مصر وآخر للفيلم المصري في الصين التي تتمتع بالسعة والسهولة.
أيضا يكرّمُ المهرجان المخرج الصيني جيا زان كه الذي نجح في جذب الأنظار لرؤيته الإخراجية الاستثنائية منذ خطواته الأولى في أفلامه القصيرة التي قدمها خلال دراسته في أكاديمية بكين للسينما منتصف تسعينيات القرن الماضي، عالج كه في أفلامه قضايا الشباب الصيني في العصر الحديث في ظل الاغتراب والعولمة، محاولا تشكيل رؤية أصيلة وتوثيقية للحياة في الصين على عكس الاتجاه السائد قبله والذي قدم المجتمع الصيني في شكلٍ مثالي.
الألماني كريستيان بيتزولد استأهل تكريما خلال افتتاح المهرجان، المخرج الذي يتصدر مشهد السينما الألمانية المعاصرة، وهو واحد من أعضاء مدرسة برلين وهي حركة من صناع السينما الألمانية الشابة، قدم أفلاما للسينما والتلفزيون، متكئاً على الواقعية والسينما السياسية التي تحاكي قضايا العمل والعمالة وصراعات الحياة والموت، نال جوائز عدة منها جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج في مهرجان برلين السينمائي عام 2012 عن فيلمه «باربرا»، أيضاً كرم المهرجان المخرج المالي الشيخ عمر سيسكو سفير السينما الأفريقية إلى الشاشات العالمية، وقد جدل تجربته من الفن والسياسة، محققاً إنجازات سينمائية عدة منها فيلم «الطاغية» الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان لورانكو السينمائي 1995، وفيلم «باتو» الذي فاز بجائزة السينما من مهرجان الفيسباكو عام 2001. إلى جانب الفنان أحمد حلمي الذي أهدى تكريمه الخامس للراحل محمود عبد العزيز.
أخطاءٌ تنظيمية وفقرٌ في الإمكانات وغيابٌ للرعاة في الدورة الـ38 لمهرجان القاهرة السينمائي، إلا أن ذلك لا يلغي أن السينما المصــــرية تخطو قُدماً وبثبات، بدليِل الغزارة الإنــتاجية التي قاربت الـ50 فيلما لهذا العام، لعلها مؤشر قد يعيد للسينما المصرية وهجاً قد خبا منذ زمنٍ ليس بقريب.