«مهرجان السينما الأوروبية».. تناقضات وأسئلة في41 فيلماً جديداً

«مهرجان السينما الأوروبية».. تناقضات وأسئلة في41 فيلماً جديداً

سينما

الاثنين، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤

تحتفل «بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت» بالعيد الـ21 لـ»مهرجان السينما الأوروبية»، بين 26 تشرين الثاني و8 كانون الأول 2014، في صالتي سينما «متروبوليس» (مركز صوفيل، الأشرفية). مناسبة سنوية لمُشاهدة أفلام أوروبية. مناسبة مُنتظَرة، كونها تتيح للمهتمّ إمكانية الاطّلاع على بعض الجديد السينمائي الأوروبي. هذا مطلب ثقافي. الأوروبيون يمتلكون حساسيات سينمائية مثيرة للاهتمام والمتعة. توّاقون همّ إلى منح أفلامهم سمات مختلفة عن التجاري الهوليوودي مثلاً. السوق اللبنانية لا تزال منغلقة على هذه الصناعة، باستثناء بعض النتاج الفرنسي. لهذا، يُصبح المهرجان مطلباً ومحجّة.
12 يوماً لمهرجان ثابت في موعده وطقوسه واهتماماته ومناخه الثقافي. ثابت قي علاقته بـ»جمهور» مستمرّ في التواصل معه عاماً تلو آخر. 12 يوماً و41 فيلماً روائياً طويلاً من بلدان الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى فيلمين قصيرين. منها أفلام أولى أو ثانية، وأفلام مُنتجة حديثاً أو قديماً (6 أفلام خيال علمي مُنتجة بين العامين 1916 و1980، غالبيتها تُعرض بنسخ مُرَمَّمة). الثبات حاضرٌ أيضاً في التقليد السنوي المُتَّبَع منذ 14 عاماً: مسابقة خاصّة بأفلام طالبية لبنانية، وجائزتان للفيلمين الأولين فقط، متمثّلتين بإتاحة الفرصة للفائزين بحضور مهرجانين سينمائيين اثنين يُقامان في أوروبا، ويتعلّقان بالأفلام القصيرة، وذلك بفضل «معهد غوته» و»المعهد الفرنسي في لبنان». 41 فيلماً: رجال ونساء يواجهون تحدّيات قاسية، ويتمسّكون بأمل ما في خلاص ما. ثمانينيٌّ يتمنّى الموت، لكنه يكتشف «فرح الحياة» مجدّداً. عاشقون أو باحثون عن انفعال أو شغف. حكايات موزّعة على شخصيات حقيقية تواجه أزمات متنوّعة. ثنائيات محطّمة. صدامات قاسية بين آباء/ أمهات وأبناء/ بنات. أسئلة متعلّقة بالحياة والموت والهوية والمصير. أحلام وتمنّيات وكوابيس وصدمات. أحوال الراهن، خصوصاً مسألة الانتهازية والجشع المالي وسطوة الأثرياء وتمزّقاتهم الداخلية. إلخ. هذه عناوين عامة لأفلام تؤكّد معنى السينما في ارتباطها الوثيق بالناس والأشياء والتفاصيل.
الانتهازية والجشع المالي افتتاحا للدورة الـ21 هذه. مساء بعد غد الأربعاء، يُفتتح «مهرجان السينما الأوروبية» بالفيلم الإيطالي الفرنسي «الرأسمال البشري» (الترجمة الحرفية للعنوان الأصلي، علماً أن العنوان الفرنسي هو «الانتهازيون») لباولو فيرزي. اقتباس سينمائي لرواية بالعنوان نفسه أصدرها كاتبها الأميركي ستيفن آميدون في العام 2004. العنوان تعبير قانوني متعلّق بتعويضات خاصّة بشركات التأمين. لكن الفيلم لا علاقة مباشرة له بهذا الجانب، وإن كانت خاتمته مرتبطة به. الفيلم مبنيّ على حكايات متداخلة ومتناقضة، تقول شيئاً من بؤس الحياة وشقاء الأحوال الاجتماعية. بعيداً عن مُعتَقد ساذج ومُسطّح مفاده أن لا الأغنياء ولا الفقراء مرتاحو البال. يروي الفيلم حكاية عائلتَي برناتشي الثرية وأوسولا الفقيرة (أو بالأحرى المنتمية إلى طبقة وسطى). يروي مسارات أفرادهما المتداخلة: حب وعلاقات متوترة. انغماس أعمى بالأعمال والأموال. أكاذيب واحتيال. طمع وفساد. سطوة أبوية وتفلّت شبابيّ من «براثن» تلك السطوة. انهيارات نفسية. رغبات مكبوتة. ممارسة مؤجّلة لجنس مُعطّل. أوجاع وأحلام مدمَّرة.
هذا كلّه منطلِقٌ من بداية دراماتيكية عادية: ليلة عيد الميلاد، يتعرّض سائق درّاجة هوائية لحادث على أحد طرقات منطقة «بريانزا» (لومبادري). تصطدم به سيارة رباعية الدفع. السؤال المطروح: من هو سائق السيارة؟ ما الذي جرى حينها؟ ما هي أحداث تلك الليلة، أو الأيام السابقة عليها؟ 3 وجهات نظر في 3 فصول: دينو أوسولا (فابريزيو بنتيفوغليو)، وكارلا برناتشي (فاليريا برونو تاديشي)، وسيرينا ابنة دينو (ماتيلد جيولي). الابنة حبيبة سابقة للابن الوحيد للثنائي برناتشي ماسّيميليانو (غوغليالمو بينيلّي). مرتبطة بعلاقة حبّ جديد بلوكا أمبروزيني (جيوفاني آنزالدو). دينو يُصبح رفيق جيوفاني برناتشي (فابريزيو غيوفوني) في رياضة كرة المضرب. يريد جمع المال. يتورّط بدين كبير لاستثمار المبلغ في أعمال جيوفاني. كارلا مُصابة بارتباكات واضطرابات نفسية. انهيار الأعمال يؤدّي إلى عمليات ابتزاز، تتداخل والحادث المأساوي لسائق الدرّاجة.
السرد الحكائيّ عاديّ. اعتماد فصول ثلاثة متتالية لا جديد فيه. بناء الشخصيات ومساراتها كاشفٌ لوقائع وخبايا وحالات. العادي لا يعني بهتاناً. في لحظات عديدة، هناك شعور بأن لا شيء مهمّاً يحدث. لكن انقلاباً واحداً في المسارات يؤدّي إلى تصاعد تدريجي للتشويق في فهم، أو محاولة فهم الحدث الأصلي وتشعّباته. تصوير الصدام بين الرأسمالية والفعل الثقافي ـ الفني جزءٌ من اللعبة: كارلا تريد شراء مبنى المسرح، وزوجها يُعيد بيعه لضرورات خاصّة بأعماله المنهارة.
«الرأسمال البشريّ»: عوالم متناقضة، ورغبات مكبوتة، وأحلام محطّمة، وواقعية قاسية. كأن هذا كلّه جديرٌ بالمضامين المتنوّعة للأفلام المختارة لهذه الدورة.