شهر من الفوائد الصحية والاجتماعية والنفسية..«بلا مكياج».. تحدٍّ صعب التطبيق في زمن التجميل

شهر من الفوائد الصحية والاجتماعية والنفسية..«بلا مكياج».. تحدٍّ صعب التطبيق في زمن التجميل

شعوب وعادات

الثلاثاء، ٢٩ يناير ٢٠١٩

لمى علي:
مستحضرات التجميل الكثيرة التي باتت تغطي وجوه الصبايا والسيدات بمختلف الأعمار أصبح من الصعب إزالتها بشكل دائم، ورغم أن جميعهن يعلمن أضرارها الصحية على بشرتهن وخاصة في المستقبل، إلا أن الإقلاع عن هذا الإدمان -إن صح التعبير- بات ضرباً من المستحيل لدى بعضهن، ويحتاج إلى تحد علني للقيام به.. أما من تستطع خوض تجربة الاستغناء عن استخدام تلك المستحضرات ولو لشهر واحد فتكون قد حققت خطوة إيجابية على طريق تعزيز ثقة المرأة بشكلها وحصدت لنفسها فوائد كثيرة صحية واجتماعية ونفسية ومادية أيضاً.
مع بداية شهر كانون الثاني أطلقت منظمة «الباحثون السوريون» حملة تهدف إلى حث الفتيات على التوقف عن استخدام مستحضرات التجميل لمدة شهر كامل، للتوعية بمخاطر المكياج الصحية وآثاره النفسية والاجتماعية، وحملت عنوان «خلي البدر يطلع شهر»، وجاءت على شكل تحد شعاره (بلا مكياج في شهر كانون الثاني)، ورغم أن الحملة حصلت على دعم بنسبة 89% وفقاً لتصويت المنظمة، إلا أن التطبيق على الأرض لم يكن كذلك، فحسب استطلاع بسيط أجرته «تشرين» تبين أن نسبة الفتيات اللواتي شاركن فعلياً بالحملة لم تتجاوز 15%.
خوض التحدي
علا بدور (28 عاماً) من المشاركات بالحملة، والتي لم تحبذ يوماً استخدام المكياج، إلا أن الجو العام للمجتمع والأصدقاء دفعها لوضع القليل منه، وأثناء تصفحها لموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وجدت إحدى الصفحات تنشر عن حملة (خلي البدر يطلع شهر)، وأحبت الفكرة بشكل كبير؛ لكونها تدعم أفكارها وقناعاتها التي ترفض استخدام المكياج بالشكل الذي نجده اليوم بين الإناث في المجتمع، وقالت: بالنسبة لمشاركتي في الحملة فهي لم تأخذ مني الكثير من التفكير، وتقبل أهلي وأصدقائي ومعارفي الموضوع معتبرين أن هذه الحملة وجدت خصيصاً لي لكوني لا أحب المكياج، وحتى الأشخاص الذين لا أعرفهم وجدت منهم التشجيع والتقبل، وهذا لا ينفي وجود بعض التعليقات السلبية التي أخذت روح الفكاهة في نقد الحملة، إلا أنني لم أتراجع عنها، وقد أستمر فيها حتى بعد انتهاء الشهر المخصص لها.
أما سارة صالح (22 عاماً) من المشاركات في الحملة فتجد أن الابتعاد عن مستحضرات التجميل مفيد من الناحية الصحية والنفسية معاً، فالجرأة والمصداقية التي تمتعت بها الإناث اللواتي شاركن في الحملة عكست حالة إيجابية على من حولهن، وعززت الثقة بالشكل والجمال لدى بعضهن الآخر، وخاصة مع وجود ردات فعل مؤيدة لهذا القرار من قبل المجتمع.
رامه شويكي (أم عاملة) رأت أن الخضوع لتجربة شهر من دون مكياج هي فرصة لعودة الجمال الطبيعي الذي اختفى نتيجة عمليات ومستحضرات التجميل، بعدما أصبحت الفتيات متشابهات بشكل كبير، ما شكل صورة نمطية عن المرأة الجميلة أنها تلك المرسومة بالمكياج، وجعل الجمال الطبيعي عيباً لدى كثيرين ممن يعدون المكياج موضة يجب على المرأة مواكبتها، فخلق ذلك ضغوطات نفسية واجتماعية للكثيرات.
مع ولكن
تضحك رماح اسماعيل (23 عاماً) معترفة بأنها لم تشارك في الحملة، ومع ذلك لا تقف ضد من تشارك فيها، غير أنها تجد صعوبة في تطبيقها، وتجد أن مقاطعة المكياج لها فوائد أخرى خارج موضوع المخاطر الصحية، كالفوائد الاقتصادية؛ من خلال توفير مصروف ما ينفق على مستحضرات التجميل، وخاصة للواتي يخرجن للعمل أو الجامعة بشكل يومي.
سعيد محمد (30 عاماً) لا يقف ضد الحملة وإنما يجد أنها يجب أن تبدأ من جيل المراهقات المقبلات على استخدام مساحيق التجميل، أما الصبايا والسيدات اللواتي تعودن على الخروج بشكل يومي بكمية كبيرة من المكياج فكيف سيواجهن المجتمع بشكل غريب، وكيف سيتقبلهن من حولهن وخاصة من الجنس الآخر.
رأي طبي
وفي لقاء الطبيبة رهف حمصية (اختصاصية جلدية) تشير في البداية إلى أضرار المستحضرات التجميلية على البشرة، وما تسببه من مشكلات وأمراض جلدية عديدة، فجميع مستحضرات التجميل تتكون من مواد كيميائية معالجة ومضاف إليها مواد حافظة، فعلى سبيل المثال طبقات كريمات التجميل (الفوند) التي تغطي البشرة وتغلق مساماتها ليصبح الوجه غير قادر على التخلص من سمومه، تؤدي إلى تراكم الإفرازات الزائدة وتسبب الكثير من المشكلات الجلدية كالتحسس والالتهاب وغيرها، وأهم تلك المشكلات العد الشائع (أو ما يسمى بالعامية حب الشباب) الذي يتسبب في حدوث آفات زؤانية على البشرة، بنوعيها الزؤان المغلق الأبيض أو المفتوح الأسود، وذلك بسبب احتباس الخلايا المتقرنة وسد المسام، وقالت: لعلاج هذه الحالة نحتاج إما علاجات موضعية مثل الغسول، الصادات الموضعية والمقشرات الموضعية، أو علاجات جهازية كالصادات، الإيزوتريتنوئين والعلاجات الهرمونية، واختيار العلاج يتبع لشدة الالتهاب، عدا عن العقابيل الندبية التي يتركها العد في حال عدم علاجه. مضيفةً أنه يمكن تلافي هذه المشكلات باستبدال (الفوند والباودر) بالواقيات الشمسية ولا مانع أن تكون ذات لون مناسب للون البشرة.
وأوضحت حمصية أن الضرر من استخدام المكياج لا يكون فقط بسبب مكوناته، بل سوء استعماله أيضاً، فكثير من المنتجات تحتوي على مواد يجب ألا تتعرض لأشعة الشمس، وتخرج بها المرأة من دون تقدير منها أن جميع هذه المواد وتفاعلها مع أشعة الشمس والمفرزات ستؤثر سلباً في البشرة ومظهرها، حيث ستبدو أسوأ مما هي عليه في الواقع.. وأضافت: هذا غير منتجات التجميل الخاصة بالعيون والشفاه ولكل منها مساوئ كثيرة.
الدكتورة رهف تشارك في الحملة وتشجعها لأنها تجد أن الجمال ليس بالشكل وإنما بشعور حقيقي صادق يخرج من داخل الإنسان، فالابتسامة تفوق كل جمال صناعي، ومع أن المكياج جميل إلا أنه مؤذ على المدى الطويل، والتعود عليه سيجعلنا مقيدين بالتصنع وقلة الثقة بالنفس. وأضافت: وجود مثل هذه الحملات للتوعية لا يقتصر هدفها على الفائدة الصحية، بل تحمل في طياتها الكثير من الفوائد والإيجابيات الملموسة وغير الملموسة، فهي تذكير لكل سيدة شاركت فيها كم هي جميلة وقوية، وقادرة على الصبر والتحدي، وقدوة لمن حولها.
تشرين