مع ارتفاع تكاليفها مشاريع الزواج.. تأجيل تحت ضغط النفقات وسلوك اجتماعي يستثمر بالتقاليد

مع ارتفاع تكاليفها مشاريع الزواج.. تأجيل تحت ضغط النفقات وسلوك اجتماعي يستثمر بالتقاليد

شعوب وعادات

الجمعة، ٥ أبريل ٢٠١٩

لم تنته قصة الحب التي عاشها عمار كما يريد، أو كما يفترض أن تنتهي مثل هذه القصص التي تبدأ بالجامعة في حضن الأحلام الوردية الراسمة للمستقبل المبني على الحب المتبادل، والرضى “بالخبزة والزيتونة” كما يقال، فهذا الحب يتلاشى في أول مواجهة مع الواقع الحياتي المر، وتسقط تلك الصورة الوردية، وتتبدد كما تبددت أحلام عمار، وهو المهندس المدني الحالم بالمستقبل عند سماعه لطلبات أهل الفتاة التي سعى لتكون شريكة عمره، خاصة أنه من أسرة فقيرة، وفي بداية مشواره الحياتي الذي يبدؤه بآمال كبيرة، وجيوب فارغة لا تقوى على تأمين تكاليف الزواج التي باتت عبئاً كبيراً على الشباب الذين يعيشون في هذه الظروف حالة من الضياع، والتشتت، وعدم القدرة على الخوض في غمار الحياة الزوجية نظراً للتحديات المالية الكبيرة التي تواجههم.
صحيح أن عمار لم تكسره خسارة حبه كما قال، لكنه في المقابل لم يعد يفكر بالزواج، واعتبر هذا المشروع مؤجلاً لأجل غير مسمى، لاسيما أنه يعمل اليوم لتأمين حاجة أسرته، والإنفاق على تعليم إخوته، وخاصة في هذه الأيام التي ترتفع فيها تكاليف الحياة المعيشية إلى أرقام خيالية!.
من المستحيلات
 
مشكلة تأمين متطلبات الزواج ليست وليدة الأزمة فقط، بل كانت موجودة وحاضرة دائماً في المجتمع، ولكنها اليوم أكثر صعوبة من جميع النواحي، وفي الوقت الذي يفرض فيه المنطق، وأحوال الناس، والواقع الاجتماعي تقديم التسهيلات، ومساعدة الشباب على تخطي تحديات الزواج، نجد أن الأمور تسير باتجاه التعقيد الذي يحبط ويفشل أهم القرارات المصيرية التي يتخذها الشاب في حياته (قرار الزواج) الذي يمضي الشاب عمره في تأمين متطلباته، وتحقيق شروطه، وخاصة في هذه الأيام الصعبة التي أرهقت كاهل المقبلين على الزواج، وبات تحقيق شروط الزواج من المستحيلات أمام الارتفاع الجنوني بالأسعار، وقلة مصادر الرزق من جهة، ومن جهة أخرى مغالاة الأهل في طلباتهم، وتحديداً المهور الكبيرة، وتمسكهم بتقاليد الزواج المتعارف عليها التي يطلبها أهل العروس من العريس كالمنزل، والذهب، وحفلة الزفاف التي يتوجب على العريس إحياؤها في صالة أفراح، والتي تندرج في خانة “البرستيج” الاجتماعي،  وهنا يتحدث خليل، 40 سنة، مستهجناً رفض أهل العروس له لكونه لا يملك منزلاً ويسكن بالإيجار، وكان تبرير الرفض من قبل والد العروس بأنه غير مستعد لاستقبال ابنته مع زوجها وطفلها إذا أنجبت في حال إخراجه من المنزل من قبل صاحب البيت، أو عجزه عن دفع الإيجار، فهو بالكاد يؤمن قوت يومه، ويسد حاجة عائلته، وكذلك ممدوح الذي فسخ خطبته بعد أن طلب أهل الفتاة منه شراء ذهب بمليون ليرة سورية بحجة أنهم يريدون الاطمئنان على مستقبل ابنتهم  والذهب لا خسارة به، ما أثار جنون ممدوح، وقال بأن الزواج اليوم أصبح كصفقة تجارية تهدف للربح على حساب العريس الذي لا حول له ولا قوة!.
 
تكاليف تصاعدية
 
تعج صفحات الفيسبوك بأخبار حفلات الزواج التي يشكّل البذخ فيها حالة دائمة، إذ تصرف الملايين في منافسة اجتماعية، حيث يتباهى الناس بإقامة أفراحهم في أفخم الفنادق، وبمصممي الفساتين، ومصففي الشعر والمكياج، وبالمطربين، وغيرها من القضايا التي تطعن في حقيقة الواقع الاقتصادي المأزوم في حياة بعض الفئات الاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الفئات الشعبية الأخرى من حيث محاولة التقليد، أو العمل على الاستمتاع بفرحة العمر دون الانتباه للفوارق التي باتت واضحة في المجتمع!.
 
طبعاً قرار التخلي عن الكثير من المستلزمات هو أمر في غاية الصعوبة، ولكنه الخيار الوحيد، فلينا تنازلت عن حلم كل فتاة بارتداء الفستان الأبيض، وتبددت الفرحة أمام غلاء أسعار الفساتين التي تصل قيمتها إلى أكثر من 350 ألفاً، وحتى استئجار الفستان أصبح مكلفاً، وقد يصل إلى أكثر من 150 ألف ل.س حسب نوع القماش وتطريزه، وهذا ما جعل لينا، وهي الفتاة المعروفة برجاحة تفكيرها، تتوجه لإنفاق أجرة الفستان على مستلزمات أخرى أساسية كفرش المنزل مع شريك عمرها، وكما فعلت لينا وجدت هبة نفسها أمام الخيار ذاته، فقد اتفقت مع عريسها على إلغاء حفل الزفاف الذي كان من المقرر عقده في إحدى الصالات المتواضعة في دمشق التي وصل الحجز فيها إلى 150 ألف ل.س بعد أن اقتنعا بأنه من المعيب في ظل الأزمة إنفاق ذلك الرقم على المظاهر والشكليات، والأجدى الاحتفاظ بالمبلغ ليوم أسود قد يختبرهما به القدر.
 
أزمة صالات الأفراح
 
لا يتوانى أصحاب صالات الأفراح، أو مستثمرو الصالات في الفنادق في تقديم المبررات لرفع أسعار الحجوزات الخاصة بحفلات الأعراس، بعد أن نال عدد كبير من صالات الأفراح الكائنة في المناطق المتوترة نصيبه من الدمار والخراب وما بقي في المناطق الآمنة، وأكدوا أن عملهم يعاني من حالة ركود بسبب إحجام الكثيرين عن إقامة حفل زفافهم بصالة، وتحمّل تكاليفها الباهظة، وعزا أبو نبيل، مستثمر إحدى الصالات في مدينة دمشق، ارتفاع تكاليف حجز الصالة إلى ارتفاع أسعار المواد، وهذا ينسحب على الضيافة التي ستقدم في الحفل من مشروبات، أو قوالب الكاتو، أو البوظة، والمحلاية، وغيرها من الحلويات التي تقدم في الأعراس، وكذلك تكلفة التصوير تضاعفت بعد غلاء الأفلام، وأجرة تحميض الفيلم، وغيرها من التفاصيل المكلفة، إضافة لأجور العاملات اللواتي يشرفن على الخدمة في الحفل، ولم يخف أبو نبيل رفع التكلفة لمحاولة تعويض الخسائر التي لحقت بالصالات بسبب انخفاض نسب الحجوزات، وأضاف بأن النسبة الأكبر من الحجوزات أصبحت لمجالس العزاء التي كثرت خلال الأحداث، والموالد النبوية التي استبدل الكثير الأعراس بها ممن لديه القدرة على الإنفاق، وكان للصالة مردود جيد خلال الأحداث.
 
طقوس الزواج
 
لا شك بأن الاستمرارية في الحياة تتطلب الزواج، والإنجاب وتكوين أسرة، وأثبت المواطن السوري خلال الأزمة، كما عبّرت الباحثة في علم الاجتماع هالة محمد، حبه للحياة، وتشبثه بها، وفي ذلك دفاع عن الوجود، وإحباط للمؤامرات التي تهدف إلى نفي وجود الوطن والمواطن، وتضيف بأن طقوس الزواج اختلفت، والمراسم الاحتفالية أصبحت محدودة ومقتصرة على عائلة العروسين فيما بينهما، وبيّنت محمد بأن حفلات الزفاف والمناسبات التي تبالغ بالتكاليف المادية والمظاهر، تنم عن فئة من المجتمع مستهلكة وليست منتجة، وهي فئة أنانية تفتقد الإحساس بمشاعر الآخرين، والمسألة ليست مزايدة ومبارزة بين الأسر بأساليب فيها تهميش للمشاعر، وتسطيح للعقل، والزواج هو رابطة مقدسة، وليست الطقوس من تعطي الحب والسعادة، وإنما طبيعة العلاقة، ومدى الانسجام والتفاهم بين الطرفين، وبما أننا اليوم في مجتمع يعيش في ظروف صعبة  يجب أن نراعي الحالة الاقتصادية.
 
تحديات مالية
 
الاستقرار حاجة نفسية ملحة، وتحقيقه يجب ألا يتوقف على محبس برّاق، أو زفاف مليء بالكماليات لإسكات أفواه الناس، فالتحديات المادية كثيرة، لذلك فإن القناعة والرضى بين الشاب والفتاة هما الأساس، وليس تفاصيل جزئية ليوم من العمر، وعلى كل فتاة أن تقدّر ظروف كل شاب، خصوصاً في الضائقة الاقتصادية التي لا ينجو أحد من تداعياتها، ولذلك لابد من تعاون وتضافر الجهود لمساعدة الشباب، وتسهيل الزواج، وتبسيط تكاليفه، والتقليل من طلبات الأهل، وخاصة المهور، إضافة إلى تشجيع الأعراس الجماعية،  وتفعيل حضور المجتمع المدني، ونذكر هنا مبادرة العرس الجماعي الذي أقامه الاتحاد العام لنقابات العمال لـ 200 شاب وشابة، ولا شك أن الأيام القادمة تتطلب استنفار جميع الجهات الرسمية والشعبية بمختلف تصنيفاتها وتسمياتها لإيجاد الحلول الاجتماعية قبل أن يفوت الأوان، فحياة الشباب ومستقبلهم أمانة ومسؤولية على الجميع!.
بشير فرزان - البعث