تدخين المراهقين.. ظاهرة تهدِّد نموهم الصحي والعقلي

تدخين المراهقين.. ظاهرة تهدِّد نموهم الصحي والعقلي

شعوب وعادات

السبت، ٢٥ مايو ٢٠١٩

الهام العطار
ظاهرة التدخين أو النرجيلة ليست بجديدة على مجتمعاتنا.. لكن الغريب في الأمر هو انخفاض أعمار الأفراد الذين يدخلون عالم التدخين باكراً وفي العلن في كثير من الحالات.. حتى بين المراهقين والأطفال.. ففي بعض الأزقة الضيقة والحدائق نجد طلاباً لن نقول بعمر الورود، فهم للحقيقة, براعم لما تتفتح بعد، أكبرهم في الصف الثامن أو التاسع، يجتمعون بحذر وخوف وسعادة.. يفترشون الأرض ساعات وساعات وهم يدخنون سجائر حصلوا عليها بطريقة ما، بعيداً عن أعين ورقابة الأهل والمدرسة..والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ما دور الأهل في الحد من هذه الظاهرة التي تهدد النمو الجسدي والصحي والنفسي والعقلي للأطفال والمراهقين بدرجة أكبر بكثير من البالغين؟ وما هو دور المدرسة, بكوادرها الإدارية والتعليمية, في متابعة الطلبة الذين يدخنون خلال الدوام المدرسي أو خارجه، وإلى أي مدى لاقت مبادرة «مدارس خالية من التدخين» صدى عند الطلبة والمجتمع؟
للتدخين تأثير تراكمي 
في إحدى العيادات الصدرية, جلس أحمد الطالب في الصف السابع إلى جانب والدته ينتظر دوره، وصوت سعاله كان لافتاً للجميع الذين تساءلوا عن السبب، فأجابت الأم بحسرة وألم: التدخين وراء ذلك، منذ فترة وأنا أشك بذلك ولكن المرشدة الاجتماعية قطعت اليوم الشك باليقين عندما أخبرتني أنه يدخن مع أصدقائه في الحديقة القريبة من المدرسة ونصحتني بمراجعة الطبيب لإعطائه الدواء اللازم لصدره قبل أن تتفاقم الأمور أكثر فأكثر، فقال أحد المرضى مازحاً: ظننت أن ذلك السعال لرجل في الخمسين من العمر.
وهنا تبين الدكتورة هتون الطواشي مديرة الصحة المدرسية، أن أضرار التدخين عند الصغار تكون مضاعفة بسبب تأثيراته على الجهاز التنفسي وكل أعضاء الجسم، فهو يؤدي الى ارتفاع أمراض الربو والحساسية والتهاب القصبات الهوائية المزمن، كما أنّه يؤدّي إلى العديد من أمراض الفم والأورام، أضف الى ذلك ان التدخين في الأعمار الصغيرة يعني الاستمرارية وبما أن تأثير التدخين تراكمي فالضرر يكون أكبر على الشخص نفسه و لاسيما إذا بدأ من عمر المراهقة وعلى المجتمع بأكمله وفيه تهديد للطاقات البشرية.
التقليد والاستقلالية والإقناع
وعن الأسباب التي تدفع المراهقين للتدخين قالت الدكتورة الطواشي: إن المراهق بشكل عام يحب تقليد الشخص الذي يتخذ منه قدوة فإذا كان الأم أو الأب من المدخنين فهو بالتأكيد سيقلدهما، ثانياً الشعور بالاستقلالية, فالمراهق يعتقد أنّ التدخين يجعله يبدو شخصاً بالغاً أو مستقلاً، ثالثاً التأثر برفاق المدرسة والأقران والأصدقاء الذين يجتهدون في ترغيبه وإقناعه بالتدخين، وكلنا يعلم أن تأثير الأصدقاء في المراهقة أكبر من أي تأثير! أما السبب الرابع فهو انتشار النرجيلة التي يعدها البعض ,ومنهم الأهل للأسف, مجالاً للتسلية ويتناسون أنها أخطر من التدخين،وليس ذلك فحسب فهناك من يتباهى بأن ابنه أو ابنته يدخنون النرجيلة… أيضاً علينا ألا نغفل دور الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في تكريس عادة التدخين، فهي تلعب مع البيئة المحيطة وتساهل الاهل وجرأة المراهق والتمثل بالعادات الغربية دوراً مهماً في تكريس هذه العادة.
وأضافت مديرة الصحة المدرسية: للتخفيف من انتشار هذه الظاهرة قامت وزارة التربية منذ بداية العام الدراسي ٢٠١٨-٢٠١٩، بعد مشاورات مع وزارة الصحة بإطلاق مبادرة «مدارس خالية من التدخين» بشكل تجريبي في مدرستين من مدارس الحلقة الثانية( ذكور وإناث) ما بين عمر ١٣- ١٥ سنة في كل محافظة، وقد استهدفت جميع العناصر في المدرسة من كوادر إدارية وتدريسية ومستخدمين وطلاب, وقامت بوضع لافتة كتب عليها اسم المدرسة وعبارة خالية من التدخين.
وأوضحت د.الطواشي أن فكرة المبادرة بدأت باستبيان للطلاب من ضمن أسئلته «في أي عمر جربت التدخين»، فتبين أن 39% من الطلاب دخنوا مرة واحدة في حياتهم، وبناء على هذه النسبة العالية تم إطلاق المبادرة وتعميمها على المدارس التي زادت أعدادها تدريجياً في الفصل الثاني، وعن آلية عمل المبادرة شرحت د. طواشي أنه تم تشكيل فرق أو مجموعة من الطلاب يقودها طالب هو القدوة يعمل على انتقاء عناصر مجموعته من مدخنين وغير مدخنين، ويضعون خطة للبدء بتنفيذ مبادرات صفية وغير صفية، كأن يصعدوا مثلاً إلى الباص وهم يحملون لافتات كتب عليها «لا للتدخين»، إضافة إلى قيامهم برسم مجسمات تعبر عن أخطار التدخين، وبالفعل فقد لاقت هذه المبادرة التوعوية التثقيفية التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي بأضرار التدخين الصحية والاجتماعية لدى الشباب وتشكيل نواة لتوعية مجتمعية، تنطلق من المدرسة، وتنتشر في المجتمع المحلي بأطيافه كلها؛ تجاوباً مجتمعياً مميزاً، وللاحتفال بنجاحها هذا سوف يقام في نهاية الاسبوع الحالي في 30 /5 معرض يضم كل المحافظات، سيتم خلاله تقديم النشاطات التوعوية وأفلام فيديو وعروض تقديمية ومحاضرات علمية عن أضرار التدخين والتدخين السلبي، وكيفية تعبير الطلاب عن ذاتهم ومشاعرهم وحل المشكلات التي تواجههم من دون اللجوء إلى التدخين، كما سيعلن فيه تعميم المبادرة التي لاقت الدعم من منظمة الصحة العالمية للعام القادم، وفيما يتعلق بالإحصاءات لفتت د. الطواشي إلى أنه تتم دراستها ليصار الى إعلان النتائج والمقترحات.
الأهل .. المدرسة والإعلام
ورداً على سؤالها إن كان ذلك يكفي أفادت د. الطواشي بأن للأهل دوراً كبيراً في الحد من هذه الظاهرة وعليهم التعامل بحذر مع المراهقين و تجنب توجيه الأوامر والتهديدات والإنذارات المتعلّقة بهذا الشأن أو التصرف بغضب؛ فهذه الأساليب تزيد الأمر سوءاً، والأهم أن عليهم فهم سبب تدخين ابنهم لأنه الحلّ الأفضل لعلاج المشكلة و تقديم الدّعم النفسي والاجتماعي له للتوقف عن التدخين.
وغير بعيد عن تلك الآراء كانت الدكتورة سمر حبيب علي قسم علم الاجتماع – جامعة دمشق، التي قالت في وقفة مع «تشرين»: بالنسبة للأسرة ليس من المستحيل على الوالدين تعقب تصرفات الأبناء والتعرف على السلوكيات السلبية وذلك بالانتباه إلى محيطهم من الأصدقاء في المدرسة وخارجها.. وحتى في العالم الافتراضي.. وكيفية قضاء أوقات الفراغ وكامل أوقاتهم، وتالياً لا بد من أن ينتبهوا لأي تغير في السلوك والعادات… ومن الضروري بناء جسر من الحوار أو الصداقة بين الأهل والأبناء، لأنه يسهل على الأهل معرفة ما يفكر به الأبناء أو ما يقومون به وهذا الحوار لا بد من أن يمهد له الأهل مبكراً في سنوات العمر الأولى للطفل، فليس من السهل بناء علاقة إيجابية مبنية على الحوار بين الوالدين والأبناء في ليلة وضحاها.. إذاً لا بد من أن تكون تلك العلاقة الإيجابية أساس التنشئة الاجتماعية في مختلف مراحل نمو الأطفال…وهذا ما يشكل عنصر الحماية والمناعة ضد جميع أشكال الانحرافات والسلوكيات الخاطئة التي يمكن أن يمر فيها أي فرد في المجتمع، ولا يغيب عن الذهن دور القدوة الحسنة، فمن غير المعقول أن نطلب من الأولاد والشباب عدم التدخين في حال كنا مدخنين او نستخدم النرجيلة في المنزل، ففاقد الشيء لا يعطيه.
عدم الترويج للعادات السلوكية السلبية
وتابعت د.علي: بما أن المدرسة شريك استراتيجي في عملية التنشئة الاجتماعية, فمن الطبيعي أن تكون سلوكيات الطلبة ومشكلاتهم من صميم اهتمام الإدارة والمعنيين وبالدرجة الأولى المرشدون النفسيون والاجتماعيون الذين أوكلت إليهم الكثير من الواجبات, وفي مقدمتها المساعدة في حل مشكلات الطلبة ووقايتهم منها في أفضل الأحوال ومراقبة دوام الطلبة والتزامهم والتحقق من أسباب الغياب أو التقصير الدراسي أو أي تغيير طارئ في السلوك والتواصل مع ذوي الطلبة وعقد الندوات والورشات التوعوية بشكل دوري للحد من المشكلات التي يعانيها الطلبة، إضافة إلى شغل أوقات الفراغ لدى الأطفال والشباب بأنشطة هادفة تعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير والفائدة.. وتمنعهم من الانخراط في السلوكيات السلبية كالتدخين ورفاق السوء وغيرها, ومن هذه الأنشطة العمل التطوعي والجمعيات الشبابية الأهلية والنوادي الرياضية والعلمية والثقافية، أما بالنسبة للإعلام فهو يلعب دوراً هاماً في التنبيه لأخطار التدخين والنرجيلة لجميع الشرائح العمرية.. فكيف بالأطفال والمراهقين وعليه عدم الترويج للعادات السلوكية السلبية بين الشباب حتى لو كانت متداولة ومرغوبة بشكل واسع… لتختم د. علي حديثها بالقول: في المحصلة لا بد من تعاون الأسرة والمدرسة والإعلام وجميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية في مواجهة أي ظاهرة اجتماعية سلبية..لأن الفرد هو نتاج تفاعل وتأثير كل ما سبق في تنشئة الأبناء وتكوين الشخصية السوية القادرة على بناء المجتمع وتطويره وحمايته.
تشرين