المبادرات الاجتماعية خطوة نحو تعزيز التكافل الاجتماعي ودعوات لمشاركة الفعاليات الاقتصادية والتجارية كافة

المبادرات الاجتماعية خطوة نحو تعزيز التكافل الاجتماعي ودعوات لمشاركة الفعاليات الاقتصادية والتجارية كافة

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٤ يناير ٢٠٢٠

يتسارع نبض المواطن السوري مع كل بارقة أمل تحملها مبادرة من هنا أو هناك لتعيد نبض الحياة، وخير دليل على ذلك الاستجابة مع مبادرة “ليرتنا عزنا ” التي صنفت من أهم المبادرات لجهة التوقيت والمضمون، حيث ساهمت بخلق حالة من الحراك الاجتماعي غير المسبوق لجهة التفاعل معها، وقد لاقت ردود أفعال كثيرة من المواطنين الذين تفاعلوا معها وشجعوها، وخاصة أنها جاءت كمتنفس للتخفيف من الأعباء الاقتصادية الصعبة، وفي الوقت ذاته برزت دعوات لم تخل من العتب لأصحاب “الكروش والقروش” بملاقاة تلك المبادرات بخطوات من شأنها تعزيز الليرة السورية أكثر فأكثر.
 
رجل البقدونس
استوقفني بين مئات الحالات التي قدمت عروضها ضمن حملة “ليرتنا عزنا” ذاك الستيني الذي يبيع ما توفر لديه من بقدونس وخس وغيرهما من حشائش بسعر ليرة لكل ربطة، رغم أن حالته تدل على أنه من المفترض أن يكون هو المستهدف في الحملة لجهة دعمهم ووقايتهم من العوز والفقر، إلا أنه اختصر المشهد بعبارة: “ما حدا الو بالوطن أكثر من الثاني، وكلنا لازم ندعم الليرة”.
ويرى مواطنون آخرون أن المبادرة إيجابية بامتياز، مؤكدين حصولهم فعلاً على سلع وعروض من بعض المحال بـ «ليرة» سورية، إلا أنهم استغربوا من البعض ممن شكك بمثل هذه المبادرات ولم يحرك ساكناً لمساعدة الآخرين كنوع من أنواع التكافل الاجتماعي للتخفيف من تأثيرات الظروف المعيشية التي أثرت على الكثيرين، كما أضاف أحدهم: حتى لو كانت المبادرة على نطاق ضيق على أرض الواقع، إلا أن لها تأثيراً معنوياً كبيراً، ويضع علامات استفهام كثيرة حول عدم تحرك العديد من الفعاليات الاقتصادية بطرح حلول ومعالجة؟!.
ورأى أحد المواطنين أنه من الأجدى من كل ما سبق أن يبادر تجار وأصحاب المحلات التجارية بكافة تصنيفاتها لتخفيض أسعارها بشكل كامل، وبهذا يفسحون المجال لمن يملك ولا يملك أن يستفيد من التخفيض مع الحفاظ على ماء وجه الجميع.
المبادرة لاقت صدى إيجابياً كبيراً في يومها الثالث من مختلف شرائح المجتمع، واهتماماً كبيراً رافقه الاعتماد على صفحات التواصل الاجتماعي في تحديد المناطق التي يتم فيها بيع المواد “بليرة”.
وطالب مواطنون باستمرار هذا النوع من المبادرات على جميع الصعد والفعاليات الاقتصادية لإتاحة الفرصة لشريحة كبيرة من المواطنين للاستفادة ولو لمرة واحدة في الحصول على حاجتهم، «لعل وعسى» تسهم مثل هذه الأفكار في تخفيض أسعار عدد من المواد الأساسية.
 
زرع القيم الاجتماعية
ولهذه المبادرات أهمية كبيرة على الصعيد النفسي والمعنوي لبناء الثقة في عملتنا الوطنية التي نعتز بها، إلا أنها لا تترك آثاراً اقتصادية حقيقية على سعر الصرف والوضع المعيشي إلا إذا ترافقت مع الإجراءات الحكومية الحقيقية لمراقبة التجار والمستوردين والمنتجين المحليين، وإلزامهم بتخفيض الأسعار، بما يوازي سعر الصرف الخاص بتمويل المستوردات وضبط الأسعار، ومع ذلك فهي مهمة، حسب المرشدة الاجتماعية عهد العماطوري التي قالت: إن مسألة الشعور بالآخرين وجدانية وإنسانية وأخلاقية، وخاصة من كانت حياتهم غير مستقرة، وتتخللها قساوة الحياة ووجع الأيام وصعوبة العيش، مؤكدة أن هذه المبادرات تقرب مسافات الود والمشاعر النبيلة السامية، وتقدم الخير والعون لمن يحتاج المساعدة والأمان في وقت انقرضت فيه أغلب هذه القيم وأصبحت كلاماً في مهب الريح، فكانت المبادرات الاجتماعية التي سعت لدعم الليرة السورية تدل على القيم النبيلة، والأصالة في التعاون وتكاتف الجميع لزرع المحبة في نفوس أبناء المجتمع.
 
كسر الوهم
لا تقل الأهمية “المعنوية “في تحريك الأسواق بعد تراجع حركة البيع والشراء نتيجة تقلبات سعر الصرف عن الجوانب الاقتصادية الأخرى، فالمبادرة الشعبية تشكّل أيضاً خطوة هامة في إعادة الثقة، وتعزيز قيمة الليرة السورية، ويبقى على الجهات الحكومية المعنية اتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتطويق هذه الأزمة وحصرها، وتخفيض الأسعار، وتحسين الوضع المعيشي للمواطن.
وأجمع العديد من أصحاب المحال التجارية الذين يشاركون في الحملة أن هذه العملية ساهمت في تحريك الأسواق، حيث قال أبو عادل، صاحب محل /سوبر ماركت/ يبيع كيلوغرام سائل الجلي بليرة واحدة: إن المسألة معنوية تعيد الثقة بين المواطن وعملته الوطنية التي شهدت تدهوراً كبيراً في الآونة الأخيرة، في حين قال صاحب محل يبيع كل 10 فطائر بليرة: إن هدف مشاركته في هذه الحملة هو تنشيط السوق، واستقطاب الزبائن لشراء أحد الأصناف بليرة واحدة، إلى جانب شراء صنف آخر بسعره الحقيقي.
ويجمع الكثير من أبناء المجتمع على أهمية تنمية ثقافة المبادرة، ودعم التنافسية الإيجابية التي تخلق اقتصاداً قوياً، مؤكدين أن للمبادرات الأخيرة أهمية في كسر وهم ارتفاع سعر الصرف الذي أثر على ارتفاع السلع، والقضاء على آثار المضاربين، وأن هذا النوع من المبادرات ناجح في التقرب من المواطنين، على أن تلامس هذه الفكرة القدرة الشرائية للمستهلكين من ناحية، وتعزز قيمة ودور العملة الوطنية.
يشير هنا مدير أوقاف السويداء الشيخ نجدو العلي إلى أننا بأمس الحاجة اليوم للمبادرات الاجتماعية التي تعزز التكافل الاجتماعي، فهذه المبادرات هي حاجة اجتماعية واقتصادية وأمنية أيضاً، وهي تستند بشكل أساسي على مبادىء الأخوة والمحبة والأخلاق لتخفيف الأعباء المالية عن المواطنين في ظل الظروف الصعبة، وارتفاع أسعار البضائع والسلع المختلفة بشكل يساهم في تعزيز قيمة الليرة، ويعيد لها مكانتها في نفوس أبناء المجتمع.
 
أين التجار والمسؤولون؟!
هذه الطاقة الكبيرة داخل مجتمعنا السوري من المهم استثمارها بالشكل الأمثل، وقد تكون الكرة اليوم بملعب الرؤوس الكبيرة من التجار والصناعيين والمسؤولين في ملاقاة تلك المبادرات بمبادرات أخرى يرمون فيها حسابات الربح والخسارة جانباً، خاصة أن حالة الثراء والإثراء التي قدمتها لهم حالة اضطراب الأسواق وعدم استقرار الصرف كفيلة بتقديم عشرات المبادرات التي من شأنها رسم البسمة من جديد في نفوس أبناء شعب لا يستحق إلا الابتسامة والشموخ.
رفعت الديك