الإذاعة وسيلة قادرة على المنافسة في عصر الإنترنت هل لايزال الراديو يحتفظ بمكانته؟

الإذاعة وسيلة قادرة على المنافسة في عصر الإنترنت هل لايزال الراديو يحتفظ بمكانته؟

شعوب وعادات

السبت، ٢٩ فبراير ٢٠٢٠

دينا عبد:   
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة…..والأذن تعشق قبل العين أحياناً
تعد الإذاعة في الأوقات العصيبة والأحوال العسيرة المحفل الدائم القادر على الجمع بين مختلف الأفراد، وتظل في جميع الأحوال والأوقات سواء أكنا في طريقنا إلى العمل أم في منازلنا، وسواء في زمن السلم أو الحرب أو في حالات الطوارئ مصدراً مهماً جداً للمعلومات والمعارف عابراً مختلف الأجيال والثقافات، وبالرغم من توسع رقعة التواصل الاجتماعي بين الأفراد بعد انتشار الهواتف الذكية في معظم بقاع الأرض لا يزال الراديو أكثر وسائل الإعلام إتاحة للناس بسهولة ويسر وبأقل تكلفة.. «تشرين» رصدت آراء المواطنين وسألتهم فيما إذا كانوا يسمعون الإذاعة أم يفضلون مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا؟
 
أبو محمد «موظف متقاعد» لا يزال حتى الآن الراديو الصغير صديقه وفي جيبه يقول إنه يسمع الإذاعة بشكل يومي وخاصة البرامج التي تختص بتلقي شكاوى الناس ومعالجتها على الهواء، و«هناك برامج ذات طابع أسري أتابعها أيضاً».
أما روان «وهي طالبة جامعية» ترى أن الإذاعة هي وسيلة الإعلام الأكثر وصولاً للجمهور في كل أنحاء العالم، وتعد وسيلة تواصل واتصال قوية ورخيصة، والإذاعة مناسبة جداً للوصول إلى المجتمعات النائية والفئات «الضعيفة» مثل الأميين وذوي الإعاقة والنساء والشباب والفقراء، وهي تتيح في الوقت ذاته منبراً للمشاركة في النقاش العام بغض النظر عن المستوى التعليمي للناس.
نضال «سائق تاكسي» يرى أن الإذاعة لا تزال تحتفظ ببريقها حتى الآن فهي واحدة من أقوى الوسائل التي يمكن أن تؤثر في مختلف شرائح المجتمع، ويمكن قياس ذلك بعدد الساعات التي قد يقضيها الإنسان مستمعاً لها، فهي تمتاز بالتنوع ويمكن أن ترضي كل الأذواق، وتسلي المسافرين على الطريق وباتت اليوم رفيق المتقاعدين الذين يقضون جل أوقاتهم وهم يستمعون إليها.
ديالا كلتوم «مذيعة في إذاعة دمشق» أوضحت أن هناك متعة كبيرة في العمل بالإذاعة، خاصة مع الفرق الكبير بين الإذاعة والتلفزيون، ففي الإذاعة الإنسان يسمع ولا يشاهد، والإذاعة تدرب المذيع على المهارات والخبرات التي تتيح له العمل في التلفاز الذي يضيف له أشياء جديدة في حال عمل فيه.
هدى والي «مذيعة في إذاعة دمشق» أشارت إلى أن الإذاعة تقدم كل البرامج الاجتماعية والسياسية والثقافية وهناك برامج تتابع من كل الشرائح، وتحدثت والي عن الفرق بين التقرير الإذاعي الذي يعتمد على الصوت من دون صورة حيث تكون مهمة المذيع في الإذاعة توصيل المعلومة، في حين إن التقرير التلفزيوني مصور ومصحوب بالصور، وأشارت إلى أن طبيعة البرامج التي كانت تقدم أثناء الحرب غير التي تقدم اليوم.
منافسة الإذاعة عصر الإنترنت
أسامة الشحادة -مدير إذاعة دمشق في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون قال: كلما ظهرت وسيلة إعلامية جديدة ظن الناس أن الوسائل الإعلامية القديمة يمكن أن تنقرض أو أن تضمحل قدرتها على التأثير، لكن الأيام أثبتت أن هذا الكلام مغلوط، بمعنى لما اخترعت الإذاعة ظن الناس أن الصحافة المكتوبة سوف تندثر، لأننا كما نعلم أن الصحافة المكتوبة سابقة على الصحافة المسموعة «الإذاعة» لكنها لن تندثر والدليل على ذلك وجود الصحف اليومية، كذلك عندما اخترع التلفزيون ظن الناس أن الإذاعة ستندثر لكن الحقائق أثبتت عكس ذلك.
اليوم اخترعت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الإعلام السريع الذي جعل العالم قرية صغيرة، بعض الناس ظنوا أن التلفزيون أو الإذاعة أو الصحافة المكتوبة ستندثر، لكن اكتشفنا أن لكل نوع من هذه الأنواع الصحفية متابعيه وأن للإذاعة عشاقها وللتلفزيون وللصحافة المكتوبة والإلكترونية عشاقها أيضاً، قد يختلف عدد المتابعين زيادةً أو نقصاناً والسبب في ذلك منطقي لأن التطور يفرض نفسه، فعندما كانت الإذاعة هي العنصر الوحيد إلى جانب الصحافة المكتوبة الموجودة في المجتمعات كانت أقدر على التأثير وأكثر وصولاً للمتلقي.
هذا الجمهور الواسع للإذاعة استطاعت التكنولوجيات الجديدة المختلفة أن تأخذ منه بعضه، لكن لم تستطع أن تأخذه كله، فمازال حتى اليوم هناك محبون للإذاعة وللاستماع لها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الصحافة المكتوبة كانت موجهه إلى البصر فقط، وعندما جاءت الإذاعة أشركت الأذنين فقط، وبعد أن جاء التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى شغل البصر، تالياً بقيت الأذنان بحاجة إلى من يشغلهما، وهذا هو دور الإذاعة، و أشار الشحادة إلى أن هناك أوقاتاً من حياة المرء لايستطيع أن يشغل عينيه بتلفزيون أو بوسائل التواصل الاجتماعي كأن يقود سيارة مثلاً أو تنقطع الكهرباء فتبقى له هذه الحاسة الجميلة السمع «والأذن»، لكن هذا يرتب على الإذاعة الكثير من المسؤوليات، لأننا عندما «نتفرج» على التلفزيون فالمذيع من خلال صورته وصوته وحركات يديه ولون عينيه يستطيع أن يوصل رسالة، لكن في الإذاعة كل هذه القضايا ليست موجودة إلا الصوت، تالياً فمطلوب منه أن يوصل كل رسائله من خلال صوته فقط، فيجعل الصوت جسداً وروحاً وعاطفة وإحساس يوصله إلى المستمع كمتلقٍّ.
استقطاب الجمهور
وعن استقطاب الجمهور قال مدير إذاعة دمشق: ليست ثمة برامج تقدم لكل الشرائح، لكن في المقابل لا ننسى شريحة من شرائح المجتمع، بمعنى أن لكل برنامج متابعيه من الشرائح المختلفة، لكن تنوع هذه البرامج هو الذي يجعلنا نستقطب الشرائح جميعها، فثمة برنامج للشباب وآخر لكبار السن وللأطفال وللمرأة وللمثقفين وقليلي الثقافة، الحقيقة اليوم ثمة اختلاف ولو كان بسيطاً بين الأجيال «فما يسمعه ابن الـ 20 قد لايروق لابن الـ 40» وما يسمعه ابن الخمسين قد لا يروق لابن الثلاثين.
تالياً المطلوب من الإذاعة كالصحيفة تماماً معالجة قضايا متعددة، وأن تكون موجهة إلى شريحة من شرائح المجتمع، ولنفترض أن الإذاعة صحيفة وكل برنامج هو مقال في هذه الصحيفة، وكل موسيقا هي صورة، وكل أغنية يمكن بثها هي خبر مختلف عن بقية الأخبار.
لمن تتوجه الإذاعة ببرامجها؟
يضيف مدير إذاعة دمشق: نتوجه ببرامجنا إلى الشرائح المختلفة سواء أكانت عمرية أم مهنية مختلفة في المجتمع، وأيضاً نبث الأغاني المختلفة، فنجد ما تبثه إذاعة دمشق في بعض الأوقات أغاني قديمة عمرها 100 عام أو أقل أوأكثر، ونستمع أحياناً إلى أغانٍ عمرها أقل من عام، لتوجهنا إلى كل الشرائح، حتى في برنامج «معكم على الهواء» الذي يعد أكثر البرامج استماعاً بين الناس نجد زاوية طبية وقانونية ومنوعات مختلفة وأغاني لها خصوصيتها.
متعة العمل في الإذاعة
الإذاعة مدرسة حقيقية لا ينبغي على مذيع أن يصل إلى التلفزيون من دون أن يمر بالإذاعة، ليست ثمة وسيلة لمذيع الإذاعة إلا الصوت لذلك عليه أن يدرب صوته على التأثير في نفوس المتلقين، وعندما ينتقل من العمل الإذاعي إلى التلفزيوني سيجد أن هذا العمل سهل جداً لأنه يكون قد أسّس نفسه بالإذاعة.
إذاعة دمشق الأولى في سورية وتكاد تكون الأولى في المنطقة والإقليم والوطن العربي، نحتفل بعيد إذاعة دمشق في الرابع من شباط كل عام، حيث يقول بعض المؤرخين إنه العيد الرسمي الذي انطلق في الرابع من شباط عام 1947، لكنْ هؤلاء المؤرخون يؤكدون أنه في التاريخ نفسه من العام 1947 لم يكن الإرسال الأول لإذاعة دمشق فقبل ذلك بنحو عشر سنوات كانت هناك تجارب للإرسال من إذاعة دمشق، أو كما كانت تسمى الإذاعة السورية، إلا أنه كان متقطعاً وجديداً ومختلفاً ويتحكم به الاحتلال الفرنسي، في هذه الحالة تكون الإذاعة هي الثانية في العالم العربي بعد إذاعة القاهرة، لكن إن صدقنا هؤلاء المؤرخين ونحن نصدقهم في أن إذاعة دمشق كانت تبث قبل ذلك بنحو عشر سنوات أو تسع سنوات فتكون هي السابقة، والأولى في العالم العربي والمنطقة بشكل عام.
حب المهنة
وقال عن محبته لمهنة المذيع: لا يوجد عمل يمكن أن ينجح فيه أي شخص إذا لم يكن يحبه لأن في المجتمع كل أنواع الأعمال والمهن من المحاماة والطب والهندسة والتدريس والعمل الإعلامي الخ وليس ثمة عمل ناجح أو مهنة ناجحة فلا يستطيع أحد أن يقول إن المحاماة أنجح من الطب على سبيل المثال هناك عامل ناجح وآخر فاشل، وهناك مهني ناجح وآخر فاشل، تالياً من أراد أن يعمل في هذا الحقل عليه أن يحب هذه المهنة ويحب عمله.
هل مازال للإذاعة متابعون؟
عن ذلك قال الشحادة: لايزال لها متابعوها، ولكن لا نستطيع أن نضع لهم نسبة وذلك لسبب في غاية البساطة هو أنه فعلياً ينبغي عندما نقوم بعمل معين أن نرصد انعكاس هذا العمل على نفوس المتلقين، وأن نعرف هذا المنعكس من خلال سبر الرأي العام والإحصاءات، وفي السنوات التسع الأخيرة صار صعباً جداً بسبب الحرب على سورية، هناك متابعون ونحن نعرف ذلك من خلال موقع الإذاعة على «الفيسبوك» والموقع العام ومن خلال المتابعين على الهاتف و«الواتس» والأسئلة التي تأتي وكمية متابعة البرامج.