الكتابة على السيارات… «صرخات» عن معاناة..!! د. أسعيد: تدنٍّ للمستوى الثقافي الاجتماعي وتلوث بصري

الكتابة على السيارات… «صرخات» عن معاناة..!! د. أسعيد: تدنٍّ للمستوى الثقافي الاجتماعي وتلوث بصري

شعوب وعادات

السبت، ٧ مارس ٢٠٢٠

معاجم محدثة وكلمات غريبة بين ألفاظ مفهومة وطلاسم خفية أصبحت تزين المركبات في الشوارع، وفي كل كلمة وعبارة مشاعر مبعثرة وأشواق وعتب وحزن وخوف وفراق وتحدٍ وتهديد..الخ، فالعبارات التي تتم كتابتها على السيارات محصورة في الأمثال والحكم والدعوات وفي المقابل هناك عبارات برغم قساوتها فإنها مستقاة من الأمثال الشعبية مثل (عين الحسود تبلى بالعمى).
الكتابة على السيارات مخالفة للقانون، وهناك غرامات مالية تفرض على من يقوم بذلك لكن يبدو أن العقوبات التي تتراوح بين غرامات مالية ومخالفات مرورية غير رادعة، فبالنسبة لمن يقوم بها تعد إما وسيلة للتعبير عن إحباط من واقع معيش، وإما وسيلة للترفيه لكن من وجهة نظر القانون الكتابة على الزجاج الخلفي تحجب الرؤية، وتالياً هي مخالفة لكن ما هو خطر جداً وبتنا نشاهده حالياً هو الكتابة على الزجاج الأمامي… صحيح أنه تتم كتابة الجمل على الجهة المقابلة لمقعد الراكب لا السائق لكنها خطوة متهورة بحكم أنها تشتت التركيز.
عن هذه الظاهرة استطلعت «تشرين» آراء بعض السائقين وطرحت الموضوع على المعنيين وأصحاب الاختصاص لمعرفة أسباب انتشارها وما الظروف التي أدت إلى تعلق الكثير من السائقين وأصحاب المركبات بها كما تطرقت إلى العقوبة المفروضة بحق من يمارسها؟
 
لفت انتباه
أبو جمال صاحب سيارة نقل كبيرة يشير إلى أنه عندما يكتب على السيارة، فهو يريد بذلك لفت انتباه الآخرين، مضيفاً أنه في الوقت الحالي تلاشت أو اختفت هذه الظاهرة نظراً لظهور الكتابة على الجدران، وبعد ذلك على أجهزة الاتصال والخليوي وصفحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تتسع لكل شيء تقريباً، وأكد أن العبارة المكتوبة على خلفية السيارة تعكس شخصية ونفسية صاحبها، فإذا كان من الشباب تجد العبارات الرقيقة المفعمة بالحب، وإذا كان دخله بسيطاً ومسحوقاً فيكتب عن معاناته وتعبه وفقره مثل عبارات: (الشكوى لله) أو(نمشي ولا ندري عن المقسوم)، وغيرها من العبارات البسيطة والعشوائية.
وذكر أبو أحمد وهو سائق تاكسي أن بعضهم حتى الآن يذهبون إلى الخطاط ويدفعون له النقود مقابل كتابة العبارات التي تروق لهم أو تريح نفسياتهم.
مشكلة نفسية
وبرأي سماهر وهي طالبة جامعية أن من يكتب هذه العبارات على السيارات هو شخص يعاني اضطراباً أو مشكلة نفسية، فيهرب من واقعه ومحيطه الذي لا يستطيع أن يوصل له الفكرة، سواء بالمحادثة مباشرةً أو إيصال رأيه إلى المختص، فيلجأ إلى هذا الأسلوب ظناً منه أن الناس الذين سمعوا صوته يفهمون معاناته، وبذلك تجده يتنفس الصعداء، علماً أن بعض العبارات لها فائدة للآخرين وهذه الأخيرة تنبه السائقين أثناء تتبعهم تلك السيارات مثل «احذر باص مدرسة» أو«السائق مقعد» وإلى ما هنالك من عبارات للحذر وأخذ الحيطة.
شخصية السائق
أما فادي «موظف» فيعد أن الملصقات والعبارات التي يضعها البعض على سياراتهم تعبر عن شخصية سائق السيارة وعن الأفكار التي تسيطر عليه، فمثلاً من يضع عبارة «عين الحسود فيها عود» يكون لديه خوف شديد من الحسد، ويترجم هذا الخوف من خلال هذه العبارة.
ولأن الكتابة على السيارات كما قلنا هي متنفس للتعبير عن الإحباط من واقع معيش فإن أيهم الذي يعاني البطالة بعد تخرجه في الجامعة، ولم يجد عملاً إلا كسائق تاكسي فقد كتب عبارة على سيارته (من جد وجد ومن تخرج قعد).
عمران وهو سائق سيارة لشحن البضائع قال: يجب اختيار العبارات بدقة قبل كتابتها على السيارة، وذلك لأنها تعلق في أذهان من يقرؤها أطول فترة ممكنة، خاصة أن بعض الحالات التي تكتب تعكس الحالة الداخلية التي يمر فيها من قام بكتابة هذه العبارات وبعضهم يمحوها بمجرد زوال هذه الحالة.
مخالفة واضحة
وضع ملصقات والكتابة على السيارات يعدان مخالفة حسب رئيس فرع مرور دمشق- العميد خالد الخطيب الذي أكد أنه وفق قانون السير والمركبات رقم (31) لعام 2004 والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم (11) لعام 2008 كما هو مذكور في المادة 199 الفقرة (9) البند (11) مخالفة كتابة عبارات أو وضع ملصقات مهما كان نوعها أو شكلها أو مضمونها داخل السيارة أو خارجها عدا المرخصة، ويعاقب مرتكب هذه المخالفة بالغرامة المالية ومقدارها (1000) ليرة سورية إضافة لإزالة المخالفة كتدبير وقائي بحق المخالف.
العقوبة المفروضة
وفيما يخص العقوبة التي تفرض بحق من يقوم بإدخال أي إضافات على المركبة خلافاً للأنظمة والتعليمات الصادرة لهذه الغاية أجاب رئيس فرع مرور دمشق: وفق قانون السير والمركبات رقم (31) لعام 2004 والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم (11) لعام 2008 كما هو مذكور في المادة 199 الفقرة 7 البند (11) مخالفة تركيب أجزاء إضافية على المركبة (عوارض وغيرها) تتجاوز أبعادها الأساسية ويعاقب مرتكب هذه المخالفة بالغرامة المالية ومقدارها (4000) ليرة سورية وحسم أربع نقاط من إجازة السوق إضافة لإزالة المخالفة كتدبير وقائي بحق المخالف، وبين الخطيب أن العقوبة تقتصر على الغرامة المالية ومقدارها 1000 ليرة سورية إضافة لإزالة المخالفة كتدبير وقائي بحق المخالف، ولا تتم المصالحة على الضبط لحين إزالة المخالفة.
تراث نفسي
د.غالية أسعيد- المختصة بالصحة النفسية قالت: في الحقيقة يمكن القول إنه قد أصبح لدينا «تراث نفسي» منتشر بطريقة عشوائية في المجتمع، لأن اللجوء إلى الكتابة على المركبات يكشف عن «ولع مرضي» يعيش فيه صاحب العبارة حالة نفسية افتراضية قد يقصد من ورائها توصيل رسالة إلى شخص ما أو إلى المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى قصور أدوات التعبير لديه نتيجة تدني مستوى الوعي والإدراك الاجتماعي من ناحية، ومن جهة أخرى يكشف مدى الكبت النفسي الذي يعيشه ويعانيه، فكل عبارة من هذه العبارات في النهاية تعبر عن مشكلة نفسية في داخله، وأشارت إلى أن الموضوع لم يعد كماً كان سابقاً في طرح عبارات توعوية مثل (لاتسرع يا بابا نحن بانتظارك) بل إن الموضوع تعدى ذلك وأصبح يحوي عبارات عشوائية وسلبية تعكس مدى تدني المستوى الثقافي والاجتماعي لأفراد المجتمع العاملين في هذا المجال.
معرفة الأسباب والدوافع
وبينت د.أسعيد أننا حتى نتمكن من معرفة الأسباب والدوافع التي تقبع وراء هذه الظاهرة، فلابد من الاستعانة بالنظريات المختلفة التي تهتم بتحليل الظواهر النفسية والاجتماعية المتعلقة بتحليل السلوكيات المختلفة للأفراد، ودراسة هذه الظاهرة دراسة علمية، نظراً لانتشارها بشكل متزايد في مجتمعنا، لكن د. أسعيد قدمت تحليلاً مختصراً وقفت من خلاله على نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالفرد نفسه الذي يسلك هذا السلوك والذي يتحدد بعقله، وهذه النقطة تقودنا إلى عدة أسئلة تتعلق بموضوع العلاقة مابين الوعي وأثره في هذا السلوك، والذي يتضح من خلال طبيعة العبارات المكتوبة، فمنها عبارات تتعلق بمواضيع فكاهية، وأخرى تتعلق بالدين أو الحب أو الأمثال الشعبية وغيرها، مبينة أن صاحب السلوك يحاول إخراج ما في داخله كنوع من التفريغ النفسي، لكن هذا يكشف من جانب آخر عن خلل في المناخ الداخلي للشخص، خاصة إذا أخذنا في الحسبان مضمون هذه العبارات، والتي يندرج مضمونها تحت العبارات البذيئة والخادشة للحياء.
أما النقطة الثانية فتتعلق بالمجال الاجتماعي الذي يتم فيه هذا السلوك، والذي يكشف عن التأثير الخارجي لهذه العبارات في بقية أفراد المجتمع، وما تحدثه من تأثير سلبي وتلوث فكري وبصري لهم، وإضافة إلى التأثير غير المباشر في صدى النفس عندما يتم التفكير في هذه العبارات، إضافة إلى غياب دور التوعية النفسية والاجتماعية التي بدورها أدت إلى وجود هذه الظاهرة المزعجة وغير اللائقة بين شرائح المجتمع، ما يؤدي إلى غياب المعنى الحقيقي للتعبير عن المشاعر والحاجات النفسية والاستعاضة عنها بجمل مشوهة وعبارات وكلمات لا تعبر إلا عن نقص نفسي وفوضى اجتماعية.
محصورة بسيارات النقل
بدوره وائل الحسن- خبير التنمية البشرية أوضح أن ظاهرة الكتابة على السيارات انتشرت بشكل كبير جداً خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، ثم تراجعت لحساب العبارات الأجنبية في التسعينيات التي كانت منتشرة على نطاق ضيق خلال السبعينيات والثمانينيات، ثم انتشرت وبقوة في التسعينيات وصولاً إلى وقتنا هذا، فأصحاب السيارات الفارهة نادراً ما تجدهم يضعون أي عبارات على سياراتهم فهي في نهاية المطاف قد كلفتهم ثروة هائلة، فالسيارات القديمة بشكل عام وسيارات النقل العمومية بشكل خاص هي التي تعتمد على العبارات، وطبعاً شاحنات النقل والميكروباصات في الطليعة في هذا المجال.
والعبارات المستخدمة كثيرة، متنوعة، تطول مختلف مجالات الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والغرامية والسياسية تتنوع العبارات بين التذمر والظرافة والكوميديا السوداء وغيرها.
وفي المقلب الآخر هناك العبارات المسيئة وغير اللائقة وأحياناً الخادشة للحياء، هنا نحن لا نتحدث عن متنفس بل عن أشخاص لا يحترمون أنفسهم ولا يحترمون غيرهم ممن يقرؤون، فأحياناً قد يكون طيش شباب لا أكثر، انطلاقاً من مبدأ خالف تعرف، أي إن الشاب يحاول أن يثبت نفسه وتالياً يضع عبارات مسيئة بهدف إثبات شجاعته وجرأته لمحيطه، علماً أن العبارات في السابق كانت لا تتعدى العبارات التحذيرية مثل: (قُد بحذر… اترك مسافة) وغيرهما، بينما عبارات اليوم هي تعبير حقيقي عن نفسية قائد السيارة والتي تعكس مزاجه الشخصي، وبشكل عام فإن العبارات الآن تحمل هوية اجتماعية، أو مزاجية، بل حتى إن بعضاً منها يؤكد ولاء الشخص لفكرة، أو لنادٍ ما، وهي أولا وأخيراً انعكاس للهوية الثقافية التي يحملها قائد السيارة، وتعكس بوضوح رؤيته للأشياء من حوله، ويرى في أبواب ونوافذ السيارة وسيلة للتعبير عن رأيه، ويضيف خبير التنمية البشرية: نحن حتماً لا ننكر أن وضع الكتابات أو العبارات على السيارات هي ثقافة مستوردة، ونحن لسنا ضد استيراد كل ما من شأنه الإبداع، فهناك إذاً من شبابنا من يبدع في اختيار الكتابات اللائقة ووضعها على السيارة وعند البحث أكثر في القضية نجد أن الكتابات التي تشاهد على زجاج بعض السيارات، تحدد مدى ما يعانيه كاتبها في هذه الحياة؛ فمنهم من يجعل زجاج سياراته متنفساً له يدون عليه ما يشاء، مشيراً إلى أن بعض مدلولات العبارات المكتوبة ولونها يعكس فحوى ألم يعتري الشخص ويعكس أيضاً واقعاً اجتماعياً نفسياً يعانيه الشخص.
عموماً.. احترام قيم المجتمع «ضرورة» لأن في ذلك حماية حق الآخرين، فقد ظهر الكثير من القوانين المرورية في سورية التي تُعزز هذه القيم وتحد من السلوكيات غير الحضارية لأن الطريق حق عام لكل مستخدميه أهمية الالتزام بحق الطريق بعدم التسبب في الأذى للآخرين.
ومع إننا لا نود الدخول في جدل بشأن ما إذا كانت هذه الظاهرة صحيحة أم لا؟، لكن ما نود توضيحه هو أنه مهما كان موقفنا من هذه الظاهرة فإنها تبقى موجودة وواضحة للعيان في شوارعنا وتستحق التوقف عندها، خاصةً اذا ما خرجت عن المألوف، واستغلها البعض بطريقة غير صحيحة ومشوهة للمجتمع وأفراده، ومع إننا لا نرغب في الدخول في التفاصيل باعتبار أن لكل اختصاصه، لكن مثل هذه الظاهرة لابد من أن تكون وراءها دوافع نفسية، تحتاج فهمها، خاصةً أن هذه العادات تنتشر في مكان ما بكثافة، بينما تقل أو تكاد تنعدم في مكان آخر، وعلى أي حال مهما يكن من أمر فإنه لابد من التذكير هنا بأن تلك اللوحات الإعلانية المتنقلة لا تشوه منظر المركبة أحياناً فقط، وإنما قد «تشوش» حركة السير، أو تعكس حضارة وثقافة البلد نفسه، حيث قد تشغل سائق المركبة التي تلي تلك اللوحة الإعلانية المتنقلة، فيتشتت تركيزه، الأمر الذي يؤثر في السلامة العامة.
جزء من منظومته الثقافية
بدوره د. طاهر سلوم- المختص في الدراسات الاجتماعية في كلية التربية جامعة دمشق أوضح أنه من الناحية التربوية فكل ما يكتب أمام الأجيال يدخل وكأنه جزء من منظومته الثقافية، ومعنى ذلك إذا كانت الأمور التي تكتب سلبية فهي ترسخ في عقول الأجيال على أنها جزء من ثقافتهم، وتصبح بالتالي جزءاً من منظومته الثقافية، هذا ينطبق على كل إعلان سواء كان مكتوباً على السيارات أو على الجدران أو حتى على شاخصات الطرق، مشيراً إلى أنه من الأهمية متابعتها وتدقيقها، فإذا كانت تتعلق بمؤسسات فيجب أن تحدد بشكل دقيق وفق القوانين، فلا يمكن أن تكون القوانين مخالفة للأخلاق، ومن جهة أخرى من أجل المحافظة على الفكرة.
وبين د. سلوم خطورة الموضوع من الناحية النفسية فقال: هناك جانب خطر من الناحية النفسية على الآخرين الذين يقرؤون هذه العبارات، ربما تتشكل لديهم ناحية نفسية تتعلق بالموضوع المطروح وقد تكون من سائقين آخرين وتتسبب في الحوادث.
وهناك أمثلة للعديد من الشاخصات واللوحات الإعلانية التي كانت موجودة في منطقة ما وأزيلت نظراً للحوادث التي تسببها والكتابات التي تؤثر في السائق عندما يقرأ ويشرد باتجاهها، أضف لذلك إلى ما تشكله من سوداوية لدى الجيل.
عمّ تعبر؟
وفي جوابه عمّا تعبر العبارات التي تكتب على السيارات قال د. سلوم: هذه العبارات أو كما أطلق عليها (صرخات) هي تعبير عن معاناة أصحابها الداخلية ولكن هذه الثقافة سيئة بطريقة وصولها، فهناك طرق كثيرة لوصول الشكوى التي يفترض أن تصل بطريقها الصحيح، إما عن طريق وسائل الإعلام أو التلفاز وليس عن طريق كتابتها على زجاج السيارات فمن يقرؤها لن يفهم أنها شكوى قد يقرؤها كسطور عابرة.
ظاهرة غير صحيحة
وفيما إذا كانت ظاهرة الكتابة على السيارات صحيحة أم لا أوضح د. سلوم هي ليست صحيحة ودليل جهل من يمارسونها في المجتمع ودليل فقدانهم الأساليب الصحيحة لإيصال أصواتهم إلى الآخرين، أي كما إن هناك بعض الأشخاص يستخدمون الشتائم للتعبير عن غضبهم تجاه الآخرين، على عكس أن الشخص المثقف لا يستخدم الشتائم إنما يتعامل بطريقة عقلانية، وفي كلتا الحالتين يوضح د. سلوم لن يغير الحال شيئاً، لكن هذه الظاهرة نتيجة جهل الأشخاص فهم يستخدمون إما ألسنتهم أو أيديهم وهذا دليل تخلف وجهل لعدم تمكنهم من إيصال أصواتهم بطريقة صحيحة وسليمة للآخر.
دينا عيد - تشرين