“الجريمة المعلوماتية” .. إنتهاك للخصوصية وتعد على المصلحة العامة من بوابات الشبكة ووسائلها

“الجريمة المعلوماتية” .. إنتهاك للخصوصية وتعد على المصلحة العامة من بوابات الشبكة ووسائلها

شعوب وعادات

الخميس، ٩ أبريل ٢٠٢٠

التطور التكنولوجي والسرعة الرقمية حول العالم جعلا فضاء الأنترنت مفتوحا لكثير من الأفعال الجرمية ،حيث تعد شبكة الأنترنت من أكثر التقنيات أهمية في عصر يسمى بعصر المعلومات ، ولا شك في أن الثورة التكنولوجية وبخاصة ثورة الاتصالات كانت من أهم الأسباب التي دعت المختصين والحقوقيين في العالم لإنشاء قانون يمنع ويعاقب مرتكبي هذا النوع من الجرائم ،ومنذ عدة سنوات بدأت تعرض على قضائنا السوري العديد من القضايا المتعلقة بهذا الموضوع ، وإقد تنبه القانون السوري لهذه الظاهرة الإجرامية فتم تشكيل لجنة من المختصين النقابيين والقانونين لإعداد مشروع مكافحة الجريمة المعلوماتية منذ عام 2008 وحاولت هذه اللجنة الإستفادة من التجارب الأجنبية والعربية و القانون العربي الإسترشادي لمكافحة جرائم تقنية أنظمة المعلومات لعام 2004 بالإضافة إلى الإتفاقية الأوربية لمكافحة الجريمة الإفتراضية 2001 ، كما تعاونت اللجنة في هذا المضمار مع الاسكوا و هي اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغرب أسيا التابعة لهيئة الأمم المتحدة ، وبتاريخ 8/2/2012 أصدر المشرع السوري المرسوم التشريعي رقم 17 المتضمن قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية .
أركان الجريمة
ويتضمن هذا النوع من الجرائم عدة أركان،  منها الركن القانوني فاستنادا لنص المادة 23 من قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية رقم 17 لعام 2012 ، حكم المشروع على من يرتكب جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة بعقوبة جنحية الوصف وهي الحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف إلى خمسمائة ألف ليرة سورية لكل من نشر عن طريق الشبكة معلومات تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه حتى لو كانت تلك المعلومات صحيحة ،أما الركن المادي “النشاط الجرمي” فيتجلى في جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة من خلال قيام الجاني بنشر بيانات أو صورة أو ملفات تخص الضحية على مواقع الانترنت أو مواقع التواصل الاجتماعية، ويشترط أن يكون النشر دون رضاء صاحب هذه المعلومات ولا عبره لكون هذه المعلومات صحيحة أو لا كقيام شخص بنشر العلاقة العاطفية لشخص معين دون موافقته على مواقع التواصل الاجتماعي أو قيام احد الأصدقاء بأخذ صورة لصديقة في مطعم الجامعة وهو يأكل بطريقة تثير الضحك وقيامه بنشرها على الصفحة الخاصة به دون رضاه، ثم يليه الركن المعنوي ” القصد الجرمي “و تعتبر هذه الجريمة من الجرائم القصدية التي تتطلب توفر القصد الجرمي العام بعنصريه العلم والإرادة أي من خلال علم الجاني بماهية فعله القائم على الإعتداء على خصوصية الآخرين وانصراف إرادته لذلك الفعل من خلال نشرها عبر شبكة الانترنت .
الهروب من الفخ
لاشك أن الوقاية خير من ألف علاج لذلك من الأفضل دائما أثناء تشغيل الإنترنت أن نقوم باتخاذ إجرءات وقائية ، ويجب أن تكون الاحترازات هذه جزءا من العمل على الإنترنت ويتجلى ذلك من خلال عدة أصعدة سواء كانت فردية ، حكومية أو دولية للتقليل من الجرائم الالكترونية على أوسع نطاق. المحامي المختص بجرائم المعلوماتية سامح مخلوف كشف عن أهم تلك الاحترازات والتي تتجلى في عدم الوثوق بما يسمى الغرام الالكتروني وإرسال الصور الخاصة لأي مستخدم كان لأنها ستستخدم لاحقا في قضايا التهديد والإبتزاز ، و الإبتعاد عن مجموعات الواتس والفيسبوك المشبوهة وعدم تداول الصور الخاصة فيها والدخول في روابط خارجية مثل اعرف تاريخ وفاتك أو اعرف صديقك الذي يحبك وغيرها بسبب إعطائك صلاحيات لها بالوصول إلى معلوماتك وحسابك، الحذر من الضغط على أي رابط أو إعلان يظهر لك بشكل مفاجئ يخبرك بأنك قد فزت بجائزة أو مبلغ مالي لأنك ستكون عرضة للضغط على رابط خبيث والوقوع كضحية الكترونية ،مع عدم استخدام وتثبيت البرامج المجانية غير الموثوق بها فعدد كبير منها يعتمد على تثبيت برامج تجسسية أو دعائية داخل البريد الالكتروني، والحرص يكون بضرورة التأكد من اتفاقية الترخيص قبل تثبيت أي برنامج كما يجب السماح للجهات القائمة على الضبط والتحقيق بضبط البريد الالكتروني وأي تقنية أخرى قد تفيد في إثبات الجريمة والحصول على دليل والكشف عن الحقيقة ،علينا المشاركة في الإبلاغ والتعاون مع الجهات الحكومية في مجال مكافحة الجريمة المعلوماتية فالجدير بالذكر أن التنسيق الدولي خير وسيلة لمكافحة جرائم المعلوماتية العابرة للقارات .
أنماط الاحتيال
لم يشترط المشرع السوري في جريمة الاحتيال عبر الشبكة أن يقترن الكذب بوسيلة احتيالية محددة كما فعل في الاحتيال التقليدي في المادة 641من قانون العقوبات،وبحسب مخلوف تم الإكتفاء بأن يتم الخداع بأي وسيلة كانت مثل قيام المحتال عبر الانترنت بانتحال شخصية طبيب مرموق مختص بتقديم الاستشارات المجانية ومن ثم قيامه بطلب صور للأماكن المتضررة صحيا وبعد أن يقع الضحية في شباك الجريمة يقوم الجاني بطلب مبالغ طائلة مقابل عدم نشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي ، أو قيام مجموعة من الشبان بتصميم موقع شبيه بموقع الضحية بحيث يصعب التمييز بينهما من قبل الأشخاص العاديين ويتم استخدامه في خداع عملاء الضحية والحصول على كافة بياناتهم السرية وقيامهم بعد ذلك بتحويل كافة الحسابات المالية الخاصة بعملاء الضحية لحسابات خاصة بهم مما يؤدي لإيقاع الضحية في دعاوي قضائية مع عملائه ، و لابد من الإشارة إلى أنه من الصعب جدا حصر عناصر الحق في الحياة الخاصة فهي تتكون من عناصر ليست محل اتفاق بين الكثير من الفقهاء لكن مصطلح الخصوصية في القانون هو حق الفرد في حماية أسراره الملاصقة للأمور الشخصية والعائلية ومراسلاته وسمعته وحرمة منزله وملكيته الخاصة وفي عدم اختراقها دون موافقته .
كشف العناوين
بلغ عدد الجرائم المعلوماتية التي اعترف بها قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة جرائمها تسعة فقط ولاشك إن المادة 28 هي الأكثر شمولاً وارتباطاً ببعض القوانين عموماً وقانون العقوبات خصوصاً، والذي سمح بتطبيق نصوصه الجزئية بحال ارتكبت الجرائم التقليدية باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة ، أما الجرائم التي غفل المشروع السوري عن تجريمها في صلب قانون جرائم المعلوماتية رقم 17 لعام 2012 فهي الذم والقدح والإرهاب والتسول والتجسس والقمار والاتجار بالبشر وجرائم الاستغلال الجنسي للقاصرين الكترونياً والإبتزاز والترويج لتجارة المخدرات عبر الانترنت وجرم تهديد الأشخاص والتعدي عليهم بوسائل الكترونية ،ويرى المختصون في قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية أنه من أجل إخفاء عناوين الانترنت يقوم مزيفو البريد الالكتروني بإدخال عناوين وهمية إلى ترويسة الرسائل الالكترونية لتضليل المحققين حيث تحتوي عناوين المخدمات التي مرت عبرها الرسالة ، إلا أن الخبير التقني يستطيع عن طريق التدقيق الجيد اكتشاف عدم التناسق بين العنوان الوهمي وباقي العناوين الصحيحة في ترويسة الرسالة، ناهيك على أن الرسالة الالكترونية ستحمل كحد أدنى العنوان الصحيح الذي يتم من خلاله إرسال رسالة الكترونية ، ولذلك لابد من توفير الأجهزة التقنية لدى موظفي الضابطة العدلية حتى يتمكنوا من تتبع الأثر الافتراضي للجاني وتحديد مكانه وإلقاء القبض عليه .
ميادة حسن