يوميات الحظر .. اختلاف التفاصيل يكشف فوارق عديدة في مفاهيم الإنسانية

يوميات الحظر .. اختلاف التفاصيل يكشف فوارق عديدة في مفاهيم الإنسانية

شعوب وعادات

الجمعة، ١٧ أبريل ٢٠٢٠

خبر إعداد الفنان اللبناني راغب علامة الباستا، وخبر آخر للإعلامية اللبنانية منى أبو حمزة، وهي تحضر قالباً من الحلوى، وأخبار متفرقة عن فنانات يطبخن خلال فترة الحجر المنزلي.. أخبار تتصدّر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية.
وتتنوّع التعليقات بين السخرية والاستغراب والإعجاب على هذه الأخبار التي تصدّرت برامج “التراند” على شاشات التلفزة، وأُعدَّت لأجلها تقارير، وأُجريت اتصالات مع الفنانين، لسؤالهم عن كيفية تمضية أوقاتهم هذه الأيام .
هكذا إذاً يقضي حالياً معظم المؤثرين الاجتماعيين، والفنانين، أوقاتهم بين رياضة وطهو ومشاهدة أفلام وتصوير مقاطع ترفيهية وغيرها من الأنشطة الجميلة. لا بد من أنها النسخة الجميلة من الحجر المنزلي!. ولكن كيف يقضي باقي أبناء المجتمع الحجر المنزلي؟.
 
استثمار الوقت
في المرتبة الثانية في نسخة الحجر المنزلي يأتي مستثمرو الوقت الذين وجدوا في الحجر المنزلي فرصة لتعويض فاقد الوقت لديهم عبر استكمال أبحاث أو دراسات
الدكتور “مشهور غانم” أستاذ النبات في كلية الزراعة قال: “فرصة لتطبيق أبحاث لم أكن قادراً على إنجازها بسبب ضيق وقتي سابقاً، حيث استثمرت حديقة منزلي لتنفيذ بحثي الخاص بمقارنة تجذير الزعتر البري Thymus syriacus، كما أن الوقت الطويل الذي أمضيه في حديقتي جعلني أفكر بالمشروع من خلال اختبار عدة طرق، منها طريقة الهرمونات والمستخلصات النباتية، مثل القرفة وخل التفاح بما يدعم فكرة التوسع بزراعة هذا النبات الذي يمكننا الاستفادة منه في صناعات دوائية وغذائية في حال تمكنا من زراعته على مساحات أكبر، وأتوقع أن لدينا فرصة مناسبة لذلك في حال نجاح البحث وقضاء الحجر بسلام كما نتمنى جميعاً”.
أما الكاتب والمحامي عماد عبيد فيقول: إنه في ظل أزمة الحجر العالمي، ينكفئ المنكفئون إلى منكفئاتهم، البعض يجدونها فرصة لتعويض القراءة والاشتغال على مشاريعهم الثقافية، وهناك من قطع علاقته مع الكتاب منذ دهر، حتى لو أغريته بالمال ليقرأ .. سيقول لك:” يفتح الله”.
من جهتي كان لدي كم هائل من الكتب المهداة، خاصة في ظل فورة النشر الأخيرة، فانكفأت إلى قراءتها وأنجزت القسم الأهم منها، بعض منها جعلني أحمد المحاولة، واستبشر بأقلام تخلخل الركود وتوقظنا من غفوة خمولنا، والبعض الآخر أشعرني بأني مذنب تاريخياً وجاءت هذه الكتب لتعذبني وتحاسبني على ذنوبي (على حياة عيني)، وكأنها عقوبة.. ولا أدري كيف يفكر من يطبع كتاباً رديئاً، لماذا يترك أثراً لجريمته؟
على أية حال ، سؤالان أساسيان ألخص بهما تجربة الحجر الصحي مع الكتاب: هل نقرأ جميع الكتب التي تهدى إلينا بشكل شخصي أو من خلال حفلات التوقيع؟؟ وفي حال لم يعجبنا الكتاب هل نصارح الكاتب بذلك أم إن المجاملة لا بد منها؟
 
طاقم السفينة
 
في إطار ممتع من الفائدة والترفيه؛ اختارت الكاتبة سلمى سلامة عبيد صفحتها الشخصية لتطرح سؤالاً افتراضياً من وحي الحجر الصحي، ومشكلة الفيروس القاتل، تضمن إجابة محددة حول سفينة في عرض البحر؛ أصيب ركابها بالعدوى، وأنت القبطان الأوحد لها بإمكانيات متواضعة.
وطلبت الكاتبة من المتابعين (القباطنة) الذكور أو الإناث؛ اختيار أربع فئات فقط من الخيارات العشرة التي وضعتها؛ تساعد فيها قبطان السفينة المنكوبة على معرفة من يبقى، وهي: أنت وطاقم السفينة – الأطباء والممرضون – ركاب الدرجة الأولى الذين يدفعون مبالغ طائلة مقابل إنقاذهم ليستطيع القبطان أن يشتري أكثر من (منفسة) تنقذ بها أرواحاً كثيرة بعد العودة إلى اليابسة – الشباب والأصحاء و(الجميلات). أم زوجتك، وأفراد أسرتك، أم الرجال قبل النساء، أم العلماء، والأدباء، والفنانين، والرياضيين وهم في فئة واحدة.
وانتقلت الكاتبة لفئات أخرى مثل المسلحين والبلطجية، وللجنسيات التي وراءها دول تحميها؛ وتترك أصحاب الجنسيات (يللي الله غضبان عليها، وما حدا سائل فيها!).واقترحت على القراء إضافة الفئة العاشرة حسب معرفتهم ومزاجهم.
وقد جاءت الإجابات العديدة منوعة ومختلفة، وفيها الكثير من روح الفكاهة والمرح وبعض الأنانية أيضاً في زمن الحجر الصحي الواقعي لسؤال بعيد عن الواقع؛ لكنه يدل على ما في المجتمع السوري من مشكلات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية.
وحصلت عائلة القبطان على المركز الأول بلا منازع، يليها الأطباء والممرضون (علماً أن هناك عددا من المتابعين استثنوا هذه الفئة القادرة على حمل العبء والنجاة من الوباء.. وتوزعت بعد ذلك الإجابات بين الشباب والعلماء وأصحاب المال والجميلات).
فيما كان رد واحد على هذه الفرضية حمل معادلة الحل ومحاولة النجاة بالسفينة كلها عن طريق المحافظة على التوازن والهدوء، والعمل على طلب النجدة والاستغاثة.
والملاحظة الأهم في اختيارات المتابعين العديدة كانت في استثناء طاقم السفينة من الخيارات الأربعة الأولى؛ وهم الأساس في نجاة من تبقى من الركاب.. فيما لم تخل التعليقات من السياسة، وإن جاءت بشكل فكاهي عندما اختار عدد من القباطنة رمي كل السياسيين في البحر كفرصة للتخلص منهم. فما هي خياراتك الأربعة في حال تعرضت لنفس الموقف؟.
وحول النتيجة التي توصلت إليها الكاتبة من خلال الإجابات بيّنت عبيد أن إجابات البعض بدأت بالأسرة متناسين أن خسارة طاقم السفينة والأطباء هي خسارة للجميع بما فيها أسرهم.
 
أين الفقراء
ولكن مهلاً، أين الفقراء والمهمّشون وأصحاب الدخل المحدود من كل هذا؟ أين العامل اليومي وسائق التاكسي وبائع الترمس والفول؟ كيف يقضي هؤلاء يومهم في الحجر المنزلي مع عائلتهم؟ هل يمارسون الرياضة ويقومون بطهو الباستا وإعداد الفطائر؟ هل يستيقظ أحدهم ويتواصل مع إحدى شركات الإعلانات ويروّج لمعجون حلاقة لا يستخدمه أصلاً مقابل مبلغ من المال؟ هل ذهبوا إلى قراءة الكتب والمجلات أو طرح الأسئلة والمسابقات على صفحاتهم الفيسبوكية؟ حتما لا ….
فالفقير، أينما حل، إن لم يقتله الوباء، تقتله الحاجة والعوز، ويمكن أن يكون فقط مادة دسمة لمحطات التلفزة من أجل مزادات المتبرعين الذين يغيبون ويظهرون عند حاجتهم لذلك.
إذا نحن اليوم أمام كارثة ومأساة إنسانية عالمية تتضح معالمها يوماً بعد يوم، ويتبيّن معها الشرخ الواضح بين المجتمعات والجماعات التي تواجه المصيبة ذاتها. فالفيروس الذي تخطى بانتشاره الحدود والدول والجنسيات والأعراق، كشف لنا أننا بتنا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في مفهومنا لإنسانيتنا، وفي طرق تعاملنا مع بعضنا البعض.
رفعت الديك-البعث