زواج “البدل والحيار”.. قاصرات يدخلن أقفاص الزوجية وحقوق مصادرة!

زواج “البدل والحيار”.. قاصرات يدخلن أقفاص الزوجية وحقوق مصادرة!

شعوب وعادات

السبت، ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٠

لا نزال في بداية الطريق المؤدّي إلى إعطاء المرأة كامل حقوقها والاعتراف بها ككيان مستقل، بعيداً عن السلطة الذكورية التي تفرضها العادات والتقاليد والأعراف، فعلى الرغم من وصول المرأة في مجتمعاتنا إلى مستويات متقدّمة على مختلف الأصعدة، إلا أن نظرة المجتمع للأنثى مشوبة بالكثير من اللغط، والدليل هو طريقة تعاطي الكثيرين حتى الآن معها، ومنذ اللحظة الأولى لولادتها، على أنها “ضلع قاصر”، وتحتاج إلى الحماية، ولكن الحماية ممَن؟! هذا ما نحتاج توضيحاً له.
 
نحن نتعمّد وضع غشاوةً على أعيننا، ونصرّ على أن نتحاشى ذكرَ أو تغيير واقعنا والتصالح معه، وإلا بماذا نفسّر انفصال مئات السيدات السوريات المتزوجات بمجرد وصولهن إلى دول أجنبية، كألمانيا والسويد.. وسواهما، حيث أوضحت العشرات منهن أنهن أجبرن بطريقةٍ أو بأخرى على الزواج إرضاءً للأهل والعادات والأعراف السائدة، على الرغم من أن الكثيرات عانين من عنف من قبل الزوج، ولكن لم تكن أي منهن تجرؤ على التفكير بالطلاق لأن القانون لن ينصفها؟!
أحد الأمثلة الصارخة على هذا الواقع الذي نحاول تجاهله هو زواج القاصرات الذي لم نتمكّن، على الرغم من وصولنا إلى القرن 21، من إحراز ولو تغيير خجول فيه.
 
زواج ولكن؟
 
زواج الطفلات الصغيرات ليس بالأمر الجديد، وبطبيعة الحال تختلف طريقة تعاطي المجتمع المحلي مع هذا الموضوع حسب المنطقة، سواء في الريف أو المدينة، وطبعاً تختلف الأسباب والعوامل المشجّعة عليه، وتكثر هذه الظاهرة بشكلٍ كبيرٍ في المناطق التي لها طابع قبلي أو عشائري، كتلك المنتشرة في الشمال الشرقي من سورية على سبيل المثال، كزواج الحيار المتمثل بحجز الفتاة منذ ولادتها لابن عمها في ظل غياب القوانين والمبادئ الشرعية، حيث يتمّ بالإكراه، وبانتهاك واضح لحقوق الإنسان، وفق حديث الأستاذة ابتسام موصللي مديرة حالة العنف القائم على النوع الاجتماعي “الجندر” في مركز “مار آسيا الحكيم”، أو كما يُعرف ببيت الياسمين في مدينة الحسكة، والتي أوضحت أن هناك نوعاً آخر من الزواج هو الزواج البدل، ويتمّ باتفاق عائلتين على تبادل فتاتين وتزويج كل منهما لشقيق الأخرى دون دفع المهر، على أن تقوم كل عائلة بالنفقة على احتياجات ابنتها حسب الاتفاق، وفي الحقيقة هذا لا يعدو إلا أن يكون “سوق نخاسة”!
الأستاذة موصللي تقول: نحاول في مركزنا التصدي لظاهرة الزواج المبكر، حيث استقبلنا حالات عديدة لنساء تعرّضن للعنف والزواج القسري “زواج الأطفال” من خلال جلسات التوعية التي نقيمها أسبوعياً، ونشدّد فيها على أضرار الزواج المبكر الصحية والنفسية والاجتماعية، وانعكاساته السلبية على الأسرة والمجتمع، لذلك شاركنا مؤخراً بحملة “لا للزواج المبكر” تحت شعار “لست زوجة.. أنا طفلة”. مضيفةً: تنتشر هذه الظاهرة في منطقة الجزيرة، وفي محافظة الحسكة بكثرة، وخاصة في الأرياف، والأسباب كثيرة، في مقدمتها العادات والتقاليد وسوء الوضع الاقتصادي ومحدودية التعليم بسبب عدم توفر أماكن تعليمية في الأرياف، وعدم وجود وسائل نقل مجانية لنقل الفتيات، وخوف الأهل وقلقهم، ما يجعلهم يزوجون بناتهم في سن مبكرة جداً. أضف إلى ذلك غياب القانون وعدم تطبيق العقوبات بحق ولي الأمر، أو عدم التبليغ عن حالات الزواج المبكر. وهذا ما أكد عليه أيضاً الأستاذ المحامي عارف الشعال الذي اعتبر أن العادات والتقاليد أقوى من القانون في مجتمعنا الذي يعاني أصلاً من تقويض مبدأ سيادة القانون، والحلّ لهذه المشكلة – حسب رأيه – يجب أن يكون مجتمعياً بالبحث عن جذور المشكلة ومعالجتها.
 
الحرب وتأثيراتها
يؤكد الأستاذ الشعال أن للحرب تأثيراً مباشراً، فقد ساهمت بتفشي هذه الظاهرة نتيجة انخفاض أعداد الذكور، وانتشار الأمية في الريف بسبب إغلاق المدارس، وازدياد الفقر والعوز، مؤكداً أن حجم العمل المطلوب للوقوف في وجه هذه الظاهرة كبير جداً ويتجاوز مقدرة وزارة الشؤون الاجتماعية، ويحتاج إلى بيئة اقتصادية مريحة للمجتمع، ونشر الوعي حول مخاطر هذه الزيجات وارتفاع نسب فشلها والاهتمام بالتعليم.
 
كل هذه الأسباب تتقاطع مع الأسباب والعوامل التي تحدثت عنها الأستاذة موصللي، حيث أوضحت أن تأثيرات الحرب وما تمخض عنها من انعدام الأمن ونزوح أعداد كبيرة من السوريين وتشرّد الأسر وانتشار ظاهرة العنف الجنسي (تحرش، اغتصاب، استغلال)، وغياب السلطة الضابطة المتمثلة بالأب في معظم الأسر وتزويج الفتيات القاصرات وهنّ في سن الطفولة من أجل حمايتهن من الانحراف أو التعرض لأي نوع من أنواع العنف الجنسي، لتكون البنت تحت سلطة وحماية رجل ما.. كلها أسباب كان لها دور كبير في اختلال التوازن، ما زاد في نسب زواج القاصرات. مضيفةً: حاولنا بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان العمل على وضع برنامج من أجل المراهقات، يتضمن حقّ التعليم والصحة والعيش في مكان آمن خالٍ من العنف، وتوعية الفتيات على أن لهن مطلق الحق والحرية لاختيار الشريك، والتركيز على فرض القوانين والتشريعات من خلال سنّ قوانين صارمة على الأسرة للحدّ من ظاهرة الزواج المبكر.
 
وخلال حديثها روت الأستاذة موصللي عن قصة إحدى الفتيات التي تزوجت مجبرة في سن الـ 15 زواج بدل، حيث أُجبرت على الاقتران بشقيق زوجة أخيها وعاشت معه 10 سنوات أنجبت خلالها 6 أطفال، وبعد الولادة الأخيرة أصيبت بسرطان الرحم وعانت الألم والقهر النفسي والخوف على أطفالها من اليتم، إلا أن الموضوع لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل وبين عشية وضحاها حصل خلاف كبير بين أخيها وزوجته انتهى بالطلاق القسري، حيث إن السلطة للرجل والقانون يقف إلى جانبه، ليمتد الطلاق إلى أسرتها ويجبر زوجها على تركها بسبب طلاق أخته، وتدفع هي ضريبة التمسّك بعادات بالية وتنهار أسرتها ويتشتت أطفالها بينها وبين أبيهم في مجتمعٍ ما زالت سلطة ونفوذ القبيلة فيه أقوى من سلطة القانون!!
 
تعديلات خجولة.. وغطاء ديني
عُدّلت المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية وسمحت للقاضي بأن يأذن بزواج المراهق أو المراهقة عند البلوغ وإكمال سن الـ 15 إذا كان جسمهما يحتمل الزواج، وكان النص قبل التعديل يسمح له بأن يأذن بزواج المراهقة بعد إكمال سن الـ 13. هذا ما أوضحه الأستاذ المحامي عارف الشعال، مضيفاً أنه يرى أن تعديل السن ورفعه سنتين مؤشر على مراعاة المشرّع للقانون الدولي الذي يحظر هذا الزواج، ويرى فيه خطوة على طريق قد يطول نحو إلغاء تفويض إجراء هذا النوع من الزواج، علماً أن هذه المشكلة -من وجهة نظر الشعال- لن تنتهي بحظرها قانوناً لأن الأعراف والعادات في مجتمعنا أقوى، ولاسيما إذا كان لها غطاء ديني!.
 
وفي جوابه عن مدى تعاطف القاضي الشرعي مع الأهل وتسهيل الزواج يقول الشعال: إن موافقة القاضي بشكل آليّ على زواج القاصرات في بيئة اعتادت على مثل هذه الزيجات تنبع من إدراكه أن تشدّده وعدم موافقته لن يفلحا في منعه، لأن الأهل سيلجؤون حينها إلى الزواج العرفي “كتاب الشيخ”، ثم يثبتون الزواج عند حدوث الحمل، لذلك تشدّد القاضي ووقوفه بوجه هذا الزواج لن يساهم في الحدّ منه نهائياً.
 
إذن.. ما نحتاجه اليوم هو العمل قولاً وفعلاً للحدّ من هذه الظاهرة أو على الأقل إحداث ثغرة في جدار استمرارها، لعلّها تنقذ حياة ومستقبل أطفالنا الذي بات مهدداً من كل الاتجاهات. إضافة إلى أن التربية والتعليم والعمل على توفير بيئة اقتصادية يعيش فيها المواطن حياةً كريمة، والعمل على تعديل قوانين الأحوال الشخصية وفرض سلطة القانون وتغيير الصورة النمطية تجاه المرأة من قبل المجتمع، كلها أمور تحتاج إلى جهود جبارة وبرامج منتظمة لأن البنية الأساسية والركيزة الأهم في المجتمع المتمثلة بـ”الأسرة” أضحت في خطرٍ حقيقي.
لينا عدرة-البعث