2020 سنة الفساد العالمي.. كيف غذّت الجائحة موجة الفساد في العالم؟

2020 سنة الفساد العالمي.. كيف غذّت الجائحة موجة الفساد في العالم؟

شعوب وعادات

الاثنين، ١ فبراير ٢٠٢١

سلط التقرير السنوي لمنظمة “الشفافية الدولية” الضوء على الكيفية التي سهَّل بها تفشي جائحة فيروس كورونا انتشار الفساد في جميع أنحاء العالم، وكيف تسهم ظاهرة الفساد تلك في تفاقم الأزمة الصحية.
 
وخلص التقرير إلى أن الفساد والوباء متلازمان، مؤكداً أنه “ليس فقط لم يتم إحراز تقدم في مكافحة الفساد في معظم دول العالم فحسب، بل إن أكثر من ثلثي الدول التي شملتها الدراسة حصلت على درجات أقل من 50 نقطة”. ويتم تمثيل المؤشر السنوي لمنظمة “الشفافية الدولية” بمقياس 1 إلى 100 نقطة، وكلما انخفض عدد النقاط التي تحصل عليها دولة ما، زاد اعتبارها فاسدة من منظور المؤسسات الدولية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص.
 
وهذا التصنيف يجمع بالفعل البيانات المتعلقة بالفساد من 13 مؤسسة مثل البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، وشركة دولية للتنبؤ الاقتصادي تدعى “غلوبال إنسايت”.
 
وإذا كان عام 2020 عاماً سيئاً فيما يتعلق بمكافحة الفساد، فإن ذلك راجع في جزء كبير منه إلى تفشي وباء فيروس كورونا، تقول ديليا فيريرا روبيو، مديرة منظمة “الشفافية الدولية”، وتضيف لفرانس برس: “جائحة فيروس كورونا ليست أزمة صحية واقتصادية فحسب، بل هي أزمة فساد أيضاً. ولقد فشلنا في التعامل معها”.
 
وتصف فيريرا الوباء بأنه “غذى الفساد خلال 2020”.. تقول: “لقد لاحظنا أن الأزمة الصحية تفرض مزيداً من الضغوط على المؤسسات، والتي تصبح بالتالي أقل قدرة على مكافحة أعمال الفساد بفاعلية”.
 
من جهته، يقول روبرتو كوكوتشكا، أحد الباحثين الذين عملوا على التقرير: “الدول عادة ما تركز جهودها على الاستجابة السريعة لحالة طارئة مثل الوباء، وهو ما يفتح الباب أمام المفسدين للاستفادة من الأزمة”، مؤكداً أن “المؤسسات لديها وقت أقل لتنفيذ الضوابط اللازمة لتجنب هذه الانتهاكات”.
 
ويشير الباحث المختص إلى أن هذا عادة ما يشيع حدوثه في كل كارثة أو أزمة. وبهذا المعنى، يقع الوباء الحالي في نفس فئة الأعاصير أو الزلازل من حيث تأثيرها على الفساد، مؤكداً أن هذا المجال خضع بالفعل لكثير من الدراسات، وخلصت إحداها، نُشرت عام 2014، إلى أن الكوارث الطبيعية، مثل إعصار كاترينا في الولايات المتحدة عام 2005 أو زلزال عام 2011 في اليابان، قد أدت إلى ارتفاع حاد في الفساد. حتى إن تلك الدراسة وجدت أن المناطق المعتادة على الكوارث الطبيعية لديها مستوى أعلى من الفساد بشكل عام. ويبدو أن “هذه الكوارث تعد مغناطيساً قوياً يجذب الفاسدين”.
 
لكن الأزمة الصحية الحالية تعد الحدث الأبرز؛ لأنها غير مسبوقة في التاريخ الحديث؛ لذلك لا يمكن لصانعي السياسات الاعتماد على نفس خطط العمل التي أثبتت فاعليتها على أرض الواقع في أوقات الكوارث الطبيعية كالزلازل على سبيل المثال. ويشير كوكوتشكا إلى أن هذا الالتزام بإيجاد حلول ناجعة في مواجهة تهديد جديد مثل تلك الجائحة يصرف انتباه السلطات أكثر إلى اتجاهات أخرى “مما يترك المجال مفتوحاً أمام الفساد”.
 
لاحظ الباحثون الذين عملوا على التقرير أن جائحة كورونا كانت عاملاً مهماً من عوامل تسارع الفساد، وكان ذلك لافتاً للنظر بوجه خاص في البلدان التي ترسخ فيها المرض بالفعل. في أميركا الجنوبية، وجد “المركز الأميركي للعدالة الدولية” أن هناك شكوكاً بحدوث فساد في منح العقود الحكومية لبرامج مكافحة الجائحة في 12 دولة. وفي الصومال، الدولة الأقل تصنيفاً على مقياس منظمة “الشفافية الدولية”، أدين أربعة أعضاء في الحكومة في أغسطس/آب الماضي باختلاس أموال كانت تهدف إلى تمويل الخطة الوطنية لمكافحة الجائحة.
 
بالنسبة لهذه البلدان الضعيفة للغاية، فإن الصلة بين الفساد وجائحة كورونا تمثل حلقة مفرغة حقيقية؛ فالوباء يعزز بعض المخالفات التي تؤدي بالمقابل إلى تفاقم آثار الأزمة الصحية. في هذا السياق، تلخص نديج بوكيه، المندوبة العامة لمنظمة “الشفافية الدولية” في فرنسا لفرانس برس الوضع بعبارة واحدة: “الفساد قاتل”.
 
ويشير تقرير “الشفافية الدولية” إلى أن قطاع الصحة هو في الواقع أكثر القطاعات تضرراً من زيادة الفساد خلال العام المنصرم. فالحصول على الرعاية يتطلب أحياناً دفع بعض الرشاوى. على سبيل المثال، أجبر مستشفى في كينيا المرضى على شراء أقنعة واقية قبل أن يتمكنوا من الحصول على استشارة طبية. كما سعى بعض الموردين عديمي الضمير إلى زيادة تكلفة المعدات الطبية، وهو ما يمكن أن يبطئ من عملية توصيلها وتسليمها إلى المستشفيات المحتاجة. في ظل هذه الظروف، “أصبح الفساد عقبة إضافية في مكافحة الفيروس”، كما يلاحظ روبرتو كوكوتشكا.
 
بالنسبة لعموم الدول العربية، ففي الوقت الذي تصدرت فيه الإمارات وقطر المشهد العربي في مؤشر محاربة الفساد، يستمر العراق وسوريا واليمن في آخر المراتب. وبينما تراجع المغرب مقابل تقدم جزئي للجزائر، تعيش مصر وتونس بلدا “الربيع العربي” تجربتين متناقضتين تماماً.
 
وتعد سوريا في المرتبة ما قبل الأخيرة عالمياً، لا يوجد أسفلها سوى جنوب السودان والصومال اللذين حلا في المركز 179، بينما حلت سوريا في 178. وخسرت سوريا 12 نقطة منذ عام 2012 وتملك الآن 14 نقطة فقط، وهو وضع يكاد يكون طبيعياً.
 
وتقدمت الجزائر مرتبتين عن تقرير العام الماضي لتحل في المرتبة 104 على المؤشر. ويدرك المتتبعون أن البلد يعاني من أزمة فساد بنيوية، وليست المحاكمات الأخيرة لمجموعة من رموز نظام بوتفليقة سوى تجلٍّ بسيط لها، فهناك جرائم خطيرة تتعلق بنهب الأموال العمومية وتهريبها للخارج وتقديم رشاوى ضخمة والاغتناء غير المشروع.
 
فيما تراجع المغرب عن ترتيب 2019 بـ6 نقاط، ليحل في المرتبة 86، وترى المنظمة أن التدابير الاستثنائية التي اتخذتها الرباط استجابة لحالة الطوارئ “افتقرت إلى الرقابة وسمحت بإعفاءات خاصة لم تخضع الحكومة للمساءلة عنها”، وهو ما “شكل مخاطر كبيرة على جهود مواجهة سوء إدارة الأموال والفساد”. وهنا تشير المنظمة كذلك إلى اعتقال السلطات للصحفيين المستقلين، إذ تم اعتقال ثلاثة صحفيين ونشطاء إعلاميين على الأقل عام 2020.
 
وتراجعت مصر بتسع مراتب لتحتل المركز 117 بـ 33 نقطة. ومن أبرز المجالات التي توجه فيها الانتقادات لمصر الطريقة التي يتدخل بها الجيش في الحياة العامة مع ما يكتنف ذلك من غياب للشفافية وصعوبات للمساءلة. عكس ذلك، تقدمت تونس خمس مراتب لتحتل المركز 69، فرغم أن البلد يعاني من عدم استقرار سياسي ومن شبه إخفاق في معالجة المشاكل الاجتماعية، فإنه قطع بشكل كبير مع الفساد المهيكل.
 
مع ذلك، فإن الدول الأفضل تصنيفاً من قبل منظمة “الشفافية الدولية” ليست محصنة ضد فيروس الفساد في أوقات الأزمات الصحية. فرنسا على سبيل المثال تحتل المرتبة 23 في ترتيب المنظمات غير الحكومية، وهذا لا يمنع من أن يكون “تأثير الأزمة الصحية فيها على الفساد حقيقياً”، كما تقول نديج بوكيه: “لقد رأينا، على سبيل المثال، ظهور وسطاء ذوي نوايا سيئة سعوا إلى الاستفادة من الوضع عن طريق اختلاس الأقنعة أو المعدات الطبية”.
 
وتقول بوكيه إن منظمتها تأسف على مناخ الطوارئ في فرنسا الذي يعزز غموض عملية صنع القرار، مشيرة إلى أن ما حدث من “حل اللجنة الإعلامية في الجمعية الوطنية بشأن جائحة كورونا في البلاد يحد من فضاءات النقاش والمساءلة التي تقدم فيها السلطة التنفيذية تقارير عن حسن سير عملها”. كما تميل الحكومة نفسها، باسم ضرورة التحرك السريع، إلى تخفيف القواعد المتعلقة بمنح العقود العامة.
 
والخطر الحقيقي كما تحذر نديج بوكيه هو “إدامة إجراءات الطوارئ هذه”، لأنها تفتح الباب أمام إساءة استخدام محتملة وفساد، مؤكدة أنه “بالنسبة للبلدان مثل فرنسا والتي لا تقع في أسفل تصنيف منظمة الشفافية الدولية، ربما يكون تأثير الأزمة الصحية أكثر مكراً، ما قد يهوي بتصنيفها مستقبلاً نظراً لتزايد الفساد فيها.
 
في النهاية، يؤكد المؤشر أن “معظم البلدان لم تحرز سوى تقدم ضئيل أو معدوم”. وذلك في سنة شهدت جائحة كورونا التي استغلتها حكومات متعددة لصالحها. وحافظت ألمانيا على ترتيبها تاسعة في المؤشر، فيما كانت الصدارة من نصيب نيوزيلندا والدنمارك. المثير أن دولاً غربية أو تعد ديمقراطية حلّت بشكل متراجع نسبياً، منها فرنسا (23) وأميركا (29) وإيطاليا (52)، وهي الرتبة نفسها التي تقاسمتها هذه الأخيرة مع السعودية.