تجربة الشاعرة السورية ريم هلال اخترت البصيرة يا والدي البصير

تجربة الشاعرة السورية ريم هلال اخترت البصيرة يا والدي البصير

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٤ أغسطس ٢٠١٥

نضال حيدر :

في 19 نيسان 1960م وُلِدَت ريم هلال، وفي أعوامِها الأولى أَجمَعَت آراءُ الأطباء على وجودِ خللٍ في البقعةِ الصفراء الكائنةِ أقصى الشبكية، والمسؤولةِ عن تلقّي العينِ للضوءِ الخارجي، ومنذُ ذلكَ الوقت؛ بدأت رحلةُ المعاناةِ.. والتفوق.
من أولى المحطاتِ: مدرسةِ الكرمل باللاذقية، بدأت ريم هلال مشوارها الحافلَ بالمتاعبِ والأسى في العام 1966م ومنها إلى ثانويةِ البعث؛ حيثُ المرحلتان الإعدادية والثانوية، ومن ثمَّ الدخولُ إلى رِحابِ جامعةِ تشرين؛ وتحديداً كليّة الآداب والعلومِ الإنسانية «قسم اللغة العربية» بتفوقٍ واضِح.

بدايتها مع الغناء

ونتيجةً لمُجملِ الرياحِ العاتيةِ التي هبَّت على عالمِها من كلِّ الجهات؛ والتي «لم تقتلِعها من جذورِها» كانَ لا بدَّ لريم هلال من أن تكونَ شاعرةً.. لِمَ لا؟!.. وهي التي بدأت مشوارَها في الحياةِ منذُ نعومةِ أظفارِها معَ الغِناء، إذ تميَّزَت في أكثر من محطةٍ؛ وعلى أكثر من صعيدٍ، رغمَ الصعوباتِ التي كانت تستطيلُ أمامها جِبالاً منيعةً أزالتها من طريقِها بالجدِّ والمثابرةِ والإيمانِ الذي لا يعرفُ حدوداً.
منَ الغناءِ؛ تنتقلُ صاحبةُ الصوتِ الرخيمِ العذبِ؛ إلى التفوّقِ في الدراسةِ والشعرِ على حدٍّ سواء، وربَّما كانَ للزخمِ الهائلِ الذي لا يُمكِنُ للمرءِ تصورهُ أثر كبيرٌ، بدءاً بالآلامِ المتتابعةِ التي واكبتها منذُ ولادتِها وحتى اليوم؛ شلالات وجعٍ من ألف الحروفِ إلى ياءِ التفوّقِ، وإثباتِ قدرةِ الإنسان على استثمارِ إمكاناتِهِ المخبَّأَةِ تحتَ غبارِ الإهمالِ.

تمرَّسَت الصِعَابَ واستعذبتِ اجتيازها
لم تكُن الجراحُ المعنويَّةُ التي ألحقتها الأيام بريم هلال؛ لتُضعِفَ من عزيمتِها وإرادتِها، وهي التي تمرَّسَت الصِعَابَ واستعذبتِ اجتيازها، يواكبها في ذلكَ أم متفانيةٌ لا يعرفُ اليأسُ سبيلاً إليها، ووالِدٌ مثقَّفٌ مِعطَاءٌ كبيرٌ في كلِّ شيء، وإخوةٌ وأخوات؛ رفاقٌ ورفيقات؛ ساهموا قدر المستطاعِ في نزعِ الأشواكِ؛ باسطينَ عوضاً عنها أكاليلَ الورود.
ريم هلال: الأستاذةُ الجامعية

أنهت ريم هلال دراستها في قسم اللغةِ العربيةِ في جامعة تشرين باللاذقية في عام 1983م بتقديرِ امتيازٍ ومعدَّل «81.91%» ومن ثمَّ وبحماسةٍ لم يُقلِّل من جذوتِها سيلُ الصِعابِ الشديدةِ؛ تدخلُ مُعتركاً قاسياً؛ لتنالَ بإصرارِها الشديدِ في «5 أيار 1998م» درجة الدكتوراه. د. ريم هلال، الأستاذةُ الجامعية في كليَّةِ الآدابِ والعلومِ الإنسانية؛ هي اليوم بمنزلة الشجرةِ الوارفةِ، التي يستفيءُ ظلالَها طلابُ الأدبِ الحق؛ وتجربةٌ حيَّةٌ مُعاصِرةٌ؛ تُثبِتُ قدرةَ الإنسان على اجتيازِ المصاعبِ وتحقيقِ الذات.

ثلاثُ مجموعاتٍ شعريّة..
في رصيدِ د. ريم هلال ثلاثُ مجموعاتٍ شعريّة: «العرّافة 1995» والتي تُهديها قائلةً: «إلى رفيف.. قارئتي الأولى.. إلى رفيف شقيقةً وصديقة» وإذ تُبيِّنُ ريم هلال شفافيةَ الإهداء فإنها تقول: «.. فكثفتُ بهذهِ الكلماتِ القليلةِ؛ العلاقةَ المتميِّزةَ التي تقومُ بيننا.. فأنا أُشكِّلَ بالنسبةِ إلى رفيف منذُ طفولتِها وحتّى وقتنا الحاضرِ؛ القدوةَ التي تستضيءُ بها، ما دامت تُماثلني في وضعي الصحي، وتجد في تجربتي الحياتيةِ الناجحة؛ ما يلوحُ لها بضرورةِ التقدُّمِ وعدمِ الحذرِ منَ العراقيلِ التي تمكنتُ من اجتيازِها».
وفي عام 1997م تصدر مجموعتها الشعريَّة الثانية بعنوان: «كلُّ آفاقي لأغنياتك» تليها مجموعتها الشعرية الثالثة: «اسمي والأرض» في عام 1999م بعد عامٍ من نيلِها درجة الدكتوراه، وفي عام 2002م تصدرُ ريم هلال كتابها «البصر والبصيرة» ليكونَ بمنزلة «السيرةِ الذاتيةِ» لهذهِ المناضلةِ التي وصلت إلى ما هي عليها بدأبِها وإيمانِها.

ريم هلال و«البصيرة النافذة»
أخيراً: إن الشاعرة الدكتورة ريم هلال في تجربتها الغنية التي سكبتها في كتابها القيّم «البصر والبصيرة» أثبتت كم يحتاجُ الإنسان إلى البصيرةِ النافذة.. ولا عجبَ في ذلك، أليست هي من كتبَ في الصفحةِ الأخيرة من الكتاب؛ ذلكَ المقطعَ من الحواريةِ الرائعةِ الشفيفةِ المكثَّفة:
• «لو خُيِّرتِ ابنتي ما بينَ بصرِ هذهِ وبصيرتِكِ أنتِ فأيهما تؤثرين؟!..
• البصيرة يا والدي.. البصير».