الشعر واللؤم والموت القادم

الشعر واللؤم والموت القادم

شاعرات وشعراء

السبت، ٢٦ مارس ٢٠١٦

محمد خالد الخضر
قال الشاعر العربي:
أرى الكلب لا ينسى الجميل بلقمة
وإن يلقى منك الجور والطرد والضربا
ولو عاش في نعماك ذو اللؤم دهره
عليك لأدنى هفوة يعلن الحربا
هكذا كان الشاعر الحقيقي يرصد ما يدور في سلوكيات المجتمع نظراً لقدرته على المواكبة وعلى المعرفة لأن الشعر كما يراه الأقدمون هو أشد أنواع الفطنة والعلم إضافة إلى رقي الشعور والإحساس، فاللئيم هو ذلك الفرد الذي رآه الشعراء متجرداً من الإحساس والأخلاق والعواطف، فمهما تظاهر بالكرم والنعمى والتقدير فسيغدر بأقرب فرصة تسمح له أن يغدر، وعندما كتب الشاعر لم يقتصر على عصره، فهو يدرك تماماً أنه يشق الحجب ويذهب إلى التاريخ والمستقبل ويسجل حكمته الفريدة على مر الزمان وكأنه يتنبأ لعصرنا الراهن محذراً أصحاب الشأن كي لا يمزجوا بين مصلحتهم وواجبهم فيضطرهم أن يعطوا اللئيم حق غيره أو الخائن مكاناً لا يستحقه أو الجبان شأناً ليس أهلاً له، فهناك من أصحاب الشأن الثقافي من أعطوا شأناً لجبناء وأميين مقابل مائدة طعام ووليمة خمر أو هدية كانت ترسل عبر ناقلات الشحن.. فيفرض لهؤلاء ما يكتبونه برغم هزالته وضحالته ويصبح لسان هذا طويلاً بالفكاهة والسخرية والهزال.
وهناك من النساء من قمن بخيانة أزواجهن إرضاءً لطلب من صاحب شأن في مكان ثقافي ما فصدقن أنفسهن ورحن ينشرن ويكتبن ويصرخن وإن صادفن أي نقد فالكارثة كبيرة وكم صادفني خصام من هذا النوع.
وفي الحرب على سورية تقدم اللئيم على الكريم وأصبحت الساحة ملأى بالطاولات و بالسيوف الخشبية وملأى  بالخيول المهجنة و بالثعالب ولا يخلو الأمر من وجود الضباع.. وصار لابد من مسايرة هؤلاء لأن كل من يعرف القراءة والكتابة يدرك أن لابد من تطبيق نظرية الاستيعاب ونظرية الاستيعاب تلك كانت سابقاً لا تجوز إلا لحاويات الزبالة، فمن يتراكم الغلط في أعماقه يضطر أن يوازيها فعلاً فيستوعب كل شيء لأن مجموعها إلى هؤلاء لأدنى هفوة سوف يعلنون الحرب.
وهذا الأمر الذي جعل أدنى كويتب يصبح شاعراً ترك الشعر منزوع الحضور وصار الشاعر سخرية في قومه لأن المعايير صارت بلا أخلاق ولا تفكير، وصار اللئيم يقيم فعاليات ثقافية من دون أن يأبه برأي أحد، فأي قادر على تقديم منفعة له فلا بأس أن يكون شاعراً، وأي امرأة جميلة مهما كان تكوينها البنيوي فلا بأس أن تكون شاعرة.. وكلمة سأصنع منك شاعر أو شاعرة أصبحت دارجة وأصبحت أمراً عادياً لا يكلف إلا بعض التنازل من الأطراف جميعها فتنتهي القضية بولادة شويعر أو شويعرة أو كويتب أو كويتبة.
ولقد زادت المواقع الإلكترونية الطيب بلة فأصبحنا نرى من كل شكل وصنف ونوع دابة في ساحة الأدب والشعر.. لذلك لو امتلك هؤلاء شيئاً من الثقافة البيتين السالفين لأدرك أن هؤلاء أو ما سيفعلونه هو افتراسهم، لأن من يرضَ أن يأخذ مكاناً ليس مكانه فهو كالمحتل أو المغتصب أو العميل لا يستحق إلا الفناء والزوال بحكم حضوره الأخلاقي المؤقت الذي سيتقلب وينقلب بأقرب وقت.. وإن أشد على النفس ظلماً أن هؤلاء صارت لهم منظومات خطيرة يصعب تفكيكها بالأمر السهل.. وأكثر ما يخيف تشدقهم الكبير بالوطنية وما يدعونه من حب وإخلاص لمجتمعاتهم فيلبسون ثوب الوفاء ويتظاهرون بالنقاء.. ثم لا يخفى على أحد تمادي نزواتهم على مختلف أنواعها وأشكالها.. ولا يخفى على أحد أننا في عتمة ثقافية يوجد فيها كثير من اللؤم والادعاء والباطل والدجل وعدم احترام الماضي والحاضر وعدم التفكير بالمستقبل الذي يهدد بضياع أجيالنا القادمة وعدم فهمها أي شيء عن التاريخ وعن الحضارة وعن الثقافة ما دام الواقع مزيفاً لا اتجاه له ولا أساس.. فهل ستكون هناك صحوة في عصرنا تعيد لنا شيئاً من سلاح نحمي به حضارتنا وثقافتنا من اللؤم والخداع.. أم فات الأوان.. فالصحوة عينها قد لا تجدي نفعاً ولا تغني ولا تسمن من جوع، فالقضية أصبحت أكبر بكثير.. بأن هناك من يبحث عن هؤلاء وينمي نزواتهم وفجورهم ودجلهم ويستغلهم ليكونوا أدواته في تدمير الوطن أو على مستوى أوسع لتدمير الأوطان وتركها مرتعاً للصهيونية صاحبة الأطماع التي لا تنتهي.