أخطاء المصطلحات الشعرية الشائعة … هل ينتبه شعراء اليوم إلى المصطلحات أم إنهم تجاهلوها إلى غير رجعة؟

أخطاء المصطلحات الشعرية الشائعة … هل ينتبه شعراء اليوم إلى المصطلحات أم إنهم تجاهلوها إلى غير رجعة؟

شاعرات وشعراء

الأحد، ٨ مارس ٢٠٢٠

بعد عقودٍ من التنظير الذي ابتدأته الشاعرة العراقية نازك الملائكة تحت مسمى الشعر الحر، لا يزال هذا المصطلح يشكل فخاً شعرياً لكثير من الشعراء، ولبعض الدارسين في المجال النقدي للشعر، ومع أن نازك الملائكة ليست صاحبة الأسبقية في كتابة قصيدة التفعيلة، التي أسمتها شعراً حراً، ولا حتى صديقها اللدود بدر شاكر السياب، والأحقية لمـــُغْفَل الحق الشاعر بلند الحيدري في ديوانه «خفقة الطين»؛ إلا أن التنظير الخاطئ الذي أدرجته نازك الملائكة، نسب الأمر إليها، ومثله تكرر خطأ المصطلح إلى اليوم، فالشعر الحر، مفهوم تم التنظير له في المدرسة الآنجلو ساكسونية في غرب أوروبا، ويبدو أن الملائكة اطلعت عليه وابتدعت المصطلح، واليوم نقرأ في قصيدة النثر، تنظيراً مشابهاً ويطلق عليه اسم الشعر الحر، وكأن توق أبناء الشرق إلى مفهوم الحرية جعلهم يلصقون هذا المصطلح لماماً مع كل نوعٍ أدبي أو شعري يوقّعون أسماءهم عليه.
 
والت ويتمان عرّاب الشعر الحر
اطلع الشعراء الرواد على ترجماتٍ نقدية للشعراء الفرنسيين والإنكليز، وترجموا مصطلحاتهم، ثم أتبعوها بترجمةٍ لقصائدهم، ولكنهم لم يدققوا بالمعنى الحرفي لبنية المصطلح، أو أنهم قاربوها مقاربة خاطئة دون أن يجرؤوا على خلع أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي دفعةً واحدة، فالتطور في البنية الإيقاعية للشعر الأوروبي والغربي بشكلٍ عام لم يحدث بشكلٍ فجائي، بولادة قيصرية مستعجلة كما حدث مع الشعر العربي، بل إنه احتاج قروناً حدثت فيها تغيرات في بنى المجتمع والسياسة والاقتصاد والمذاهب الفكرية والفلسفية ومع كل مرحلة كان ينعكس أمر التغيير على الشعر، يأخذ الشعر من المرحلة ويعطيها، وهذا ما لم نعرفه في تغييرات الشرق العربي الحادة التي كانت عدائيةً له في كل مرحلة من المراحل، وعليه لا بدّ من الارتكاز أن مصطلح الشعر بعد سنوات من التوهان، يرجع إلى الشاعر الأميركي المؤسس والت ويتمان Walt Whaitman هو أبرز من أطلق قصيدة الشعر الحر، مع أن التنظير لهذه القصيدة قد يبدو صعباً، فأغلب النقاد الغربيين يجدون صعوباتٍ غير محسومة الأبعاد، لكن الأثر الواضح لكتاب ويتمان «أوراق العشب» الذي ظل ينقحه طوال حياته، على الشاعر الفرنسي شارل بودلير Charles Baudelaire رغم كل المحاولات التي سبقت قصيدة الشعر الحر لتظهر لكن بودلير كان المسبب الأساسي في شهرتها والبدء بالاشتغال على مماثلٍ لها.
قصيدة التفعيلة العربية تقابلها القصيدة المرسلة في الغرب
 
لكن السؤال الأهم كيف استطاع شعراؤنا تحديد منهجية خاصة بقصيدة التفعيلة، ليطلقوا عليها اسم الشعر الحر؟ في جوابٍ مقتضب على هذا السؤال يمكن القول إن ما قدمه الشعراء هو رغبة دفينة في الخروج عن الوزن الواحد للبيت مع الخوف المسبق من الرفض فاضطروا إلى الحفاظ على جزئية من الصنعة في قصيدة التفعيلة، مع إلغاء القوافي، لكن بنية البداية كانت كلاسيكية ولم تخرج من عباءة الفراهيدي إلا في الشكل فحسب، والحقيقة إذا أردنا المقاطعة مع المصطلحات فإن المصطلح الأقرب لمصطلح قصيدة التفعيلة في الغرب ما يسمى الشعر المرسل، الذي تؤكد دراسة أنه أول ما ظهر كان على يد إيرل الذي ترجم الإنيادة لفيرجيل، فاستخدم في كل بيت خمسة مقاطع صوتية « بالمعنى العربي تفعيلات» مع المحافظة على أسلوب الوزن الغربي، لكن مع اختفاء القافية التي تربط أواخر الأبيات بشكل كامل، ومقصود. إذاً إن المصطلح المقابل لقصيدة التفعيلة في شعرنا العربي تقابله قصيدة الشعر المرسل في الشعر الغربي.
 
قصيدة النثر العربية
هل هي نفسها في الغرب؟
اعتمد الأدب الغربي على اعتبار قصيدة النثر على النصوص التي تكتب أفقياً على الصفحة البيضاء وليس عمودياً، ولقد سميت هذه القصيدة بهذا الاسم لكونها ترتكز على النص النثري المفاجئ الذي يعتمد على الروح الإخبارية كعامل أساس والعمق الغنائي الوجداني، والمجازي، وأما منحى اختلافها عن النثر العادي فيكمن في أنها تعتمد الإيقاع الداخلي والصور الشعرية المفاجئة والتقطيع اللغوي والبصري، المنفلت من كل القيود التي سبقتها، ويمكن اعتبار أن إليزيوس برتران Elysius Bertran الشاعر الفرنسي هو أول من كرس نمط قصيدة النثر كجنس أدبي، اعتمد فيها على الفانتازيا، والصور المنبثقة من دهشة الرؤية ليتأثر به فيما بعد بودلير- يبدو بودلير حسب الدراسات قارئاً ليكون اسمه دائماً في أوائل المتاثرين -، ويكون الفرنسيون الذين ترجم عنهم العرب بالدرجة الأولى في الأربعينيات من القرن الماضي أول من نشروا هذا المصطلح واعتمدوا تكنيكه، ولكن هل انحرف المصطلح في القصيدة العربية التي ناهز عمرها الستين عاماً عن شكلها الأساسي لدى الفرنسيين؟
يبدو واضحاً أن معظم ما ينشر اليوم تحت مسمى قصيدة النثر أن أخذ بعين الاعتبار، بشعريته الحقيقة ولرواده المؤثرين، يكمن في خط القصيدة الحرة وليس قصيدة النثر، إلا ما قل أو ندر من الشعراء الذين ارتكزوا بشكل أساسي على القصيدة النثرية ببنيتها الأساس، فالإخبارية والصور المدهشة نجدها في شعر محمد الماغوط, على سبيل المثال لا الحصر فيما كان سابقاً يرتكز على قصيدة التفعيلة حد انقطاع النفس، ولا يمكن إغفال الاشتغال الذي بنى عليه الشاعر السوري أدونيس الذي كان واعياً تماماً للأنواع الشعرية المختلفة وكتب في مختلف الأنماط من قرر أن يتخلى تدريجياً وبخطوات محسوبة عن أوزان التفعيلة ليقدم نماذج في قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر توزعت بين كتبه الأخيرة حتى احتلت لغتها ونمطيتها الخاصة به.