ضربة المعلم.. ما الذي سيكسبه ملوك الدبلوماسية السورية من جنيف 2 ؟

ضربة المعلم.. ما الذي سيكسبه ملوك الدبلوماسية السورية من جنيف 2 ؟

مؤتمر جنيف 2

الجمعة، ٢٤ يناير ٢٠١٤

اول سؤال قد يوجهه السيد وليد المعلم عندما تبدأ المفاوضات غير المباشرة في جنيف الى السيد احمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري هو: من تمثلون. هل تملكون القدرة على تنفيذ اي اتفاق يمكن التوصل اليه؟
السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي سيقوم بتنقلات مكومية بين غرف الوفدين حاملا الاسئلة والاجابات عليها، وهي مهمة صعبة بكل المقاييس، لان الوفد الرسمي السوري يملك الكثير من الاسئلة وكذلك خصمه المعارض، وقد ينتهي الاسبوع المقرر للجولة الاولى دون الحصول على اي اجوبة حاسمة، هذا اذا لم تحصل انسحابات رغم نفي الطرفين ذلك.
من يفهم الغرب جيدا، وطريقة عمله، ومنهج تفكيره، يدرك انه يريد اولا بدء العملية التفاوضية، وانخراط الاطراف المعنية فيها، وتبديد حالة الرفض والتهيب وانعدام الثقة، في المرحلة الاولى على الاقل، بحيث يصبح الانتقال الى مرحلة المفاوضات المباشرة اكثر تقبلا وقبولا من الطرفين.
بالنظر الى عمليات التفاوض السابقة التي اشرفت عليها الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، يمكن استخلاص ظاهرتين اساسيتين كانتا العمود الفقري، والقاسم المشترك فيها:
*الاولى: التركيز في البداية على القضايا الثانوية السهلة التي يمكن الاتفاق حولها، وترك القضايا الصعبة الى مرحلة لاحقة، وهذا ما حصل بالضبط في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية (غزة اولا)، والمفاوضات الامريكية الايرانية حول برنامج ايران النووي (درجات التخصيب).
*الثانية: اجراء مفاوضات سرية موازية بعيدا عن الاعلام واعني رجاله الفضوليين، هنا نضرب مثلا بالمفاوضات السرية التي سبقت توقيع اتفاق اوسلو (كانت تتم في وقت كان وفد منظمة التحرير يتفاوض في واشنطن بقيادة حيدر عبد الشافي).
***
ونضيف مثلا آخر وهو المفاوضات الامريكية الايرانية السرية مرة اخرى في سلطنة عمان التي ادت الى الاتفاق النووي الشهير وسط تكتم شديد، ودون علم حلفاء واشنطن المخلصين مثل المملكة العربية السعودية التي تجمعها مع سلطنة عمان عضوية مجلس التعاون.
القضايا “السهلة” التي ستكون محور جولات وقف اطلاق النار في مدينة حلب كبداية (لاحظوا غزة اولا)، والثانية تبادل السجناء والاسرى مفاوضات عباس ونتنياهو الاخيرة والافراج عن دفعة اسرى)، والثالثة توفير ممرات آمنة لايصال مواد الاغاثة وفك الحصار عن المناطق المحاصرة.
اختيار البدء في التركيز على القضايا السهلة يهدف الى ابقاء الطرفين داخل مصيدة المفاوضات، وعدم انسحاب اي منهما، وعلينا ان نتصور لو كانت اول نقطة على جدول مفاوضات (الجمعة) مستقبل الاسد في “هيئة الحكم الانتقالية”؟! فان طرح قضية خلافية صعبة وحساسة كهذه سيفجر المؤتمر في الدقيقة الاولى.
مبادرة النظام السوري التي حملها السيد وليد المعلم الى موسكو وتتضمن قبوله بوقف اطلاق النار في حلب بداية، وتبادل الاسرى تعكس خطوة على درجة عالية من “الدهاء”، لان النظام الذي راهن دائما على تعميق الانقسامات في صفوف المعارضة، يعلم جيدا ان السيد الجربا لا يملك تفويضا من الغالبية الساحقة من الجماعات المقاتلة على الارض السورية، وان حليفه وداعمه السعودي، سيواجه صعوبة في الحصول على موافقة هذه الجماعات على تطبيق مثل هذه الاتفاقات، فهذه الجماعات، والاسلامية المتشددة منها على وجه الخصوص، رفعت السلاح من اجل اسقاط النظام وليس التفاوض وعقد اتفاقات معه، تطيل من عمره، وتكرس شرعيته، وهذا احد ابرز انقساماتها، وخوض حرب اهلية فيما بينها داخل حرب اهلية قائمة.
النظام في دمشق يلعب على عنصر الزمن، ويرى ان التطورات العسكرية على الارض تسير وفق مخططاته، وبات مطمئنا الى عدم حدوث اي تدخل عسكري غربي لاسقاطه، ووجهة نظره هذه تنطوي على بعض الصحة، فالانظمة تسقط، مثلما علمتنا التجارب في منطقتنا في حالتين: الاولى التدخل العسكري الخارجي، والثانية حدوث انقسام في الجيش، والاولى مستبعدة، والثانية لا توجد اي مؤشرات على قرب حدوثها، والنظام السوري خرج من عنق الزجاجة او اوشك في نظر العديد من المراقبين في الغرب.
***
النظام السوري حقق نجاحا جزئيا في الجلسة العلنية الخطابية لمؤتمر جنيف الثاني عندما قدم نفسه ضحية “مؤامرة ارهابية” خارجية ووصلت الجرأة بالسيدة بثينة شعبان مستشارة الرئيس الاعلامية الى حد مطالبة امريكا بالمساعدة لمواجهتها، باعتبارها عانت اي امريكا من الارهاب نفسه، وحريصة على حماية الاقليات الدينية في سورية يقول النظام انه يوفرها لها.
المفاوضات التي ستنطلق غدا ستطيل من عمر النظام حتما، وقد تقصر من عمر المعارضة في الوقت نفسه، (الائتلاف الوطني) لانها تفتقد الى الشرعية التمثيلية، فالسيد المعلم سيعود والوفد الذي يترأسه الى مرجعيته في دمشق للتشاور معها حول ما يحمل في جعبته من اسئلة ومقترحات اولية، ولكن الى اين سيعود السيد الجربا ونصف الهئية السياسية لائتلافه مستقيلة، او رافضة لذهابه الى مؤتمر جنيف؟
ما يمكن استخلاصه من رصد تطورات اليومين الماضيين السياسية وتصريحات المسؤولين الغربيين هو ان امريكا تفضل “احتواء” نظام الرئيس بشار الاسد وليس “اسقاطه” تماما مثلما فعلت مع حليفه الايراني، ولا نستغرب، او نستبعد، ان تكون المعارضة السورية، اول ضحايا هذا التحول الامريكي.