كي لا تضيع البوصلة.. جنيف2 لا يعني حرف الصراع ..بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

كي لا تضيع البوصلة.. جنيف2 لا يعني حرف الصراع ..بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

مؤتمر جنيف 2

الثلاثاء، ٢٨ يناير ٢٠١٤

التعاطي الإعلامي والدبلوماسي الحالي مع مؤتمر جنيف2 وربطه ببنود ومقررات مؤتمر جنيف1 يتضمن تعمداً ملحوظاً يحرف طبيعة الصراع الدائر ليس في سورية فحسب وإنما في المنطقة وإفراغه من محتواه باتجاه تكريس فكرة أن الصراع بدأ من سورية كنتيجة لتراكمات سياسية مجتمعية وانتشر أفقياً إلى دول الجوار بما بات يهدد أمن واستقرار المنطقة، وهذا ما ألمح إليه جون كيري في مؤتمره الصحفي الأخير, وبالتالي نلمح إصراراً من بعض الدول التي رعت المشروع العداوني على الاستفاضة في تفاصيل شكل الوفد المعارض الذي سيحضر المؤتمر ومدى القوة السياسية والدعم الدولي الذي يحظى به هذا الفريق لفرض شروطه ككيان سياسي يحاول تقمص شرعية لم تكن يوماً مستمدة من الشعب بقدر ما كانت نتيجة جناية اقترفتها تلك الدول المارقة التي انتهكت القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في سعيها لإسقاط دولة عضو في الأمم المتحدة باستخدام العناصر الإرهابية والمرتزقة والتدخل في شؤونها الداخلية.
الاتصالات التي تسبق مؤتمر جنيف تشير إلى أن هدف الولايات المتحدة وأنظمتها الوكيلة في المنطقة هو البحث عن تبرئة ذمة أو إجراء عملية تنظيف الذات من الجرائم المرتكبة في سورية من خلال تصوير الصراع بأنه حرب داخلية بمسمياتها المقيتة المتعددة طائفية أو أهلية أو مواجهة بين الدولة وما يطلقون عليهم حالياً مصطلح المتمردين، وبالتالي فإن الإعلام وما يتم تداوله في الأروقة السياسية يتجه إلى بحث السبل لإنهاء تلك الحرب التي صورت بأنها داخلية لظنهم أن المجتمع الدولي سيشرب هذا الكأس ويثمل ويطرب من التبدل في نهج الولايات المتحدة، بينما الحقيقة تتمحور حول الإجابة عن تساؤلات جوهرية، هل كان الانفجار الداخلي في سورية ناتجاً عن أسباب ومشغلات داخلية، أم أنها مشغلات دولية ضمن قرار إشعال المنطقة تراتبياً حتى وصلت إلى سورية؟ وهذا يقتضي قبل جنيف أن نسمي الأمور بمسمّياتها وأن نفرق بين العدوان كجريمة دولية وبين ما يجري الحديث عنه كحرب أهلية، ومن الانتقاء الدقيق للمصطلح تتوضح سبل المعالجة أو ما هو المطلوب التوصل إليه في جنيف2.
من هنا فاللقاء الباريسي الذي جمع سيرغي لافروف وجون كيري مع المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي تضمن توافقات وخطوطاً إيجابية اقتصرت على المصطلحات دون معانيها، حيث انفرد كل طرف بتفسيره الخاص، فكلا الطرفين يقرّ بضرورة وقف العنف والحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة وضرورة الممرات الإنسانية لإيصال المساعدات ومحاربة الإرهاب، لكن في الوقت الذي يشير فيه الروسي إلى مسؤولية دولية يحاول الأمريكي التركيز على ذات المسائل لكن في إطار الحدث السوري فقط، حتى عندما يتحدث عن محاربة الإرهاب ويصف داعش والنصرة كتنظيمات إرهابية لا يعطي إجابات حول سؤال هام، من يدعم تلك المجموعات في العراق ومن أنشأها بداية ومن ينسق مع السعودية لتزويدها بالسلاح؟ أو حول اندماج النشاط الإرهابي في العراق مع العناصر المقاتلة في سورية، إنها نفس التنظيمات التابعة للقاعدة التي تهدد أمن واستقرار لبنان وتقاتل في ليبيا وتشن عمليات تخريبية ضد روسيا والعديد من الدول الأوروبية بينما ترخص في إفريقيا لتدخّل القوات الأمريكية والفرنسية بحجة الحرب على الإرهاب؛ هذا يعني أن ما تعانيه سورية هي مسألة تتجاوز البعد الجغرافي السوري لتشكل خطراً يهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم ككل، ولم يعد سراً أن هناك دولاً بعينها تقف خلف تلك التنظيمات بغية تنفيذ مشاريع لا تتوقف عند حد إسقاط الدولة السورية بقدر ما هي استراتيجية جديدة ترعاها الولايات المتحدة بينما تنفذها المملكة العربية السعودية.
وعندما يتكلم لافروف وكيري عن وقف العنف لبدء العملية السياسية قبل جنيف، فإن المقاصد تختلف، فروسيا وسورية تعلمان بأنه على الدول المشغلة للتنظيمات الإرهابية والتي ستشارك في جنيف الضغط عليها لوقف العمليات العسكرية واستهداف المدنيين والاعتداء على النقاط العسكرية السورية وتدمير البنى التحتية، عندها سيكون بمقدور الجيش العربي السوري التزام مواقعه وتطبيق وقف لإطلاق النار وهذا لا يمكن حتى للأطراف المشغلة تحقيقه في ظل انفلات تلك العصابات والاقتتال الدائر بينها، بينما تحاول واشنطن من خلال المصطلح وضع شرط مسبق لخلق استحالة التطبيق.
وعندما يدور الحديث عن ممرات إنسانية يختلف المقصد والغاية بين الرؤية السورية – الروسية وبين دهاء واشنطن، فالتقارير تشير إلى أن المجموعات الإرهابية المسلحة هي من يمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة والتي تسيطر عليها، فالكلام الروسي موجه لتلك المجموعات وللدول المشغلة لعدم استخدام المدنيين ومعاناتهم الإنسانية كدروع بشرية وكورقة تمهد لواشنطن تمرير مفهوم مغلوط عن الممرات الإنسانية أو الآمنة التي تعني نقاط فصل وطرق تشرف عليها قوات أممية، أي تدخل عسكري غير مباشر.
وعلى هذا الأساس فهل يمكن حصر جنيف2 كبوابة للحل السوري بمن يمثل الوفد المعارض السوري؟ وهل يملك هذا الوفد في حال كان له أدنى تمثيل للشعب السوري أن يحسم الحرب بامتداداتها اللوجستية والاستخباراتية والعدوانية ذات الأجندات المتعددة والتي تغدو فيها الجغرافيا السورية مجرد مساحة لتصادمات بأجندات سياسية مختلفة؟
إذا قلنا بأن ما يجري في سورية هو شأن داخلي ينتظر جنيف2 لبلورة جانب من الحل الذي يفضي إلى إطلاق عملية سياسية حول شكل سورية في المستقبل ونوع التركيبة السياسية فسنسقط في محدودية الاستنتاج والتفكير وبالتالي الكفر بالحقيقة الراسخة حول الأدوار التي تلعبها تلك الأطراف الدولية والإقليمية وتدخّلها السلبي في هذا الشأن وسنكون قد أغفلنا الجانب الهام من اللعبة الأممية.
المطلب الحقيقي في جنيف2 ليس ترجمة جنيف1 للذين لا يجيدون القراءة أو يحرفون الكلام لغير مواضعه، وليس المطلوب أن يكون مغطساً لاغتسال القاتل وتوزيع صكوك البراءة من دم السوريين ولا تقزيم المشكلة من حرب دولية إلى حرب داخلية وعملية سياسية تحت رقابة المجتمع الدولي، المطلوب تسمية الأشياء بمسمياتها ووضع الأسس الثابتة لمحاربة الإرهاب الدولي وربط مقرراته حول هذه النقطة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والإشارة بالبنان إلى الدول المتورطة وتعزيز مبدأ السيادة وعدم التدخل في شؤون سورية الداخلية، عندها فقط يمكن القول بأن الحل بشقه السوري يمكن أن يتحقق داخلياً وسورياً وبإرادة السوريين أنفسهم.