الإعلام .. قوة ناعمة .. بقلم: سامر يحيى

الإعلام .. قوة ناعمة .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٢١ مايو ٢٠١٨

 عندما نستذكر اللوحات الفنية لمرايا الكاتب القدير ياسر العظمة، والتي غالباً ما كانت تحاكي الواقع، لا يذهب عن بالنا ذلك الرجل الأنيق الوطني الذي لا يسمح بخيانة وطنه ويسلّم فتاةً تريد تهريب مبلغاً زهيداً بالنسبة له، لتكون المفاجأة بنهاية الحلقة أنّه هرّب بسبب قيامه بالوشاية بهذه الفتاة مبلغاً يزيد على ثلاثين ضعفاً عن المبلغ الذي هرّبته....
 إنّها للأسف حكاية فيها الكثير من الواقعية، لا سيّما في انتشار مدّعي الوطنية، في وقتٍ تخالف أفعالهم أقوالهم، وكما هي النظرية ضرورية، ولكنّها ستبقى حبيسة أدراجٍ وحديثٍ يتناقل، يبث البؤس ويشيع اليأس في النفوس، ما لم تترجم بأفعالٍ ونلمس نتائجها على أرض الواقع بشكلٍ مباشر، وتنطبق على الواقع المعاش بشكلٍ إيجابيٍ وبنّاء، ونقطف ثماراً تنبئنا بأنّ الثمار المستقبلية أكثر نضجاً وحلاوة وغزارة، مهما كانت التحديّات المتوقّعة أو غير المتوقّعة، لأنّنا إن لم نتقدّم إلى الأمام خطوة، فهذا يعني تراجعاً للخلف خطوات، وتقدّمنا نتيجة سير الحياة الطبيعي الناتج عن نجاحات القيادة السياسية والجيش العربي السوري، ينقصه الكثير من العطاء والعمل لنضاعف الإنجازات، ونزيد الاستثمار، لا سيّما أنّنا في شهرٍ كريمٍ تتبارى فيه وسائل الإعلام، بشتّى انتماءاتها، وبطبيعة الحال شركات الإنتاج لتقديم برامجها وفواصلها ومسلسلاتها، مركزةً على كل ما يدغدغ المشاعر العاطفية، بحجّة نقل الواقع كما هو، متجاهلةً الدور الأساس لها بأنها قوّة ناعمة في يد هذه المؤسسة الوطنية، بحيث تكون رسالةً اجتماعية حقيقية هادفةً تظهر الواقع، وتعالج المشكلات بطريقةٍ صحيحة محبّبة للمشاهد، تدرس الموضوعات المجتمعية والصورة الذهنية التي تعمل على رسمها وإيصالها من كل النواحي، بعيداً عن الشخصانية والتبريرات المغلّفة بالدسم.
  إن الحقل الإعلامي اعتماده الأساس على العمل الجماعي، لكي يؤتي النتائج الملقاة على كاهله، المتمثلة بالوصول إلى قلب المشاهد وعقله، وتعزيز الانتماء الوطني والولاء الوظيفي، والتنشئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحتى الإنتاجية، أنّى كان مكان هذا المواطن أو دوره، ومن ينظر لحم الأموال التي أنفقت في هذه الفترة لو تم توظيفها بالشكل الصحيح لتجاوزنا الكثير جداً من العقبات، وبدأ الشهر الكريم بدايةً رائعةً موفّقة، بل وجذب الكثير من المشاهدين كما عملت التغطية المباشرة التي استقطبت فئات لم تكن تؤمن بالإعلام الوطني.
  إن الحرب على سوريتنا هي جزءٌ من حربٍ ضد المنطقة العربية، بقيادة عرابها الصهيوني برنار هنري ليفي، بهدف تشتيت جهود الشباب العربي، وسورية قلب العروبة النابض بشكلٍ أساس، وهنا علينا أن ندرك أننا نرتكب خطأ عندما نشخّص المرض دون أن نصف العلاج، كما أنّه لا فائدةً من تشخيص المرض ووصف العلاج ولم نتناول الدواء، ولا فائدةً إن بقينا نكرّر نفس العبارة ونكرر أنفسنا ونفتخر بإنجازٍ ضمن حدودٍ طبيعية وروتينية لبلدٍ يمتد بجذوره إلى بدء التاريخ.
       هل عجز الإعلام الوطني بكافة انتماءاته ومؤسساته، بما فيها المسلسلات والبرامج عن الاستفادة من المشروع الوطني للإصلاح الإداري لكي يكون جزءاً أساساً وبناءً في تعزيز وتطوير عملية بناء المؤسسات الوطنية وتعظيم عملية الإنتاج في كل المؤسسات، وابتكار سبل وتحويلها من نظريات وتنظير إلى برامج حقيقة تعبّر عن الواقع وترفع الوعي المجتمعي بكل مناحي الحياة.
 وهل عجزت هذه المسلسلات عن تعظيم الانتماء الوطني بشكلٍ اساسٍ بدلاً من إيجاد الحلول في الحلقة الأخيرة، أو أن تكون الأعمال الإيجابية في زاوية من الزوايا ـ فض عتبٍ في الكثير من الأحيان ـ فيا ترى هل سنفكّر ونقيّم بشكلٍ دقيقٍ ما حصل هذا العام لنبدأ لما بعد رمضان، لتكون صياغتنا وطنية نابعة من حرصنا على الوطن، وقدرتنا على العطاء والإبداع ضمن الإمكانيات المتاحة والتي لو بحثنا بها جيداً لوجدنا أن استثمارها بالشكل الصحيح الصائب لأتت ثمارها أضعافاً مضاعفةً...
الجرأة لا تعني الخروج عن الخط الوطني، بتشويه دور المؤسسات بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، بل الإعلام هو صوت المموّل له، والإعلام الوطني المفترض أن يكون صوت الشعب لدى الحكومة، وصوت الحكومة لدى الشعب، بوصفها مسؤولة عن إدارة موارد الدولة، فهل نميّز بين الجرأة والخط الأحمر، وبين الوطنية والانتماء ونقل الحقيقة ورفع الوعي المجتمعي، بما يساهم بتحويل البرامج الموجودة إلى أكثر إيجابيةً وعطاءً، ووضع الرؤى الحقيقية الصائبة قبيل بثّها على الشاشة لا بعد بثّها أو أثنائه أو خلاله، بل ضرورة عقد جلسات نقاش ولقاء وحوارٍ مع المتخصصين بكل المجالات ضمن ورشات عملٍ وندواتٍ دورية وحقيقية للنقاش والحوار لا للظهور والتنظير والبحث عن المصالح الشخصية بعيداً عن مصلحة الوطن، لتحقيق تلك المعادلة، ويكون كل مواطن مدركٌ لمسؤوليته الوطنية والمجتمعية، وتتحمّل المسؤولية الكاملة الملقاة على عاتقها في مرحلة إعادة بناء الإنسان السوري نتيجة استهدافه بشكلٍ مباشر، من أعداء الوطن والإنسانية، مستغلي الثغرات والظروف التي نمرّ بها، والاهمال المتعمّد من الكثيرين تحت حججٍ لا منطقية متجاهلين ضررها على المستقبل البعيد مهما كانت مبرّراتها بالنسبة للبعض منطقية، لكّنها مدمّرة للوطن وإنتاجياته ومصداقيته، ما أحوجنا ليعزز العمل الإعلامي بشتّى أشكاله ووسائل الانتماء الوطنين والوظيفي، كلٌ لمؤسسته ولمنطقه ومنطقته، ما دام الإطار الجامع الشامل هو الجمهورية العربية السورية، بمقدّساتها الوطن العلم القائد، قلب العروبة النابض من المحيط إلى الخليج بكل أوردته وشرايينه.
     إن الدراسة الجدية للإمكانيات المادية التي دفعت خلال موسم رمضان الحالي، لو وظّفت بالشكل الصحيح لكنّا خرجنا بأفضل البرامج الإذاعية والتلفزيونية، لا سيّما لو حقّقنا التشاركية الحقيقية والتفاعل الجدي بين مؤسسات الإعلام نفسها، مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، والمؤسسة العربية للإعلان، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، بوضع خطّة متكاملة فيما بينها لاختصرنا الكثير من الوقت والجهد والتعب واستطعنا الخروج بصورةٍ أكثر نضارةٍ وأكثر حيويةً وتأثيراً بل وجذباً للمشاهدين، ويحقق الهدف المنوط من هذه المؤسسات، لاستثمار العقل، والمنتج، والمبدع، والمستثمر، وحتى المشاهد السوري الاستثمار الأمثل، عبر نقل الواقع كما هو، وإيجاد الحلول الحقيقية الجدية القابلة للتطبيق على أرض الواقع، وتشجيع المواطن على الإنتاج في أي مكان كان به، وخلق أفكارٍ وفرصٍ وعصفٍ فكري لدى المشاهد.
     سوريتنا مسؤولية الجميع، ودماء الشهداء ستحاسبنا جميعاً، والرضا عن دور كل منا في مؤسساته لا شكّ أنّه سيؤدي لتأخير وتعطيل العمل في المؤسسة، إنّما من الواجب أن يكون انتماؤنا الوطني، وانتماؤنا الوظيفي دافعاً لنا للبحث عن أفضل السبل لتعظيم انتاجيتنا والبحث عن الوسيلة الأفضل للوصول للهدف الأمثل الذي ننشده جميعاً..