الأردن.. خيارات محدودة.. بقلم: سمر سامي السمارة

الأردن.. خيارات محدودة.. بقلم: سمر سامي السمارة

تحليل وآراء

السبت، ٩ يونيو ٢٠١٨

خلال أيام قليلة قدم رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي استقالته، وتم تكليف وزير التعليم عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة. لكن كيف، وإلى أي مدى، يمكن لدولة صغيرة مثل الأردن أن تقاوم مثل هذا الاضطراب الاجتماعي الحاد في منطقة مضطربة كالشرق الأوسط؟
مر الأردن بظروف اقتصادية أسوأ بكثير من الظروف الاقتصادية الحالية، وقد بدأت الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الخبز منذ 6 أشهر من قبل مجموعة من العاطلين عن العمل في أماكن معزولة، وتطورت إلى مظاهرات منظمة تضم مجموعات متعددة وآلاف المتظاهرين. وحاولت الحكومة تخفيف بعض الآلام المرتبطة بارتفاع الأسعار من خلال التحويلات النقدية المباشرة إلى الأفراد ذوي الدخل المنخفض، لكن القضايا كانت هيكلية، ولا تختفي تلك الأنواع من القضايا بين عشية وضحاها.
لكن نادرا ما كانت الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي بمثل هذا العمق والاتساع كما هو حال احتجاجات اليوم. ويعد الأردن دولة صغيرة مع موارد طبيعية محدودة، ولا يمكنها فعل الكثير للتحكم بأسعار السلع المستوردة، وتعتمد بدرجة كبيرة على التمويل الخارجي. وكما فعلت في الماضي، لجأت الحكومة الأردنية إلى صندوق النقد الدولي عام 2016 للحصول على قروض جديدة للتعامل مع تزايد العجز في الميزانية والديون، وقد نفذت كجزء من خطة إعادة الهيكلة، تدابير تقشف شملت خفض الدعم على عشرات السلع والخدمات بما في ذلك بعض المواد الغذائية الأساسية، كما فرضت ضريبة 10% على السلع الزراعية.
وطوال أسبوع كامل، تمكن النظام الأردني من السيطرة على الاضطرابات التي لم تهدد حتى الآن علاقات الأردن الأمنية مع جواره الإقليمي، ولكن ليس هناك ما يضمن أن يظل الأمر على هذه الحال إلى ما لانهاية، فالبلاد بحاجة إلى طريقة لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية الأساسية على المدى الطويل، وهناك أمر واحد مؤكد، وهو أن عدم الاستقرار بصورة كبيرة في الأردن سيكون له عواقب على الشرق الأوسط بأكمله.
ولدى الولايات المتحدة مصلحة قوية في الأردن الذي تعتبره شريكا أمنيا موثوقا، وقد خدم كمركز لوجستي مهم في الحرب الأمريكية ضد تنظيم الدولة الأسلامية “داعش”، وأي شيء قد يعرض هذه العلاقة للخطر يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية.
ويرى الصحفي البريطاني ديفيد هيرست أن أحداث اليوم لا تشكل بكل تأكيد إعادة لسيناريوهات 2011، بل هي أكبر من ذلك. ويرى أن احتجاجات عاميّ 1989 و199 كانت قبائل المحافظات الريفية هي من حرَّكتها، أما ما نشهده الآن هوَ أوَّل احتجاجاتٍ جماهيرية في تاريخ المملكة المعاصر، مع اندلاع 46 مظاهرةٍ مختلفة في مختلف مُدن البلاد. وكان الإضراب العام حدثاً وطنيا لا يمكن توقعع بعد بضع أيامٍ من مغادرة وفد صندوق النقد الدولي الأردن، بعد أن أجرى مراجعته الثانية لـ برنامج الإصلاح الاقتصادي للبلاد.
ويرى هيرست أن هناك سخرية واضحة تتجلى في أحداث الأردن؛ إذ إنَّ البلد الذي أبقَى على مَلِكه وتفاخَرَ بعدم انضمامه لرَكب “الربيع العربي” في 2011، هو الآن بؤرة موجةٍ جديدة من الاستياء الشعبي.
ولدى الملك عبدالله الآن خيار واضح ليتخذه، فبإمكانه الاستجابة لرغبات محمد بن سلمان، وأن يقبل بأن يصبح الأردن تابعا آخر للسعودية أو يمكنه أن يبرِم صفقة يحتفظ بموجبها بوصايته على الأقصى، ولكن في مقابل التخلي عن القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطينية.
وبحسب هيرست حينها ستتدفَّق المساعدات والنفط السعودي مرةً أخرى، وكذلك الصادرات عبر الحدود، وبذلك يمكن تخفيف أزمة ميزان المدفوعات المزمنة.