ما وراء ضفتيّ الفرات.. بقلم: وليم ياسين عبد الله

ما وراء ضفتيّ الفرات.. بقلم: وليم ياسين عبد الله

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٨

في الضفة الشرقية للفرات، وبعد أن شربت الأرض من دماء الكثيرين من العرب والأكراد والدواعش، بدأت قوات التحالف الجزء الثاني من مسرحيتها في التحضير لإعلان دويلة افتراضية صغيرة للأكراد لا تقوم لها قائمة وإنمّا حالة إعلامية لا أكثر من ذلك (على ما أظن).
في الأيام القليلة الماضية بدأت قوات التحالف ببدء عروض الجزء الثاني من مسرحيتها، وكانت من خلال إلقاء آلاف المنشورات فوق المناطق الواقعة شرق نهر الفرات وباعتبار أنّ الاعتماد الأكبر في هذه الحرب على الإعلام والصورة فقد توّلدت الكثير من التساؤلات حول المنشورات التي رماها طيران التحالف فوق المناطق شرقيّ الفرات والنصيب الأكبر كان لمنطقة “هجين”.
بدأت هذه التساؤلات حول تغيير التسمية بين منشور وآخر ففي أحد المنشورات نرى اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وآخر “داعش” و آخر “الدولة الإسلامية” ثم “المهاجرون”، من ضمن هذه المنشورات استوقفني منشور الورقة النقدية السورية ذات قيمة الألف ليرة، وتساءلت لماذا؟؟؟
-لماذا استخدموا الورقة النقدية السورية رغم أنّ الجهة التي تنصّب نفسها حاكماً ليست إلاّ فصيلاً مسلحاً لا علاقة له بالدولة السورية؟؟ إنّ طباعة إعلان على ورقة نقدية هو نوع من الرشوة أو المكافأة أو صيد الجوائز وقد أصبح صيد الجوائز عملاً شبه معروف في مناطق الجزيرة السورية وقد انتشر هذا العمل إبّان سقوط الفرقة 17 حيث عمل الكثير من العرب والأكراد ومن المنشقين على البحث عن الجنود التائهين في الصحراء وتسليمهم لتنظيم داعش مقابل مبالغ مالية تختلف حسب اختلاف رتبة الجندي الأسير.. التساؤل الثاني لماذا عملة سورية وليست دولاراً؟؟!! فالجهات التي سيتم تسليم المهاجرين إليها لا تستخدم العملة السورية، لماذا لم يتم طباعة الإعلان على ورقة نقدية من فئة دولار؟؟
لماذا يتم تسمية داعش بالمهاجرين؟؟ وإن كانت داعش وقوات سورية الديمقراطية مدعومتين أميركياً فكيف تطالب أميركا أن يسلم أزلامها بعضهم لبعض؟؟؟
ثمّ مَنْ سيسلم مَنْ؟؟ فالكل أجير أميركي هناك، إذاً الحملة هي إعلامية فقط وتخطط لشيء آخر غير القضاء على داعش.
دخلت على الرابط الموضوع على الورقة النقدية لأعرف ما هي اللعبة هنا وظهرت بوجهي تلك الصورة “اختر القطر” فهناك ثلاثة بلدان، سورية والعراق والأردن وبخلفية سوداء كالخلفية التي تستخدمها داعش، هل هذا نوع من إلغاء فكرة الحدود بين هذه البلدان واعتبار أنّ المنطقة هنا قد أصبحت منطقة نفوذ أميركي بشكل رسمي، وهناك محاولة لاعتبار قوات سورية الديمقراطية هي الممثل الرئيسي لقوات التحالف على الأرض؟؟ أيمكن أن يكون نوع من التمهيد لإطلاق فكرة دويلة كردية هشّة تسقط بأي لحظة أو حسبما تتغير الأمور والموازين؟؟
في الضفة الأخرى للفرات يقف غجر الحرب متأملين هذه المنشورات التي حملها الهواء لهم، يقرؤونها ويحاولون معرفة ما يريده العدو في تلك المنطقة، تحدثت وإياهم يوماً كاملاً على أخذٍ وردّ وهم يبحثون عن المنشورات ويرسلونها لي…
في الحقيقة، لم يكن النقاش الذي دار بيننا هو الذي يثير اهتمامي بقدر ما كنت أشعر بالغبطة وأنا أتحدث معهم ونتناقش وكم لفتني حجم الثقافة التي يتمتعون بها وهم محاربون احتياط واحتفاظ لهم ثماني سنين في هذه الحرب وأسميتهم غجر الحرب والآن لا أعتقد أنهم غجر حرب بقدر ما هم حصن ياسمين منيع يلفّ سورية من كل جهاتها، يستبسلون في الدفاع عن الأرض ويرابطون بكل صبر وعزيمة في وجه قوات التحالف ينظرون تارة إلى الموت المتربص بهم من الشرق، وتارة إلى صور ورسائل يحتفظون بها على أجهزتهم من الأحبة في الديار التي خرجوا منها منذ ثمانية أعوام ولم يعودوا حتى هذه اللحظة.