تأطيرٌ أَم تَدجين: «نُشطاء العنكبوتية» في قبضةِ اتحاد الصحفيين!

تأطيرٌ أَم تَدجين: «نُشطاء العنكبوتية» في قبضةِ اتحاد الصحفيين!

تحليل وآراء

الأحد، ٤ نوفمبر ٢٠١٨

فرنسا- فراس عزيز ديب
فجأة، رأيتُ نَفسي في الحُلم وأنا ماثلٌ بينَ يدي كبير المثقفين، وقد أحاطَت بهِ لجنةٌ للاستثقاف وبدؤوا بسؤالي: أصحفيٌّ أنت؟
قلتُ ما عاذ اللـه، أنا يا سيدي مجردَ ناشطٍ في عالمِ الحمامِ الزاجل، أتبادل التبريكات والأخبار مع أبناءِ الولايات المُجاورة، يرسلونها لي عبر حمامِهم، وأُعيدُها لهم عبر حمَامي، أما مهنةُ الصحافة تلك فهي منبوذةٌ والعياذ باللـه.
ضحكَ كبير المثقفين وسألني، تبريكاتٌ أم أفكار؟ فأجبتهُ باختصار: بالتأكيد تبريكاتٌ يا سيدي، وهل جُننتُ أنا لأسمح للأفكار بالدخول إلى حِصنكم المنيع، كن على ثقة أني مستعدٌ لأقصقِص جناح الفكرة من جذورها، ولن أسمح لها أن تلوث روتين ثوابتكم.
ابتسم كبير المثقفين وأوعزَ إلى لجنةِ الاستثقاف باعتمادي كوني لستُ صحفياً، بل مجردَ ناشطٍ، وعندما علا التصفيق في المجلس استيقظتُ من النوم، فلم أر كبير المثقفين، ولا حتى لجنة الاستثقاف تحديداً المكرَّمات مِنهنّ والمكرَّمين، عندها أدركتُ أني عدتُ لذاكَ الواقِع الذي كنتُ قبل أن أنام قد قرأتُ فيهِ خبراً مفاده: اتحاد الصحفيين يشكل لجنة للإعلام الإلكتروني لوضع المقومات الأساسية لتأطير العاملين في الإعلام الإلكتروني، عندها تذكرت لماذا أنكرتُ في منامي أساساً أني صحفي، بل قد لا نستغرب إن أنكرَ العديد من صحفيي سورية مستقبلاً انتماءهم لهذه المهنة، كيف لا وهم الساعون منذُ زمنٍ للانضمامِ إلى اتحادِ الصحفيين دون التمكّن من ذلك، وقد يجدون ضالتهم اليوم لمجرد التقدم بمسمى: ناشط في الإعلام الإلكتروني.
ربما من أهم إيجابيات قرار تشكيل هكذا لجنة أنها ذكرتنا بوجودِ اتحادٍ للصحفيين في سورية، لكن ومنذ ظهور القرار إلى العلن نهاية الأسبوع الماضي، أصبح مثارَ تندّرٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاعتباراتٍ عديدة، لكن في المقابل ألا يبدو أن من حق اتحاد الصحفيين البحث عن توسيعِ القاعدة المنضوية تحت أمرته، تحديداً أن هناك الكثير من العشوائية فيما يسمى الإعلام الإلكتروني والخلط بينه وبين مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم التمييز حتى اللحظة بين الناشط الفيسبوكي والصحفي، لماذا لا نحاوِل أن نجد ولو إيجابية واحدة في هكذا قرار قبل تصويب سهامنا عليه؟
يقول نص القرار في توصيف عمل اللجنة: إن مهمة اللجنة المشكلة وضع المقومات الأساسية لتأطير العاملين في الإعلام الإلكتروني، وضم فعالياتهم إلى فعاليات الاتحاد وتقديم الدعم للفعاليات الإعلامية الفاعلة في هذا المجال بما يدعم «المنظومة الوطنية للإعلام»، التي تجمع الأنواع الإعلامية المختلفة باعتماد التكامل فيما بينها سعياً وراء تكريس الوظيفة التنموية للإعلام كمكون أساسي من مكونات المجتمع.
في هذه المادة هناك العديد من التساؤلات التي يجب أن يكون لها جواب، وبمعنى آخر، امتازت الكثير من القوانين وقرارات تشكيل اللجان المرتبطة بالعمل الإعلامي بفرضية «العبارات المطاطة»، التي تُبقي مجالاً للالتفاف هنا وتجاوزاتٍ هناك نطرح أهمها:
أولاً: ماذا تعني كلمة تأطير؟
لغوياً، فإن تأطير الشيء بأن يُصنعَ له هيكل عامًّ يحدِّد معالمه، واقعياً فإن هذه الكلمة مرتبطة بخلقِ كيانٍ جديد له إطار ينضم إليهِ مجموعة من المشتَّتين وغَير المُعَرّفِين، هذا الأمر نراهُ في القوانين التي تُعرِّف وتُحدِّد وتُنظم الكيان القانوني لمن يمارسون مهنة ما، تحديداً تلك المهن التي كانت نتيجة منطقية للتطور التكنولوجي والمعلوماتي، لكن هذا الأمر ليس من وظيفة لجنة يشكلها الاتحاد العام للصحفيين، هذا الأمر مرتبط بالسلطة التنفيذية، فالقانون 108 لعام 2011 الخاص بقانون الإعلام أوجدَ في مقدمتهِ تعريفاتٍ لكل هذه العبارات من بينها التمييز بين «الموقع الإلكتروني» و«الوسيلة الإعلامية الإلكترونية»، وبالتالي فإن العاملين في هذه الفئة هم أساساً يخضعون لمبدأ المحاسبة والتوصيف لقانون الإعلام، وانتماؤهم لاتحاد الصحفيين يجب أن يكون نتيجة منطقية لعملهم في وسائل إعلام سورية مرخصة أصولاً، وليس منحة من أحد.
لكن يبدو هذا التأطير تتداخل فيهِ مفاهيمَ ثانية لا علاقةَ لها برغبة الاتحاد بتوسيع الشريحة المنضوية تحتَ لوائه، وإلا لكان من الأفضل المسارعة بقبول طلبات الانضمام من صحفيين معتمدين ولديهم باعٌ طويلٌ في العمل الصحفي في سورية، وبمعنى آخر، القضية لا تبدو تأطيراً بقدر ما تبدو تدجيناً لمن يرونه مناسباً للغةٍ إعلاميةٍ خشبية عفا عليها الزمن.
ثانياً: من هم العاملون في مجال الإعلام الإلكتروني؟
هل هم فعلياً عاملون لا يحملون الشهادات العلمية التي تؤهلهم للعمل الإعلامي لكنهم يمتلكون الموهبة في الكتابة والتحرير، عندها سنسأل هل يعملون في مواقع إلكترونية سورية مرخصة أم لا؟ عندها فلا يصبح هؤلاء بحاجة لـ«تأطير» لأنهم أساساً يمارسون عملاً بطريقةٍ مرخصة.
لكن للأسف هناك من يجبرنا أن نقعَ في جدليةِ من أتى قبل الآخر البيضة أم الدجاجة، وبمعنى آخر: التكنولوجيا تخدم الصحافة، لكنها لا تُنتج صحفياً، التكنولوجيا تخدم كُتّاب الرأي والدراسات الإستراتيجية لكنها لا تُنتج كاتب رأي ولا باحثاً استراتيجياً، إلا إن كنا نصدق أن البحث الاستراتيجي هو بالكلام على الشاشات، البحث الاستراتيجي بحاجةٍ لنتاجٍ فكري على الورق ينطلق من بديهيةٍ أساسية: قل لي كم كلمة تكتب أقل لكَ من أنت.
هناك من يريد تركيبَ ذات السياق في الإعلام الإلكتروني، هناك من صدق مثلاً كذبة «العمل الإعلامي الإلكتروني التطوعي»، كيف يمكن أن يكون تطوعياً وهم كانوا قادرين على التصوير في أماكنَ لا يستطيع الطائر أن يحلّق فوقها؟ تحديداً عندما تتحول صفحات الفيسبوك إلى وسيلة إعلامية، وعندما نريد أن نحوِّل الناشطين الفيسبوكيين الذين أسسوا مواقع إخبارية إلى صحفيين.
إن الإعلام الإلكتروني بافتراضنا أنه بديل للصحف المقروءة، فهذا لا يعني أبداً أن الأسس تتبدل، ولكي تتضح الصورة سنعطي مثالاً بسيطاً: في صحيفةِ «الوطن» هناك موقع الجريدة الرسمي، وهناك موقع «الوطن أونلاين»، في كلا الموقعين هناك محررون وكُتاب وصحفيون يؤدون عملهم التحريري بوضع الأفكار وتحرير الخبر، ليأتي في النهاية دور هذين الموقعين فيوظفا التكنولوجيا في خدمةِ هذه الأفكار وضمان وصولها للشريحة الأوسع، لكن من يقوم باستخدام لوحة التحكم في كلا الموقعين لإدراج الخبر على الموقع الإلكتروني في زاويتهِ المناسبة ليس بالضرورة أن يكون صحفياً ولا حتى موهوباً في الكتابة أو التحرير، قد تستعين الوسيلة الإعلامية بالصحفيين لديها، وقد تكتفي بـ«فني معلوماتية» لأن الأمر ليس بهذا التعقيد، هنا التكنولوجيا خدمت الوسيلة الإعلامية.
لا يمكننا النظر للأمر بذات السياق عندما يتعلق بمن لا يقدم فكراً ولا حتى نصاً كتابياً متوازناً، كل ما يقومون به هو القص واللصق ونسميه إعلاماً إلكترونياً، هذا الأمر ببساطة أشبهَ بغسيلِ الأموال، وغسيل الأخبار، ربما هو مصطلح جديد يمكننا تسميته: غسيل المهنة.
ثالثاً: ماذا عن الثواب والعقاب؟
هذا السؤال يجعلنا نفكر، هل أن حال المؤسسات الإعلامية التي تحترم نفسها يشبه إلى حدٍّ بعيد مواطناً سورياً يرى جاره الذي يعرفه تماماً، ويعرف أنه قتل وحرض وسرق ونهب، لكنه يتمشى أمامه بتفاخرٍ وهو عائدٌ إلى حضن الوطن، دون أن يتمكن هذا المواطن من القيامِ بردةِ فعلٍ تجاهه.
في الإعلام لا يختلف الأمر كثيراً، فالمواقع الإلكترونية التي يسعى اتحاد الصحفيين لتأطير العاملين فيها تقوم بمعظمها وبشكلٍ يومي بسرقةِ المواد الإعلامية من صحيفة «الوطن» مثلاً، دون مراعاةٍ لذكر المصدر ودون حتى مراعاة للأمانة الصحفية، بل بعضهم يتجاوز الأمر ليذيِّل المقال بعبارة «خاص»، تُرى هل سنرى فعلياً تطبيقاً لهذه المحاسبة نقابياً أو إعلامياً لأن القانون وصّفها بشكل دقيق وسماها «سرقة»، كونكم تريدون إقناعنا أنكم تسعون لدعم «المنظومة الوطنية للإعلام»؟
باختصار واقع الأمر يقول: لا، بل على العكس إن القائمين على هكذا سرقات نراهم مُكرمين بل يُعتبرون مرجعيات في العمل الإعلامي بما فيها الإلكتروني، ربما هي مفارقة وربما هي مصادفة لكن مع الحالة الإعلامية السورية نقابياً وعملياً، وتكريمياً لا يوجد شيء اسمه مصادفات، بل يوجد شيء واحد فقط تختصرها عبارة بسيطة: لا أملَ من إصلاح هكذا منظومة، الحل يحتاج للكثير من القرارات الشجاعة التي تعتمد مبدأ الهدم وإعادة البناء، عدا عن ذلك فإننا نعيش أوقاتاً إعلامية هي أسوأ بكثير مما كانت عليهِ قبل عشر سنوات، بل ربما هي الأسوأ، وحتى يتحقق ذاك الإصلاح دعونا نغطُّ في نومٍ عميق، لا ندري عسانا نكرر الحلم ونهتدي فترانا نصفِّق مع المصفقين ونطبِّل مع المطبلين، عندها فقط سنحصل على شهادةٍ بالوطنية، بل الأدق عندها فقط سنكون في نظر أصحاب اللغة الخشبية مجردَ مواطنين صالحين، تخيلوا أن يصبحَ لقب كهذا، حُلماً.