الجولان أرضٌ سورية.. سنعيدها حرباً أو سلماً.. بقلم: فراس عزيز ديب

الجولان أرضٌ سورية.. سنعيدها حرباً أو سلماً.. بقلم: فراس عزيز ديب

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ نوفمبر ٢٠١٨

هكذا قال مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري خلال اجتماعٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويتِ على قرارٍ يؤكدُ حقّ السيادة السورية على الجولان السوري المحتل ورفض الإجراءات الإسرائيلية فيه. هذا الكلام وإن جاءَ متناغِماً مع الحالة الشعبية في الجولان السوري المحتل الذي رفضَ أبناؤه الاستسلام لما تفرضهُ عليهم حكومة الاحتلال من إجراءات تطبيعية، رافعينَ شعار «الجولان أرض سورية مش بحاجة هوية»، لكنه بذات الوقت رسالةٌ في عدةِ اتجاهاتٍ وبمعنى آخر:
لاشيء يريح الكيان الصهيوني والعصابات الإرهابية التي تنفذ مشيئتهُ هنا وهناك أكثر من كلمةِ «سلم»، ولا شيء يزلزلهُ أكثر من كلمةِ «حرب»، لكن هذه المقاربة لا تبدو فقط مرتبطةٌ بما يجري مع عدونا الجنوبي، فأعداء السلم في العالم بمجملهم يتاجرون بكلمة «سلم» للابتزاز وهم في الأساس بنوا إمبراطوريات الدم التي يحكمونها بمنطقِ «الحرب»، هم يريدون أن يطبقوا على الآخرين ما كانوا قد رفضوه بأنفسهم، لتبدو دعواتهم للسلم أشبهَ بدعوة نظام آل سعود للديمقراطية في سورية، لتمر الأيام القليلة الماضية وتقدم لنا صورةً واقعية عن معنى الصراع بين «واقعيةِ الحرب»، و«نرجسية السلم»، فكيف ذلك؟
أولاً: حرب اليومين على غزة
بالحجارةِ و«الشباشب» طُرد السفير القطري في غزة مطلعَ الأسبوع الماضي من المناطقِ التي تشهد «مسيرات العودة»، أرادت المشيخة التي ينتمي إليها السفير المطرود أن تشتري أمن الكيان الصهيوني بـ«المنحة القطرية» لدفع رواتب الموظفين في القطاع، سقطت الطموحات القطرية تحديداً أن المقاومة الفلسطينية التي صمدت ليومين وكبدت العدو خسائرَ كبيرة دفعته للاستعانة بـ«مصر السيسي» لفرض تهدئةٍ ما، وما تعنيهِ الطموحات القطرية بما تمثلُ لدول الاعتدال العربي بزعامةِ «مصر السيسي» التي يريدها ترامب قائداً لـ«ناتو عربي» مزمع تشكيله.
هذا السقوط لايجب المرور عليهِ مرور الكرام، تحديداً من قبل الذين كفروا بالمقاومةِ والمقاومين بسببِ ماعانيناه من ازدواجيةٍ تصل لحد الخيانة للنهج المقاوم من قبل القادة السياسيين لحماس، فحماس لا تختصر المجموعات المقاومة في الأراضي المحتلة، والجناح السياسي لحركة حماس ليس اختصاراً لكل المقاومين، أما الجناح العسكري فهو كان ولا يزال يغرِّد خارج سرب الابتزاز المالي والدعم الخليجي ولو كان هذا الكلام بالاتجاهِ المعاكس لاستطاعت الأموال القطرية وقف التصعيد في غزة، بل وربما لباع الجناح العسكري لحماس والجهاد الإسلامي معاً أسلحتهما للكيان الصهيوني.
كذلك الأمر لا يجب علينا أن ننكر أن هذا الصمود في غزة خلخل حكومة العدو، ولعل استقالة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان خير دليلٍ على ما تم انجازه، هو أمر لم يحدث منذُ سقوطِ حكومة ايهود أولمرت بعد انتصار المقاومة في لبنان 2006، هي ضربة قوية ليس لحكومة بنيامين نتنياهو فحسب، لكنها ضربة لنتنياهو شخصياً والذي قد يكون الأخير في السلسلة التقليدية لقادة حكومات العدو، لكن ما هو أهم هو خوف نتنياهو نفسه من إمكانية الدعوة لانتخاباتٍ مبكرة وبمعنى آخر:
في الحالة العربية دائماً ما نقول لا تتفاءلوا بموتِ ملكٍ أو سقوط زعيم لأنه ومنذ رحيل الزعيم عبد الناصر حتى اليوم وتحديداً في الدول غير المعنية بالحرب مع الكيان الصهيوني، لا يرحل ملك أو رئيس إلا ليأتي أسوأ منه. في الحالة الإسرائيلية يتكرر ذات الأمر فـ«إسرائيل» اليوم تعيش حالةً من صراع الوجود، هي تعي أن النهاية تقترب لذلك تبدو وكأنها بحاجة لزعيمٍ أكثر تطرفاً. عقودٌ مرت وهناك من يحاول أن يقنع العالم بأن لدى الإسرائيليين من هو قادرٌ على صنعِ السلام، حتى مجرم الحرب أرييل شارون وغيرهِ كانوا يتسترون بغطاء السلام، أما من فكّر فعلياً بالسيرِ نحوهُ فسقط شعبياً قبل أن يسقطَ رسمياً، آخرهم كان شمعون بيريز الذي أصغى لنصيحة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بضرورة تنفيذ ما يسمى «وديعة رابين» للسلام مع سورية، وعندما حاول إجراء انتخاباتٍ مبكرة سقط بالضربة القاضية. هذا يعني ببساطة أن الناخب الإسرائيلي هو بالنهاية مجرم حرب أكثر من الذين ينتخبهم، وهذا يعني أن التوجه الإسرائيلي في حال حدوث انتخابات مبكرة سيكون نحو الأكثر تطرفاً وهو «أفيغدور ليبرلمان»، ففرص نجاحه قائمة لكنها بالنهاية قد تبدو شبهَ مستحيلة لأن «إسرائيل» لن تسمح بوصول شخصٍ على شاكلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يجردها من ورقة التوت التي كانت تتستر بها، وصول ليبرلمان يعني صراعاً مفتوحاً مع الروس، ويعني كذلك الأمر صراعاً مفتوحاً مع الأوروبيين الذين يرون به صورة عن اليمين المتطرف الأوروبي، وكأنهم يريدن إقناعنا بأن بقية الزعامات الصهيونية هي حمامات سلام، والأهم هو صراعٌ مع رجال الدين اليهود أنفسهم والذين كانوا ولا يزالون يؤمنون بالرواية التلمودية:
ستسقط إسرائيل عندما تخسر حرباً، فعن أي سلامٍ نتحدث؟!
ثانياً: احتضار اتفاق سوتشي
هل سقطَ اتفاق سوتشي الذي تم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان حولَ إدلب أم لم يسقط؟ السؤال هنا باتَ قديماً لأن اتفاق سوتشي ساقطٌ منذ لحظةِ إعلانه، ومحاولاتِ بثّ الروحَ فيهِ لإطالةِ عمرهِ عبر التصريحات الروسية كانت ولا تزال محاولاتٍ يائسة لاستشفاءِ مريضٍ دخل عملياً مرحلة الكوما، فلا النظام التركي يمتلك فعلياً إرادة تنفيذ الاتفاق وهو الذي يلعب على عشرين حبلاً بذات الوقت، ولا هذا الخزان الهائل من الإرهابيين والمتطرفين سيكون هناك من يدعي إمكانية السيطرة عليه، والنتيجة كما هي خرقٌ شبه يومي للاتفاق من قبل المجموعات الإرهابية على عدةِ محاور يرتقي بسببها شهداء وجرحى من الجيش العربي السوري والقوات الرديفة وضياع فكرة «الحل السلمي» في غياهب الشعارات الراديكالية والمتطرفة.
هذا الضياع يبدو مردّه الأساسي لتبدل الظروف التي تحكم النظام التركي، فهو مازال يكذِب في إمكانية ضبط هذه التنظيمات الإرهابية لأنه أساساً لم يستطعْ حتى الآن وقفَ الاقتتال بينها وتمدد جبهة النصرة الإرهابية في تلكَ المناطق، كذلك الأمر فهو لا يرى نفسهُ اليوم كما كان قبلَ عدةِ أشهر يومَ اضطر للتوقيعِ على الاتفاق، يومها كان محاصراً وكان الأميركي يرفع في وجههِ سيف العقوبات الاقتصادية لإطلاق سراح القس أندرو برانسون.
اليوم تبدلَ الوضع، فالولايات المتحدة فتحت نفقاً من الأمل لعلاقاتٍ جديدةٍ مع النظام التركي، كذلك الأمر فإن قضيةَ مقتل الصحفي الإخواني جمال خاشقجي رفعت من أسهمِ النظام التركي لدى البيت الأبيض الأميركي، فالقضية مازالت مفتوحة للبازار التركي الذي يريد الابتزاز بما يدعي من معلوماتٍ لديه، بل إنه لا يرى نفسهُ قادراً على أن يبتز الروس فقط بقضية سوتشي وتعديلَ الخيارات، لكنه بذات الوقت قادر على أن يبتز الأميركيين بقضية شرق الفرات وفتح اللـه غولن، هذا الأمر فيما يبدو تنبهت إليه وكالة الاستخبارات الأميركية التي كانت ولا تزال تقف مع البنتاغون في صراعها مع دونالد ترامب، وبدأت تحاولُ سحب البساط شيئاً فشيئاً عندما بثت اليوم تسريباتٍ عن تورط ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان شخصياً بمقتل الخاشقجي، ربما كان الهدف مزدوجاً:
الأول، منع ترامب من السير بعيداً في التغطية على ابن سلمان مقابل الاستمرار بالابتزاز المالي، والمستهدف هنا ليس ترامب فحسب بل الأسرة الحاكمة في مملكة القهر ككل، وبمعنى آخر يصر البنتاغون على إعادة تدوير النفايات الحاكمة في المملكة وصولاً لترتيبٍ جديد في المُلك وولاية العهد وهو ما زال ترامب يرفضه.
الثاني، منع أردوغان نفسهِ من السير بعيداً بابتزاز الأميركيين بقضية فتح اللـه غولن أو الشرق السوري، ومن الواضح أن الأميركي لن يعطيهِ أي شيء إلا كسلةٍ متكاملة، وبمعنى آخر، سقوط اتفاق سوتشي وخروجٌه من العباءة الروسية، هنا يتجسد لنا الحال الذي تمسي عليه كلمة «سلم» عندما تتحول إلى مادة للتجارة، فلا التنظيمات الإرهابية تعرف معنى الحلول السلمية ولا الذين يدعمونها يمتلكون أساساً إرادةً كهذه.
باختصار: حرب أو سلم كان ولا يزال شعاراً عريضاً يخفي خلفهُ واقعاً مراً علمتنا إياه تجارب الشعوب وتجربتنا كسوريين، فمن الجولان إلى إدلب هي ليست حرباً أم سلماً، هي حرب.. أو حرب.
الوطن