السياسة الروسية واتفاق سوتشي.. بقلم: أنس وهيب الكردي

السياسة الروسية واتفاق سوتشي.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٨

موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إبرام اتفاق سوتشي مع نظيره التركي رجب طيب ‏أردوغان، كانت مفاجأة إلى حد بعيد، إذا ما قورنت مع المواقف التي أطلقها خلال قمة طهران. ‏
اختار الرئيس الروسي اعتماد الآلية الروسية التركية الثنائية لتهدئة الوضع في إدلب، عوض ‏أن يبقي المسألة خاضعة للآلية الثلاثية الروسية الإيرانية التركية التي قامت عليها عملية أستانا. ونص الاتفاق على إمكانية زيادة الأتراك عديد قواتهم في إدلب ومحيطها من دون ‏الإشارة إلى الضامن الثالث لعملية أستانا (إيران). زاود أردوغان ومضى خطوة أبعد طامحاً إلى ‏إدخال إدلب ضمن آلية تنسيق جديدة. ودعا إلى عقد قمة رباعية على البوسفور جمعته ‏وبوتين إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. بذلك، وجدت ‏طهران نفسها مستبعدة عن المسرح الدبلوماسي بشأن القضية السورية، على الرغم من أن كل ‏المناورات العسكرية غير ممكنة من دون دور إيراني فعال. ‏
هذه المناورات تشمل إبقاء الضغط على المجموعات الإرهابية والمسلحة المتمركزة في إدلب ‏وريف حلب الشمالي، كما تضمن ممارسة الضغوط على الوجود الأميركي في شرق سورية. وهو ‏يصب في طواحين السياسة الروسية بعد اتفاق سوتشي، والذي قلبت بنتيجته موسكو توجهها ‏في سورية من حسم مصير إدلب قبل نهاية العام الجاري، وحل مسألة الشرق السوري خلال ‏العام المقبل 2019، إلى فتح مصير المنطقتين معاً، وبالتوازي، واستخدامهما لمنع أي اتفاق ‏أميركي تركي في الشمال السوري، وهو الاحتمال الذي برز بشدة خلال التحضيرات العسكرية ‏لعملية إدلب في الصيف الماضي. ‏
رفعت موسكو حدة انتقاداتها للدور الأميركي في شرق سورية بعد اتفاق سوتشي، وزادت من ‏عديد قواتها في مناطق من محافظة دير الزور، وهي الآن بصدد زيادة الضغط الدبلوماسي ‏على الأميركيين والأتراك، معاً، من خلال لعب ورقة «التمثيل الكردي» في اللجنة الدستورية، ‏وربما كان هدفها الأوسع دق مزيد من الأسافين بين أنقرة وواشنطن، وإظهار أن العرقلة ‏الأساسية لعملية السلام السورية تأتي من الخلافات التركية الأميركية حول التمثيل الكردي، ‏والدعم الأميركي لمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بيدا) في إقامة «سلطة موازية» أو ‏‏«شبه دولة» في شمال شرقي سورية. ‏
مع موافقتهم على عدم التصعيد الشامل في إدلب، سيتدرج الروس بممارسة ضغوط ميدانية ‏داخل إدلب وشرق سورية، تستهدف ضبط الدورين التركي والأميركي وجعل أنقرة تفكر مرتين ‏قبل المضي قدماً في طريق التقارب الأميركي التركي، وفي نفس الوقت قضم المزيد والمزيد من ‏المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين واسترجاعها إلى سيطرة الجيش السوري. والأفضل ‏لروسيا أن تترافق الضغوط الميدانية مع تصادم تركي أميركي على طول الحدود السورية ‏التركية، في المناطق الخاضعة لسيطرة مسلحي ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي ‏تقود «قوات سورية الديمقراطية» (قسد). ‏
على الصعيد الإقليمي، تبدو موسكو وكأنها بصدد مزيد من الانفتاح على المحور المصري ‏الإماراتي السعودي. تريد روسيا اتخاذ خطوة جديدة تجاه هذا المحور، تماشياً مع رغبتها في ‏المحافظة على دورها في الشرق الأوسط، بوصفها اللاعب الدولي الأشد قرباً إلى المحاور ‏الإقليمية المتنافسة من قربها إلى بعضها البعض. فالنقلة الجديدة في العلاقات الروسية ‏التركية بعد اتفاق سوتشي وافتتاح المرحلة الأولى من السيل التركي، توازت مع الدعم الروسي ‏لإيران في مواجهة العقوبات الأميركية الجديدة. ولا شك أن تسمية السفير الروسي في الإمارات ‏ألكسندر يفيموف سفيراً لبلاده إلى دمشق جاءت كإشارة إلى المحور السعودي المصري ‏الإماراتي. ‏
قادت العمليات العسكرية حول الغوطة الشرقية، مصر، للعودة إلى مجموعة «أصدقاء ‏سورية» التي تقودها واشنطن، وترافق ذلك مع زيادة السعودية والإمارات لدورهما ضمن ‏المجموعة، التي باتت وظيفتها دعم المشروع الأميركي في شمال شرق سورية، بوصفه حاجزاً ‏أمام اللدّين الإيراني والتركي. وعلى حين تدرك موسكو هذا الأمر، إلا أنها تعرف أن مواجهتها مع ‏الولايات المتحدة في سورية هي مسألة من مسائل الصراع الدولي المعقدة، وأن المحافظة على ‏مرونة دبلوماسيتها في الشرق الأوسط تتطلب تطوير روابط إيجابية مع المحاور الإقليمية ‏المتصارعة. بكلام آخر، لا تخلط موسكو بين الحرص على تطوير علاقاتها مع القوى الإقليمية ‏بالشرق الأوسط، وتوتر علاقاتها مع واشنطن. ‏
والمناورة الروسية جريئة للغاية لأنها تستعمل الورقة الخليجية المصرية في سورية ضد الأتراك، ‏بعيد توقيع اتفاق سوتشي ومع توارد أنباء عن انتشار قوات خليجية شرقي نهر الفرات ‏بمحافظة دير الزور، وفي لحظة تصاعد العداء التركي السعودي على خلفية مقتل الصحفي ‏جمال خاشقجي، فضلاً عن ترافقها مع استمرار المنافسة السعودية الإيرانية في المنطقة ‏وبلوغها الأوج مع تداعي فصول معركة الحديدة، وتزايد الضغوط على إيران بعد فرض إدارة ‏الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقوبات على مبيعاتها للنفط. ‏
بينما يمضي الروس في تطبيق سياستهم المعدلة للتعامل مع التحديات الناشئة عن الأزمة ‏السورية، ينصرم العام، فيما تتزايد التعقيدات حول أدوار إيران والولايات المتحدة وتركيا، ‏وترحل إلى العام المقبل.