مُزَاوَلةُ المُستَحيل! تحريرُ الكُردِ من الرِّهَانِ على الأمريكيّ ومِن الارتهَانِ لَهُ

مُزَاوَلةُ المُستَحيل! تحريرُ الكُردِ من الرِّهَانِ على الأمريكيّ ومِن الارتهَانِ لَهُ

تحليل وآراء

السبت، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٨

د.عقيل سعيد محفوض
يزدادُ المشهدُ في منطقةِ شرقِ الفراتِ كثافةً وتعقيداً، كما لو أنَّ “نهر الفرات”، الذي كان “خطاً لتقسيم العمل” العسكريِّ والاستراتيجيِّ بين روسيا والولايات المتحدة في سورية، أمسى “خط الصدع” الرئيس في الأزمة السورية.
هل يُعَدُّ هدف “تحريرِ الكردِ” من الرّهانِ على الولايات المتحدة أو الارتهان لها نوعاً من “مزاولة للمستحيل” بالفعل؟ وهل يتعلّق الأمر بالكرد، أم أن الأمر يشمل شرق الفرات بمكوناته العرقية والإثنية والدينية وغيرها؟ ولماذا يبدو “الكرديُّ” مُستعدّاً للتحالف مع الشيطان –وقد فعل– من أجل كيانيّة مأمولةٍ أو متخيلةٍ في شرق الفرات باسم مُستحدَثٍ مُبْتَدَع هو “روج آفا”، مثلما فعل سوريون آخرون في غير منطقة أو مكان من سورية، في الجنوب تحالفوا مع الأردن والسعوديّة و”إسرائيل”، وفي الشمال مع تركيا، وأيّ سبيل ممكن لـ “تحرير” الكرد من رهاناتهم وارتهاناتهم؟
يبدو أنَّ موقفَ الكردِ في الرّهانِ على الأمريكيِّ، والارتهان له، إنما كان بتأثير مدارك تهديدٍ عاليةٍ كرديّة وعربيّة وتركيّة، بالإضافة إلى مدارك الفرصة السانحة. ثم إنَّ تطور الرهانات الإقليميّة والدوليّة في الأزمة السوريّة، دفع بهم تدريجيّاً، كيما يصبحوا أسرى رهاناتهم الأمريكيّة والغربيّة، وهم لا يستطيعون المواجهة من دون الأمريكيين، لا مواجهة “داعش” ولا تركيا، ولا الجيش السوريّ، وربما وجدوا صعوبات في مواجهة خصومهم من كرد سورية أنفسهم.
ما الذي يمكن أن يفعله النظام السياسيُّ والدولة في دمشق لـ “تحرير” الكرد من أسر رهاناتهم على الولايات المتحدة وارتهانهم بها، ورهاناتها هي عليهم؟
-أولاً: تحرير الفواعل الكرديّة من “ميتافيزيقا الدولة” أو “وهم الدولة”، أو حتى “مرض الدّولة”، وإنَّ الدّولة التعدديّة الديمقراطيّة يمكن أن تكون الحلّ الأفضل، إذا أمكن لنا أن نستذكر مقاربة الزعيم الكرديّ عبد الله أوجلان نفسه.
-ثانياً: الضغط بالورقة العربيّة، إذ يمثل العربُ نسبة كبيرة من السكان في منطقة الجزيرة، كما يمثلون القوام الرئيس لـ “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها كرد وأمريكيون.
-ثالثاً: الانقساميّة الكرديّة، سواء أكانت بين كرد حزب الاتحاد الديمقراطي وكرد التنظيمات السياسية الأخرى، أم بين تيارات الإدارة الكرديّة نفسها، وداخل البنى القياديّة الكرديّة، بين قيادات سوريّة وأخرى من خارج سورية.
-رابعاً: الخبرة التركية.
– وخامساً: الخبرة الإيرانيّة، مثل: ديناميات التغلغل والاختراق للبنى السياسية والعسكرية الراديكاليّة، والتأثير الانقساميّ والاحتوائيّ للعامل الدينيّ والمذهبيّ واللغويّ والتنمويّ، إلخ.
-سادساً: تحريرهم من الارتهان للخارج، واتباع سياسات جاذبة من قبل النظام السياسيّ والدولة، وتعزيز الخط الوطنيّ السوريّ بين الفواعل الكرديّة والعربيّة في شرق الفرات، وإظهار أنَّ العملَ وفق أجندة وطنية سوريّة يمكن أن يحقق للكرد وغير الكرد مكاسبَ متفقاً عليها، وقابلة للاستمرار، وأقل تكلفة.
-سابعاً: سياسات المنوال، أي إعادة شرق الفرات إلى “حضن الدولة” على غرار الغوطة ودرعا والقنيطرة.
لا ننس أن إقامة كيانية في شرق الفرات لم يكن حلماً كرديّاً محضاً تماماً، ثمة من أراد ذلك في الماضي، وهو فرنسا بالتوافق مع أولويات أمريكيّة وصهيونيّة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، عندما كانت محاولات إقامة كيانية كلدو-آشورية-عربية-كردية في منطقة الجزيرة. وكان آنذاك تفكير بأن تكون الجزيرة وطنناً بديلاً للفلسطينيين أيضاً!
ليس الكرد وحدهم من وضعوا رهاناتهم وأحلامهم وقواهم في خدمة الولايات المتحدة، هناك سوريون آخرون فعلوا ذلك وأكثر. وما حصل في منطقة الجزيرة، حصل مثله وأكثر في درعا والقنيطرة والغوطة، لكن مسارات الأمور أجهضت وقوضت ما كان، وأعادت تلك المناطق إلى سياق الدولة.
تتألف الورقة من مقدمة، وستة محاور، أولاً- في المقاربة والسؤال، ثانياً- “خارطة طريق” أمريكية، ثالثاً- الكرد: رهان، وارتهان، رابعاً- تحرير الكرد، ويتضمن: نهاية التاريخ، الضغط بالعرب، الانقسامية الكرديّة، الخبرة التركية! الخبرة الإيرانية، سياسات جاذبة، المنوال؛ خامساً- الكيانيات ممكنة، سادساً- الإشارات والتنبيهات، وأخيراً خاتمة.
مداد – مركز دمشق للابخاث والدراسات