الوقاية حصن المؤسسة والمواطن...بقلم: سامر يحيى

الوقاية حصن المؤسسة والمواطن...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٩ ديسمبر ٢٠١٨

 قرأت في كتاب "فن إدارة المواقف" حكم إدارية، قصّة أعجبتني، ملخّصها أن وكالة "ناسا" دفعت الكثير من الأموال لاختراع قلمٍ يكتب في ظل انعدام الجاذبية أو سوء درجة الحرارة، بينما قرّر الروس استخدام قلم الرصاص لحلّ المشكلة، وفقرة أخرى أن أحد معامل الصابون دفع الكثير من المال لاختراع آلة تعمل بالأشعة السينية من أجل كشف الصناديق الفارغة نتيجة خطأ التعبئة، بينما رأى مصنعٌ آخر أن وضع "مروحةً" فيدفع الهواء الصادر عنها الصناديق الفارغة تلقائياً بتكلفةٍ بسيطة جداً.
 إن هذا يدعونا للتفكير بالمشكلة والبحث عن حلٍ منطقي لها ضمن الإمكانيات المتوفرة، والظروف المناسبة، والوضع القائم، باعتباره الحل الأمثل لأيّة مشكلة تعترضنا، أو قراراً علينا اتخاذه، فما أكثر القرارات الإيجابية البناءة نظرياً وأكاديمياً، لكنّها عملياً تؤتي عكس نتيجتها، أو جزءاً بسيطاً ونضطّر لتعديلها بعد فترة، وأهم ما يجب أن تبحث به المؤسسات الحكومية هو الابتعاد عن التصريحات الارتجالية وغير المحسوبة، لا سيّما عبارات حقٍ يراد منها باطل مثل: الفساد طبيعة بشرية، والروتين والبيروقراطية وسوء الأداء موجود بأكثر الدول المتقدّمة، والمواطن لا يمكن إرضاءه، لا يقدّر ما تقدّمه الحكومة رغم الظروف... إلى ما هنالك.. هذا الكلام صحيح، ولكن عندما ننطلق من مقارنةٍ شاملة، وشعبنا الحيوي النشيط، وتجاربنا وإمكانياتنا نجد أنّنا نجلد أنفسنا ونسيء لذاتنا، لأنّ كل ما نحتاجه هو المتابعة الجدية والصيانة الدورية والاهتمام بالآليات والآلات والمعدّات وكل ما يتعلّق بالأثاث والمباني، بما يساهم باتقاء الأعطال المتكرّرة، والقضاء على حجّة شيخوخة الآلات، ونستفيد من استمرارية أدائها وجودته ومضاعفة عملية الإنتاج، بدلاً من أن نقارن مع الآخر، أو القول بأن شراء الجديد أرخص من الصيانة، لأنّنا سنضطر بعد فترة لإعادة نفس الأسطوانة، أو استنـزاف الكثير من المال والجهد والوقت تحت بند الصيانة، وفي الحالين الخاسر هو الوطن.
إن دور مسؤولي المؤسسة بكل أركانها، تحمّل المسؤولية، وعندها لن يكون لدى المسؤول الوقت حتى يعتبر نفسه أنّه لم ينل جزءاً مما قدّمه للمؤسسة، أو أنّه تم تجاهل أدائه وإنتاجيته وإقالته من منصبه، وهو ذاته لا ينتبه لتفاصيل عاديّة جداً ضمن مؤسسته وخارج إطار مكتبه وأموره الشخصية، فينظر للجزء المليء من الكأس نتيجة الغيث الهاطل، ويتجاهل 99 جزءاً فارغةً كان يمكن إملاءها بقليلٍ من الحكمة والحنكة والوطنية.
 هذا التقصير المبرّر من أصحابه، يوسّع الفجوة بين المواطن ومؤسساته، بما فيهم موظفي المؤسسة، وبات الشكّ شعار الغالبية، فأي تغيير مهما كان جوهرياً ومهماً يعتبر "تبديل طرابيشٍ"، وأجدنا المديح والنفاق والذم عبر النسخ واللصق بعيداً عن التفكير المنطقي والحقيقة الملموسة أو انتظار نتائج العمل، وكلّه بسبب التناقض بين القول والفعل، بين ما نراه على شاشة التلفاز وما نلمسه لمس اليد، بين تصريح هذا المسؤول وأفعاله أو نتائج عمله، واستغلاله لأمورٍ هي واجبه ودوره لا منيّة للمواطن عليه...    
 المؤسسات لها قوانينها وأسسها وآلياتها، ومسؤولية مسؤوليها المتابعة الجدية والبحث والتمحيص في كل هذه القوانين ونقاشها، ومناقشة أي إجراء أو تصرّف مع العدد الأكبر من موظّفيه سواءً كانوا كبار المسؤولين أو الذين على احتكاك مع موضوع النقاش، انطلاقاً من دور المؤسسات إدارة موارد الوطن بحكمة وحنكة، لا بأكاديمية جامدةٍ أو روتين قاتلٍ ومدمّر للوطن والمواطن، عندها سنجد نتائج مذهلة في تحقيق تقدّم مضطرد ومتسارع، ويساهم بتسهيل المهام لأنه استطاع القيام بدوره المنوط به بدراسةٍ جديّة لنظام مؤسسته وهيكليتها، وتداخلاتها وتشابكاتها وتعارضاتها مع الجهات الأخرى، لأنّها كلّها مؤسسات متكاملة متعاضدة، لا متناقضة أو متنافسةً، فكلّها تعمل لخدمة الوطن والمواطن.
 وهنا نتطرّق لمؤسسة جوهرية وجزءٌ أساسٌ من عمل مؤسسات الوطن، ألا وهي المؤسسة الإعلامية، فمن غير المنطقي أنّ رجل أعمالٍ قادر على افتتاح قناةٍ تلفزيونية، بينما نحن نغلق قنواتنا الرسمية، ودولة كالجمهورية العربية السورية لا يعجزها ذلك، ما تحتاجه هو احترامنا لقدسية اسمها، وتفعيل التعاون والتكامل بين كل الجهات المتخصصّة، ولا أحد ينكر أن لدينا مؤسسات مستقلة متخصصة بكل جانبٍ إعلامي، ومديريات ضمن تلك المؤسسات، فبدلاً من البحث عن الفائض والشكليات البحث في المضمون والجوهر، وتلقائياً سينعكس على الشكل والمظهر، فالموارد المادية والكوادر البشرية متوفّرة وكافية لافتتاح قنواتٍ إضافية، على الأقل الحفاظ على الموجود، فهل عجزنا عن الاحتفاظ بقنواتنا، فمن المهمّ جداً أن يكون لدينا قنوات متخصصة متكاملة لا متنافسة، تكون صوت المواطن لدى الحكومة وصوت الحكومة لدى المواطن، في خدمة الوطن، ولسنا عاجزين عن أن تكون لدينا القنوات التالية: "الأولى (الأم)، الفضائية السورية، المنوعات، الدراما السورية، الإخبارية، التلاقي، التربوية، الرياضية، التعليمية".
 لنتعلّم الدرس من النجاحات التي تحقّقها القيادة السياسية ممثّلة بسيّد الوطن، وانتصارات قوى الجيش العربي السوري الذين يروون تراب الوطن المقدّس بعرَقِ جبينهم الطاهر ودمائهم الزكية، فهم لم يأخذوا تجارب الآخرين، بل انطلقوا من الأسس والقواعد النظرية، ووضعوا نصب أعينهم "قدسية التراب الوطني، والدفاع عن كرامة الإنسان السوري،" فاستخدموا الاستراتيجيات الناجعة والتكتيكات المناسبة، انطلاقاً من طبيعة الأرض والعدو الذي يحاربونه والمواطن الذين يدافعون عنه ويستغلّه أعداء الوطن، وصولاً للهدف النهائي تنظيف الجسد الطاهر من رجس الإرهاب وداعميه، وعودة الأمن والأمان لربوع سوريتنا.